ناقِلات مارقة في سنغافورة: ما هي «أساطيل الظل» ومن يستخدمها؟ — أخبار الطاقة

أفادت سنغافورة بارتفاع واضح في عدد الناقلات «المنحرفة» أو ما يُعرف بـ«أساطيل الظل» التي تعمل قرب سواحلها وفي محيط أحد أهم الممرات البحرية العالمية. وفق بيانات لويدز ليست إنتليجنس نقلتها السلطات البحرية الدولية، عبر مضيق سنغافورة ما لا يقل عن 27 من هذه السفن في أوائل ديسمبر، بينما حُددت مجموعة أخرى تتألف من نحو 130 سفينة قرب أرخبيل رياو بإندونيسيا.

رغم أن حركة السفن في المضيق لا تزال كثيفة وتبدو طبيعية من الوهلة الأولى — فالمئات من آلاف السفن تمر هناك سنوياً — فإن رصد السفن ومحللي الشحن يشيرون إلى تغيير ملموس في ملامح بعض السفن التي تستخدم هذه المياه.

لماذا تظهر هذه الناقلات «المنحرفة» قرب سنغافورة؟
أثارت النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط موجات واسعة من العقوبات الغربية على صادرات النفط من دول مثل روسيا وإيران، كما جددت مؤسسات غربية وأميركية مؤخراً أو مدّت العقوبات على نفط فنزويلا. نتيجة لذلك، نشأت شبكة ملاحية موازية وغير رسمية لإبقاء النفط الخاضع للعقوبات في حركة دائمة.

يمثّل مضيق سنغافورة شرياناً حيوياً للتجارة البحرية العالمية، إذ تمر عبره نحو ثلث البضائع المتداولة عالمياً على مسار رحلاتها. وللسفن الناقلة، يظل المضيق ممرّاً شبه حتمي بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي. تراقب هيئة الملاحة والموانئ في سنغافورة حركة الوحدات البحرية داخل مياهها الإقليمية، لكن القانون الدولي يحد من صلاحياتها بمجرد انتقال السفن إلى أعالي البحار — أي خارج حدود الولاية — ما يتيح لأساطيلالظل الازدهار في مناطق رمادية تنظيمياً. في الأسابيع الأخيرة لوحظت نشاطات مشبوهة على مقربة من المياه الدولية، على بُعد نحو 22.2 كيلومتر من الشاطئ، خارج نطاق إنفاذ القانون السنغافوري.

ما هي «أساطيل الظل» وكيف تتفادى العقوبات؟
أدت العقوبات القياسية التي فرضتها حكومات غربية في السنوات الأخيرة على خلفية الحرب في أوكرانيا والبرنامج النووي الإيراني، وما رافق ذلك من إجراءات ضد فنزويلا، إلى تضاعف عدد السفن التي ترفع أعلاماً مزيفة عالمياً إلى أكثر من 450 هذا العام، معظمها ناقلات، وفق قاعدة بيانات المنظمة البحرية الدولية. جميع السفن مطالبة بحمل علم يُبيّن الولاية القضائية التي تنظم عملياتها في البحار الدولية؛ والجهة التي تُمنح جنسية السفن منصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانونالبحار (UNCLOS).

يقرأ  الحكومة: قائد المعارضة في الكاميرون سيخضع للملاحقة القضائيةبسبب الاضطرابات الناتجة عن الانتخابات

السفينة الظلية أو «الشبحية» غالباً ما تكون قديمة وملكية امتلاكها غامض. هذه السفن تغير أعلامها باستمرار؛ فعندما صادرت الولايات المتحدة ناقلة تُدعى «سكِبّر» قبالة سواحل فنزويلا، أعلنت حكومة غيانا المجاورة أن السفينة كانت «ترفع علم غيانا زوراً» ولم تكن مسجلة لديها. كما يقوم مشغلو هذه السفن بتزوير بيانات التسجيل، وبث رموز موقع جغرافي زائفة، أو حتى إيقاف أنظمة التتبع كُلياً لتفادي الكشف والالتفاف على أحكام UNCLOS.

تنقل هذه السفن غالباً نفطاً خاضعاً للعقوبات وبضائع مقيدة أخرى مثل معدات عسكرية، وتُجري في كثير من الأحيان تحويلات حمولة من سفينة إلى أخرى ليلاً بعيداً عن أعين المراقبة، ما يضاعف المخاطر على السلامة والبيئة. إضافة إلى ذلك، يملك معظم هذه الناقلات شركات واجهة في ولايات مثل دبي، حيث تتم عمليات شراء وبيع سريعة من قبل شركات مجهولة أو حديثة التأسيس، مما يزيد صعوبة تتبع أصولها.

أوضحت جنيفر باركر، أخصائية القانون البحري بجامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية، أن تزايد عدد أساطيل الظل يشكل «تحدياً حقيقياً». وأضافت أن معرفة من يملك هذه السفن ومن يؤمنها صعبة للغاية بسبب «الأوراق المشبوهة» التي تحيط بها. كما أشارت إلى أن عملية «البانكينغ» أو نقل الوقود في البحر بين السفن تجعل من الصعب تتبع مصدر السفينة أو مصدر النفط. وأحياناً تقوم هذه السفن بخلط أنواع نفط مختلفة مع ناقلات شرعية خلال التحويلات في البحر، بحيث يصبح من الصعب تحديد أصل النفط وتفادي العقوبات.

ما المخاطر التي تثيرها هذه الناقلات؟
عندما تتعرض سفن قديمة وغير مؤمنة لحوادث، قد ينجم عن ذلك كوارث بيئية مثل تسرب النفط. وفقاً لمتخصصين في الشؤون البحرية، قد تكلف عملية الاستجابة والتنظيف لحادث تسرب من ناقلة ظل ما يصل إلى 1.6 مليار دولار. في ديسمبر الماضي، تحركت السلطات الروسية لاحتواء تسرب نفطي في مضيق كيرتش ناجم عن تلف ناقلتين قديمتين خلال عاصفة قوية؛ لا يزال مدى الضرر البيئي وتكاليف التنظيف غير محدد بدقة. إلى جانب الاصطدامات، تسبب هذه السفن أضراراً بيئية عبر تسرب مواد كيميائية وتفريغ نفايات بشكل غير قانوني.

يقرأ  ديسكفري إديوكيشن تطلق رحلات افتراضية جديدة تقرّب الطلاب من التعلم في العالم الحقيقي

من هم أكثر من يستخدم أساطيل الظل؟
تعد روسيا المستفيد الأبرز من تجارة الأساطيل الشبحية؛ إذ حافظت إلى حد كبير على صادراتها النفطية بالرغم من العقوبات الغربية، ما ضمن لها إيرادات مستمرة لدعم حربها في أوكرانيا. كذلك تبيع إيران وفنزويلا منتجاتها عبر أساطيل مشابهة، وإن بدرجات أقل. تستفيد دولٌ مثل الصين والهند، أكبر مشتريي الخام الروسي حالياً، من خصومات حادة وتشتري النفط غالباً بأسعار دون حدّ السعر الذي فرضته الدول الغربية عند 60 دولاراً للبرميل. رصدت تحليلات S&P Global ومعلومات استخباراتية أوكرانية اعتماد روسيا الكبير على أساطيل الناقلات الشبحية في 2025. كانت الهند الوجهة الأساسية، حيث استوردت نحو 5.4 مليون طن (ما يعادل 55٪ من مبيعات النفط الخام الروسي التي تمت عبر ناقلات الظل) بين يناير وسبتمبر.

احتلت الصين حصة أقل لكنها لا تزال مهمة، بنحو 15٪ تقريباً. وعلى العموم، تتحرك الآن غالبية صادرات النفط البحري الروسي خارج منظومة الشحن المراعية لمعايير مجموعة السبع، مما يبرز الدور المركزي لأساطيل الظل في هذا التداول.

ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومات ضد أساطيل الظل؟

لتفادي تطبيق العقوبات، تحركت كثير من ناقلات الظل بعيداً عن الممرات البحرية الرئيسية. ويُعزى جزء من ذلك إلى متطلبات السلطات الأوروبية بإجراء تفتيشات فعلية أثناء عمليات الانزال بين السفن، ما جعل سير هذه السفن على الخطوط التقليدية أمراً أكثر خطورة.

على سبيل المثال، بدأت كل من الدنمارك والسويد وبولندا وفنلندا وإستونيا مؤخراً بإجراء فحوص للتأمين على الناقلات العابرة لخليج فنلندا والمياه الفاصلة بين السويد والدنمارك، في إطار السعي لضمان الالتزام بعقوبات 2022 على النفط الروسي.

وفي يوليو 2025، فرضت المملكة المتحدة قيوداً — تشمل الحد من الوصول إلى الموانئ البريطانية والخدمات التأمينية والمالية — على 135 ناقلة تابعة لأساطيل الظل وشركتان مرتبطتان، في محاولة لتقليص القدرة النقلية لروسيا وخفض عوائدها من الطاقة.

يقرأ  أوكرانيا تتسلم منظومات «باتريوت» لتعزيز دفاعاتها الجوية ضد روسيا — أخبار الحرب الروسية الأوكرانية

كما حذر رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، من أن إجراءات مماثلة قد تُتخذ إذا رفضت روسيا الاتفاق على وقف إطلاق النار في أوكرانيا، ما يفتح احتمال تنسيق عبر الأطلسي أضيق مع المملكة المتحدة وأوروبا لمواجهة أساطيل الظل.

أضف تعليق