أيامٌ بعدَ ضربةٍ أوكرانيةٍ استهدفت سدَّ خزان بيلغورود المصمَّمَ لإعاقةِ خطوطِ إمداد القوات الروسية، ظهرت مقاطعُ فيديو وصورٌ تُظهرُ خنادقَ غارقةً ومركباتٍ عالقةً في الطين بمنطقةٍ شمالِ خاركيف. تؤكدُ مصادرٌ عسكريةٌ أوكرانيةٌ ووسائلُ إعلامٍ محليةٌ روسيةٌ أنَ الضربةَ على سدِّ خزان بيلغورود في نهر سيفرسكي دونيتس أتتْ كما خططَ لها، مساعدةً في إبطاءِ التقدّماتِ الروسية قربَ مدينةِ فوفشانسك المحاصرة.
تُظهرُ لقطاتُ الأقمارِ الصناعيةِ نتائجَ الهجوم: فيضاناتٌ واسعةٌ تحتَ الخزان، والمياهُ تتدفّقُ سريعًا، تقطعُ الطرقَ ومساراتِ الإمدادِ وخطوطَ الدفاعِ على طولِ المنطقةِ الحدّية.
قال فيلقُ الجيش السادس عشر الأوكراني على قناتِه في تليغرام إنَّ “لوجستيّات العدو أصبحتْ أكثرَ تعقيدًا بشكلٍ ملحوظ”. وأضافَ الفيلقُ أنَّ الوحداتِ التي نجحت في عبورِ سيفرسكي دونيتس وجدتْ نفسها عمليا مقطوعةً عن القواتِ الرئيسية، وأنَّهم ينتظرونَ تعزيزاتٍ لـ”صندوقِ المقايَلة” في إشارةٍ إلى تبادلِ أسرى الحرب.
وقد أوردَتْ قناةٌ محليةٌ في بيلغورود تقريرًا مشابهًا: غرقَتِ المعداتُ الخفيفةُ في الطين على أحدِ الطرق باتجاه فوفشانسك، ووصلت مياهُ خزانِ بيلغورود إلى مواقعَ الجيش الروسي وغسلتْ الطرق، مما عرّضَ اللوجستياتِ والقدرةَ القتاليةَ لخفضٍ كبير.
في تسجيلٍ صوتيٍّ متداولٍ، اشتكى جنديٌّ روسيٌّ قائلاً: “خندقُنا غارقٌ بعد تفجيرِ السدِّ”. وتؤكّدُ مقاطعٌ أخرىُ عجزَ مركباتٍ عن التحركِ وانحسارَ إمكانيةِ الإمدادِ على خطِّ الجبهة.
أعلنَ قائدُ قواتِ الأنظمةَ غيرِ المأهولةِ الأوكرانيةِ، العقيدُ روبرت بروفدي، أنَّ السدَّ تعرَّضَ لضرباتٍ بطائراتٍ دون طيار يومَ السبت، فيما قالَ الحاكمُ الإقليمي إنَّ السدّ تعرَّض لهجومٍ أيضاً يومَ الجمعة. وحذّر فياتشيسلاف جلادكوف على تليغرام من أنَّه إذا تكرّرَ الاستهدافُ فستكونُ هناكَ خطورةٌ على فيضاناتٍ من ناحيةِ إقليمِ خاركيف قد تطالُ عدّة شوارعٍ في بعضِ المستوطناتِ التي يقطنها نحوُ ألفِ نسمةٍ.
يقعُ السدُّ على بُعدِ أكثرَ من ثمانيةِ أميالٍ شمالَ الحدود، لكنَّ مياهَ الفيضانِ الناتجةِ عن الضربةِ أدّت إلى ارتفاعِ منسوبِ نهرِ سيفرسكي دونيتس الذي يقطّعُ مدينةَ فوفشانسك الواقعةَ نحوَ أربعةِ أميالٍ جنوبَ الحدود.
كانتْ فوفشانسك، المدينةُ المدمّرةُ جزئيًا، محورَ قتالٍ متواصل في شمالِ أوكرانيا؛ تحرّرتْ في سبتمبر 2022 ثم استعادَها جزءٌ من الجيشِ الروسي خلال هجومِ مضادٍ في مايو 2024. كلا وزارتي الدفاعِ الأوكرانيةِ والروسيةِ تقولانِ إنَّ القتالَ لا يزالُ عنيفًا في المنطقة، وتَدّعي موسكو أنها ألحقتْ أضرارًا شديدةً خلالَ المواجهاتِ.
قبلَ هجومِ السدّ، حقّقَ الروسُ تقدّماتٍ محليةً بفضلِ موجةِ حرارةِ الصيفِ التي جفّفت الأنهارَ—حسبَ ما نقلَ الفيلقُ السادس عشر—فجفَّ نهرَا سيفرسكي دونيتس وفوفشا، ما سهّلَ اللوجستياتِ لخصمِهم. وأضافَ الفيلقُ أنَّ ذلكَ أتاحَ للعدوِّ تراكمَ احتياطياتٍ وأضحى هناكَ نشاطٌ مُكثّفٌ باتجاهَ فوفشانسك، لكنهَ تمَّ ذلكَ بتكلفةِ خسائرَ فادحةٍ في صفوفهم.
ورغمَ الإعاقةِ اللوجستيةِ التي أحدثها كسرُ السدِّ، يقولُ صحفيٌّ أوكرانيُّ بارزٌ إنَّ القواتَ الأوكرانيةَ لم تستطعْ بعدُ الاستفادةَ الكاملةَ من الوضعِ. نقلَ سيرغي براتشوك على تليغرام عن رفاقٍ في قطاعاتٍ متعدّدة من اتجاهِ فوفشانسك أنهم لم يلاحظوا انخفاضًا في العملياتِ الهجوميةِ أو عملياتِ الطائراتِ المسيّرة خلال يومينِ المتتالين، على الرغمِ من ظروفِ الطقس التي تعقّدُ عملَ طواقمِ الطائراتِ بدونِ طيّار.
وأشارَ براتشوك إلى أنَّ التوتّرَ المستمرَّ يمنعُ ما يُسمّى “نافذةَ الفرصة” من أن تُستغلّ لتحسينِ إمداداتِ الطرفِ المقابلِ أو تبديلِ الأفرادِ في المواقعِ أو تقويةِ خطوطٍ دفاعية. لكنه أضافَ أنَّ المشهدَ قد يتغيرُ كلما استمرّتِ المياهُ في الانسيابِ من السدِّ: “سنرى كيفَ سيتصرّفونَ بعدَ أيامٍ حينَ تُغطَّىُ طرقُ الوصولِ الرئيسيةُ وتُغرقُ المعابرُ وتُدمَّرُ التحصينات. بدونِ مؤوناتٍ وذخائرَ ووقودٍ ومولّداتٍ، ستخمدُ القدراتُ الهجوميةُ إلى حدٍّ ما.”
لا يعدُّ هجومُ بيلغورود الأحدثَ الوحيدَ على سدّ؛ ففي مارس 2023 اتهمتْ أوكرانيا الروسَ بتفجيرِ سدّ نوفا كاخوفكا على نهرِ دنيبرو، ما أدى إلى فيضاناتٍ كبرى وكارثةٍ بيئيةٍ واسعةٍ. مدى تأثيرِ هجومِ بيلغورود على قدراتِ روسيا يبقى خاضعًا للمراقبةِ والوقتِ، لكنّه يبيّنُ كيفَ يستثمرُ الطرفانِ المواردَ المائيةَ كوسيلةٍ لعرقلةِ الآخر.
للتواصل مع الكاتب: [email protected]