نجونا من الحرب… وقد لا ننجو من وقف إطلاق النار الصراع الإسرائيلي — الفلسطيني

الأحد الماضي خرجت منخيمة أسرتي في الزوايدة بوسط قطاع غزة واتجهت إلى مقهى تويكس القريب، مساحة عمل مشتركة للمستقلين والطلاب. مرّت عشرة أيام على إعلان «وقف إطلاق النار» وظننت أخيراً أن الخروج صار آمناً. كان الخروج بمثابة محاولة لاستعادة قطعة صغيرة من حياتي السابقة.

كنا أنا وأخي على مشارف المقهى حين سمعنا صوتاً مألوفاً — دوي انفجار. استهدفت طائرة مسيّرة مدخل مقهى تويكس.

توقفت عاجزاً. فكرت أن هذه لحظتي؛ لن أنجو من هذه الحرب.

قُتل ثلاثة أشخاص وأُصيب آخرون. لو أننا غادرنا الخيمة قبل دقائق قليلة لربما كنا من بين الضحايا.

ومع انتشار الخبر دخلت أسرتي في حالة من الذعر، يتصلون بنا مراراً بلا انقطاع. كان التغطية ضعيفة ومحاولاتهم تتعثر، ولم نتمكن من طمأنة أمنا إلا بعد عودتنا إلى الخيمة.

تساءلت: أي نوع من «وقف إطلاق النار» هذا؟ شعرت بغضب أقوى من الخوف.

عندما دخل اتفاق وقف النار حيز التنفيذ وقال قادة أجانب إن الحرب انتهت، تجرأ كثيرون منا على الأمل. ظننا أن الانفجارات ستتوقف وأننا سنتحوّل تدريجياً إلى إعادة بناء ما تهدّم من حياتنا دون رعب دائم.

لكن لا يوجد أمل حقيقي تحت احتلال مستمر؛ العنف هنا لا ينقطع حقاً. ذلك اليوم، حين قصفت الجيش الاسرائيلي مقهى تويكس، استُهدِفت أيضاً عشرات المواقع في أنحاء قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 45 شخصاً وإصابة عدد أكبر.

كان أعنف يوم منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. لم يمر يوم دون وقوع ضحايا؛ فإسرائيل تستمر في القتل يومياً. حتى الآن، قُتل أكثر من مئة فلسطيني منذ إعلان ما سُمّي «وقف إطلاق النار».

من بين الضحايا كانت عائلة أبو شعبان المكوّنة من أحد عشر فرداً. وقعت المجزره في 18 أكتوبر، في اليوم الذي سبق القصف الواسع. حاول أفراد العائلة العودة إلى بيتهم في حي الزيتون بمدينة غزة داخل مركبة واحدة، لكن قنبلة إسرائيلية أردت سبعة أطفال وأربعة بالغين: سفيان، سمر، إيهاب ورندة؛ والأطفال karam (10 سنوات)، أنس (8)، نسمة (12)،ناصر (13)، جمانة (10)، إبراهيم (6)، ومحمد (5).

يقرأ  غارات إسرائيلية على صنعاء تستهدف محيط المجمع الرئاسي وقواعد صاروخية

هكذا تسمّي إسرائيل «وقف إطلاق النار».

في يوم الأحد عمّت حالة من الذعر وانعدام الأمن في كل القطاع مع بدء القصف الشامل. وبينما كانت الانفجارات تتوالى، هرع الناس إلى الأسواق لتأمين قدر ما تسمح به إمكاناتهم من طعام تحسباً لاستئناف الحرب والمجاعة.

كان مشهداً يفطر القلب أن يرى المرء كيف، وسط القنابل، يتجه تفكير الناس آلياً نحو الطعام. يبدو أننا فقدنا إلى الأبد إحساس الأمان، والفكرة البسيطة بأن غداً سيكون هناك طعام على المائدة.

ونعم، لا زلنا مجبرين على شراء طعامنا لأن اسرائيل لا تكتفي بانتهاك «الهدنة» بقصفنا، بل تمنع أيضاً دخول المساعدات التي وافقت عليها. كان من المفترض دخول 600 شاحنة مساعدات إلى غزة يومياً. وفق مكتب إعلام غزة، دخلت 986 شاحنة مساعدات منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 11 أكتوبر — أي نحو 15% فقط مما وُعِدنا به. سجّل برنامج الأغذية العالمي دخول 530 شاحنته فقط. لدى الأونروا 6000 شاحنة تنتظر الدخول؛ ولم يسمح لأي منها بالدخول.

أمس قال متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي إنه لم تدخل قوافل إغاثية كبيرة إلى مدينة غزة؛ ولا تمنح إسرائيل الوكالة إذناً باستخدام شارع صلاح الدين. سياسة تجويع شمال غزة ما تزال سارية.

معبر رفح مع مصر — منفذنا الوحيد إلى العالم — ما زال مغلقاً. لا نعلم متى سيفتح مجدداً؛ متى سيسمح لآلاف الجرحى بالعبور لتلقي علاج عاجل؛ متى سيتمكّن الطلاب من المغادرة لمتابعة تعليمهم؛ متى تتّحد عائلات مزّقها الحرب؛ ومتى يستطيع من يحبون غزة — ومن انتظروا طويلاً للعودة — أن يرجعوا أخيراً.

بات واضحاً أن الطرف الإسرائيلي يتعامل مع «وقف إطلاق النار» كمفتاح كهربائي — يشغله ويطفئه متى شاء. في أحد الأيام نعود إلى القصف الشامل، وفي اليوم التالي يعود «وقف إطلاق النار» كأن شيئاً لم يحدث، كأن 45 إنساناً لم يُسفك دمهم، كأن منازل لم تُدمّر ولا عائلات لم تُفجع. مؤلم أن تُعامل حياتنا وكأنها بلا قيمة. محطّم للروح أن تعلم أن اسرائيل قادرة على استئناف القتل الجماعي متى شاءت، دون تحذير ودون مبرر.

يقرأ  كنديون يسحبون إعلان ريجان بعد أن علّق ترامب الغاضب محادثات التجارةأخبار الحرب التجارية

هذا «وقف إطلاق النار» ليس سوى وقفة مؤقتة في حرب نعتقد الآن أنها لا تنتهي — لحظة صمت قد تنقضّ في أي لحظة. سنبقى رهن رحمة محتِل قاتل حتى يعترف العالم حقاً بحقنا في الحياة ويتخذ إجراءات حقيقية لضمانه. حتى ذلك الحين سنظل أرقاماً في عناوين أخبار عن مسلسل القتل الذي لا يتوقف.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبها ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لالجزيرة.

أضف تعليق