نُخْبَةُ مِصْرَ الْجَدِيدَةُ

مختارات أسبوعية من آراء وتحليلات الإعلام العربي حول العالم

النخبة الجديدة في مصر
صحيفة المصري اليوم، مصر، 14 أغسطس

حتى مطلع التسعينيات، كانت قمة المجتمع المصري تتكوّن في الغالب من خريجي المدارس العامة. الوزراء والأطباء والمهندسون والدبلوماسيون وغيرهم كثيرون بدأوا مساراتهم في مدارس القرى والبلدان الصغيرة قبل الانتقال إلى الجامعات الحكومية. اليوم تبدو المعادلة مختلفة تماماً. رغم ندرة الدراسات الدقيقة والإحصاءات المفصلة، بات واضحاً أن خريجي المؤسسات الخاصة — وبالأخص المدارس الدولية — تشكّل النخبة الجديدة في مصر. ذكر اسم مدرسة من هذا النوع في السيرة الذاتية قد يمنح صاحبها أفضلية حاسمة على منافسيه.

العديد من الوظائف الآن تتطلب مستوى جيداً في لغة أجنبية، مما يحجب أمام غالبية خرّيجي المدارس الحكومية — وحتى بعض حملة الدرجات العليا من الجماعات الحكومية — فرص التوظيف هذه. اللغة الإنجليزية تحديداً أصبحت مفتاحاً يفتح أبواباً لا تُفتح لغير الناطقين بها بطلاقة. إن كان إنجليزيتك تعكس المستوى العامي المألوف في المدارس الحكومية، فآفاقك المهنية تبقى محدودة بغض النظر عن اسم الجامعة التي تخرجت منها؛ أما الطلاقة في إنجليزية رسمية ومهذبة فهي تفتح أبواباً مغلقة أمام الغالبية.

هذا ليس شأناً مصرَياً فحسب. على مستوى العالم ترسّخت مكانة التعليم الخاص في منظومات التعليم: نحو 17% من طلاب المرحلة الابتدائية ملتحقون بمدارس خاصة عالمياً، والنسبة ترتفع إلى 26% في المدارس الثانوية. وفي بريطانيا، كما لاحظ أليستر كامبل، ما تزال الغالبية (93%) في المدارس الحكومية، لكن النسبة الصغيرة (7%) من الخريجين من المدارس الخاصة تهيمن بشكل مبالغ فيه على مناصب النفوذ في الحكومة والقضاء والإعلام والتمويل. حتى عندما يصطلي عدد من الوزراء بخبرات المدارس الحكومية، لا يعني ذلك أن المجتمع البريطاني حقق عدالة مبنية على الجدارة أو قدرة حقيقية على التنقل الاجتماعي.

كامبل يؤكد أن التعليم الخاص يمنح امتيازات مستمرة تضع خريجيه في مراكز القرار والثروة والثقافة؛ وما سُمّي بـ«نادي السبعة بالمئة» لا يزال يهيمن. أما سوق العمل فتميل بدورها لتفضيل خريجي المدارس الخاصة: خريجو المدارس والجامعات الحكومية يحاولون التأقلم، لكنهم غالباً ما يواجهون بيئة مهنية تبدو غريبة عنهم، تنطوي على إشارات لطيفة من الاستبعاد — لكن مؤثرة — مثل اللكنات، والزي، والهوايات، ولأساليب المائدة، وحتى أساليب الحوار، ما يعزز الشعور بالفصل بين عالمين.

أليس هذا ما نراه في مصر اليوم؟ كثير من أماكن العمل صارت تعمل بالإنجليزية، رغم أن قاعدة المستهلكين عربية بالدرجة الأولى. قطاعات العقارات والاتصالات والبنوك والضيافة تسوّق نفسها على أنها امتداد لشركات دولية، رغم أن جذورها محلية بامتياز؛ القيم والعادات الاجتماعية داخل هذه المؤسسات تختلف تماماً عن محيطها المجتمعي.

إذا أردت مصر امتلاك حركة حقيقية للتنقل الاجتماعي، فلابد أن يُفتح المجال أمام خريجي المدارس الحكومية — المنتشرين في قرى ومدن لا تُحصى — للوصول إلى مراكز النخبة فعلياً. لا يكفي أن يكون «ختم» مدرسة خاصة أو أجنبية بمثابة جواز مرور إلى الامتياز؛ العدالة تتطلب أكثر: أن تُكتسب الفرص بالجدارة والالتزام والكفاءة، لا بالخلفية أو اللكنة. — عبدالله عبدالسلام

يقرأ  مصر: تهجير الفلسطينيين من مدينة غزة «خط أحمر» في ظل نزوح السكان نحو الجنوب

أين اختفت الجماهير العربية المرتبطة بإيران؟
الشرق الأوسط، لندن، 15 أغسطس

ساد صمت أشبه بالقبر في الشارع العربي، كما لو أن أحداثاً هائلة تهز المنطقة لا تلامس ضمائره. لا تظاهرات، لا اعتصامات، لا تواجد شعبي لافت في العواصم العربية — غياب غير مسبوق ربما للمرة الأولى منذ عقود. وفي المقابل، تكبدت إيران ضربات موجعة: هزائم عسكرية، وتدمير بنى نووية، وخسائر مادية وبشرية هائلة، وتآكل شبكتها النفوذية التي استثمرت سنوات طويلة لبنائها من العراق إلى المغرب.

عند قرار الحكومة اللبنانية مصادرة أسلحة حزب الله، لم تتخطَ ردود الفعل بعض الدراجات النارية تتجول في شوارع بيروت احتجاجاً. فأين الملايين الذين كان يُستدعى بهم صوت زعيم الحزب أو من قبل طهران؟ انهيار تأثير إيران في المحيط العربي يذكّر بسقوط النفوذ الناصري بعد هزيمة 1967: فقد تحولت الحشود العفوية إلى عروض مسيّرة، وتعاظمت العروض المنظمة لتحل مكان الزخم الشعبي الحقيقي، تاركة وراءها صدمة وإحباطاً في أوساط من رهنوا آمالهم في تحرير فلسطين.

إيران أيضاً امتلكت حضوراً شعبياً حقيقياً في وقت من الأوقات، صنعت جيلاً من المتعاطفين عبر الأيديولوجيا والعمل المؤسسي: احتضنت اتجاهات سنية متطرفة أحياناً، وموّلت حركات معارضة سنية، وأقامت روابط عضوية مع الإخوان، ونظمت مؤتمرات نصف سنوية للقوميين والشيوعيين العرب، واستثمرت في النخبة الثقافية والفكرية. خرجت قصائد وكتب وخطب تُمجّد نظام الملالي، وامتدت رسوخ طهران إلى شرائح شيعية وسنية ومسيحية في الخليج ومصر والشام وشمال أفريقيا والسودان واليمن ومغتربات عربية في الغرب؛ ونسخت مئات الوسائل الإعلامية خطها.

طهران نجحت لوقت طويل في تجاوز تناقضات تبدو عميقة: في طرابلس مثلاً بقيت فصائل سنية موالية لها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفي الأردن تعاطت أجزاء من الإخوان مع طهران، وظهرت منشورات ومؤتمرات تدافع عنها. لكن ذلك لم يكن أبداً دفاعاً عن الدين أو جسر تصالح طائفي حقيقي؛ كان مشروعاً سياسياً لتوسيع النفوذ. طهران جندت النخبة والشوارع، وحركت احتجاجات ضد أنظمة أو أفلام أو روايات أو مفاوضات سلام.

بعد حروب ما بعد 7 أكتوبر 2023 تبدّد ذلك الزخم؛ الناس تنحاز للمنتصر وتبعد عن المهزوم، والجهات التي كانت تغذي الحركات تبطلت قنوات تواصلها وجفّت مواردها. الشارع العربي يمجد القوي ويترك المهزومين، ليلتف لاحقاً حول القوة الآتية. أنصاره انتهكوا مرارة الهزائم المتكررة، تماماً كما أصاب محبو ناصر صدمة في ستينيات القرن الماضي. التحدي الآن لدى طهران هو ما إذا كانت ستحافظ حتى على قاعدتها الشيعية، التي تحملت العبء الأكبر وما تزال في حالة صدمة.

قريباً ستدرك شيعة لبنان حقيقة مؤلمة: إنهم ضحايا حزب الله وإيران لا مستفيدين. على مدى أربعة عقود حمَلوا عبء التحالف بمآسيه — انهيار اقتصادي، تدمير أحياء، عقوبات طاولت سبل رزقهم وحوالاتهم من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وشمال أمريكا. ما عانوه ليس تمكيناً لمجتمع، بل ثمن ثقيل لكونهم جبهة لطهران. — عبد الرحمن الراشد

يقرأ  من منبع الرسم هوية بنتاغرام الجديدة والجريئة لمدرسة الرسم الملكية

قصف المدنيين بلا استراتيجية واضحة
الاتحاد، الإمارات، 15 أغسطس

في 8 أغسطس، وأثناء تعليقه على سقوط مدنيين في غزة نتيجة غارات إسرائيلية، حاول السفير الأمريكي لدى إسرائيل مايك هوكابي تبرير القصف بالرجوع إلى قصف الحلفاء لدريسدن في فبراير 1945. ملاحظته الاستفزازية تفتح باب نقاش أوسع حول تاريخ استخدام القوة الجوية ضد المدنيين.

بدأ استعمال القوة الجوية ضد غير المقاتلين في الحرب العالمية الأولى، حين قصفت زبلين ألمانية مدناً بريطانية، ولم تكن الخسائر البشرية آنذاك بالمقارنة مع رعب المدفعية على الجبهات، لكنها أحدثت أثرًا نفسيًا عميقًا ومهدت لعصر جديد من الحروب. خلال فترة ما بين الحربين استُخدمت الغارات في حملات استكبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي أوروبا تركت غارة غونسيكا بصمتها خلال الحرب الأهلية الإسبانية. وحين التفّت الحرب العالمية الثانية اندلعت حملات قصف هائلة ضمت دريسدن وهومبورغ ومدنٍ أخرى خلّفت مئات الآلاف من الضحايا.

في مسرح الهادئ شهدت اليابان في مارس 1945 قصف طوكيو بالنار الذي أحرق عشرات الآلاف، وتبعه تدمير ذري في هيروشيما وناجازاكي. وفي الحقب التالية استمر استخدام القوة الجوية ضد المدنيين في جنوب شرق آسيا خلال الستينيات والسبعينيات، لتصل حداثةً إلى نقاشات محتدمة حول حملات القصف في غزة التي تنتج يومياً مشاهد مرئية مؤلمة: عائلات تبحث تحت الأنقاض، أطفال جياع ومشرّدون، أحياء بكاملها محوَّلة إلى ركام. هذه اللقطات تؤجج الاتهامات الدولية بارتكاب جرائم حرب، بل بعض الأصوات تتحدث عن إبادة.

هذا التساؤل الأخلاقي ليس جديداً؛ فبعد الحرب العالمية الثانية انتقد كثيرون تدمير دريسدن، لكن مسألة تصنيفه جريمة حرب طُويت أمام كشف الفظائع النازية. بالمثل خفت الجدل حول قنبلتي هيروشيما وناجازاكي وسط اعتقاد أن القصف نوَّى نهاية الحرب ووفّر ملايين الأرواح بتجنب غزو بري.

اليوم تواجه غزة متاهة أخلاقية: صحيح أن حماس مسؤولة عن وضع منشآتها وسط السكان المدنيين، لكن إسرائيل تواجه انتقادات متصاعدة لحرب تبدو بلا استراتيجية خروج واضحة. عبر التاريخ، القصف الجوي الذي يستهدف المدنيين يطرح دائماً أسئلة عن الشرعية والجدوى، أسئلة تستمر أصداؤها طويلاً بعد نهاية القصف. — جيفري كيمب

أسلحة حزب الله لم تُعد لحماية لبنان
النهار، لبنان، 15 أغسطس

تتصرف الجمهورية الإسلامية بأقوال متناقضة تجاه لبنان. قبل زيارة علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إلى بيروت، خرج مسؤولون إيرانيون بمنطق واضح يرفض موقف الحكومة اللبنانية بشأن سلاح حزب الله، وحتى وزير الخارجية مشَّر إلى أن أي محاولة لبنانية لتجريد الحزب من أسلحته «ستفشل». لكن مع اقتراب الزيارة تغيّر الخطاب فجأة، وتحول إلى «دعم إيران للشعب اللبناني» بدل الحديث عن دعم الحزب فقط.

يبدو أن هذا التلطيف كان واحداً من شروط الجانب اللبناني لعقد لقاءات لاريجاني مع رئيس الجمهورية ونائب رئيس الحكومة، مع مطالبة واضحة بموعد نهائي — قبل نهاية السنة — لتفكيك السلاح غير الشرعي لحزب لا يمثل سوى اسماً لبنانياً على الورق. الفارق بين شن حملة عدائية على حكومة لبنان وادعاء «دعم الشعب اللبناني» واضح تمام الوضوح.

يقرأ  لبنان يبدأ نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين تطورات في إطار الصراع الإسرائيلي — الفلسطيني

من يدافع عن سلاح حزب الله، واقعياً، يدافع ضد اللبنانيين أنفسهم، إذ أن تلك الأسلحة — امتدادٌ لأسلحة إيران — ألقت ببلد بأكمله في دوامة معاناة شملت مواطنيه الشيعة قبل غيرهم. لم يكن سلاح حزب الله يوماً لحماية لبنان؛ هدفه تحوي�ل البلد إلى ساحة نفوذ طهران. لاريجاني لم يستطع إدامة قناع الاعتدال: في مؤتمر صحفي بعد لقائه رئيس البرلمان عاد ليؤكد معارضة إيران لأي جدول زمني لتفكيك سلاح الحزب، أي رفض عملي لتفكيك ترسانة الملالي في لبنان.

هو يدعو اللبنانيين «للحفاظ على المقاومة» متجاهلاً أن مصدر بؤس لبنان الرئيس هو هذه المقاومة المزعومة، التي أفقرَت الجنوب وساقت البلاد إلى أن تصبح ساحة لاستعراض الرسائل الإيرانية تجاه إسرائيل، وسابقاً لتبادل النفوذ بين نظامي الأسد وإسرائيل. الواقع واضح: المقاومة لم تكن يوماً أكثر من أداة إيرانية، نفّذت مشروع توسعي طهراني استغلت فيه حرب العراق 2003.

ماذا يفسّر اغتيال رفيق الحريري وتتابع الاغتيالات بعدها، بما في ذلك اغتيال لقمان سليم، إن لم يكن إصرار إيران على احتكار لبنان وخنق أي محاولة لإحياء حياته الوطنية، وبالأخص في بيروت؟ من ينسى اعتصام حزب الله الشلّ في وسط بيروت أو أحداث 7 مايو 2008 الدامية؟ ولا حاجة هنا لإعادة تفصيل حرب صيف 2006 التي مهدت لاحقاً لتدخلات سياسية كان ثمنها مريراً.

إيران تعمل لمصلحتها فقط، وهذا ما يعرفه كل طفل لبناني. كل طفل يعلم أن الجمهورية الإسلامية مزقت لبنان وشرّدت أهله؛ ليست لإيران حلفاء في لبنان بل أدوات تأمل بها مقابل صفقة كبرى مع «الشيطان الأكبر» الولايات المتحدة. لاريجاني زار بغداد أولاً ووقّع اتفاق أمني، مسعى لإصلاح ما تبقّى من مشروع التوسع الإيراني؛ والهدف الآن هو إثبات أن لإيران رصيد نفوذ في الإقليم، لبنان من ضمنه. لذا يعود لاريجاني إلى خطاب متهالك يمجد «المقاومة» ويتجاهل كوارثها، بما في ذلك «حرب دعم غزة» التي دمّرت قرى لبنانية وشرّدت أهلها وأعادت عملياً الاحتلال الإسرائيلي إلى بعض المناطق.

لاريجاني يقدّم الكثير من الشعارات والنصائح لكن لا يوفر أجوبة عن أسئلة بسيطة وواضحة: لماذا فتح حزب الله جبهة في جنوب لبنان؟ من سيتحمّل كلفة هزيمته الساحقة؟ من سيعيد إعمار قرى الجنوب؟ من سيعيد النازحين إلى بيوتهم؟ من سيُخرج الاحتلال الذي أعاد الحزب غيابه؟ وفي النهاية يبدو أن مبعوث إيران نسي جرح إيران الأعظم: خسارة سوريا التي تمثل للشاهدة مَمَرّاً أساسياً إلى لبنان وإلى حزب الله. ما لم تعترف إيران بأن حروبها لم تعد تُدار بالميليشيات الوكيلة في البلدان العربية وأن عليها مواجهة تبعاتها داخل إيران نفسها، ستكرر السيناريو ذاته بينما تتحرك المنطقة قدماً. — خيرالله خيرالله

ترجمة: آصف زيلبرف/ذا ميديا لاين. كل ما ورد من ادعاءات وآراء ووقائع ومعلومات في هذه المواد مسؤوليةُ أصحابها وحدهم ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر ذا ميديا لاين، التي لا تتحمّل مسؤولية محتواها.

أضف تعليق