إغلاق مطار آلبورغ وشبكة من الرصدات غير المعلنة
أغلقت الدنمارك صباح الأربعاء مطار آلبورغ الواقع في شمال البلاد بعدما رُصدت طائرات مسيّرة مجهولة الهوية في مجالها الجوي. تأتي هذه الحوادث بعد رؤية طائرات مماثلة قرب مطار كوبنهاغن يوم الاثنين، ثم تواصلت بلاغات عن رصد مسيّرات قرب مطارات أخرى في الأيام التالية.
مصدر الطائرات المسيّرة لم يتحدد رسمياً، رغم أن طائرات مشابهة دخلت المجالين الجويين البولندي والروماني في وقت سابق من الشهر وصنّفها مسؤولون على أنها روسية. وفي الوقت نفسه، قالت إستونيا إن طائرات حربية روسية اخترقت مجالها الجوي أيضاً.
الدول التي أبلغت عن اختراقات جوية
الدنمارك
أفادت السلطات الدنماركية في وقت مبكر من يوم الخميس بأن أكثر من طائرة مسيّرة واحدة شوهدت قرب مطار آلبورغ في منطقة يوتلاند شمال البلاد. المطار يخدم رحلات مدنية وعسكرية على حد سواء، وأدى إغلاقه إلى تعطيل عمليات عسكرية بحسب تصريحات الشرطة. وصفت الشرطة نمط الرصدات بأنه مشابه للحادث الذي أوقف الرحلات في مطار كوبنهاغن لأربع ساعات يوم الاثنين عندما شوهدت طائرات كبيرة مجهولة الهوية بالقرب من العاصمة. وقالت الشرطة لوكالة رويترز: «انه من السابق لأوانه تحديد هدف هذه الطائرات ومن يقف خلفها». القوات المسلحة الدنماركية أعلنت تعاونها مع أجهزة الشرطة في التحقيق. وبعد مغادرة الطائرات أجواء آلبورغ، وردت بلاغات باستمرار رصد مسيّرات قرب مطارات في إسبيرج، سوندربورغ وسكريدستراب في غرب البلاد. وصف وزير الدفاع ترولس لوند بولسن (Troels Lund Poulsen) الحوادث بأنها «هجوم هجيني منظم»—أي عمل هجومي هجين—مؤكداً في الوقت نفسه أن الدنمارك لا ترى نفسها مهددة عسكرياً بصورة مباشرة، من دون أن يسمي روسيا صراحة.
بولندا
في 9-10 سبتمبر، تصدّت قوات حلف شمال الأطلسي والسلطات البولندية لطائرات مسيّرة روسية دخلت الأجواء البولندية أثناء هجوم جوي روسي على أوكرانيا، فتم إسقاط بعضها. أغلقت بولندا مؤقتاً عدداً من مطاراتها، بينها مطار وارسو شوبان الأكبر، ونصحت المواطنين بالبقاء في منازلهم أثناء سير العمليات. وأكد رئيس الوزراء دونالد توسك أن الطائرات كانت روسية واعتبر الحادث استفزازاً واسع النطاق، مؤكداً الاستعداد للتصدي لسيناريوهات متعددة. جُمِعت حطام المسيّرات التي سقطت خلال عمليات الاستهداف.
رومانيا
سجلت رومانيا سقوط حطام طائرات مسيّرة روسية على أراضيها منذ بداية الحرب في أوكرانيا. في 13 سبتمبر، أرسلت رومانيا طائرتي إف-16 وطائرتين من طراز يوروفايتر لاعتراض مسيّرة روسية اخترقت مجالها الجوي خلال هجوم على أوكرانيا، ونصحت المواطنين بالاحتماء. وأفاد وزير الدفاع أن المطاردات استمرت حتى اختفت المسيّرة عن شاشات الرادار قرب قرية كيليا فيشي القريبة من الحدود مع أوكرانيا.
إستونيا
أعلنت وزارة الخارجية الإستونية أن ثلاث طائرات مقاتلة روسية دخلت مجالها الجوي في 19 سبتمبر. واعتبر وزير الخارجية مارغوس تساهكنا دخول ثلاث مقاتلات أمراً «وقحاً وغير مسبوق»، مشيراً إلى أن الخروقات الروسية وقعت أربع مرات خلال 2025.
رد فعل الناتو
قال أمين عام ناتوا مارك روتي (Mark Rutte) إن الدفاعات الجوية للحلف فُعّلت بنجاح في الحادث البولندي، بمشاركة قدرات من دول حليفة شملت طائرات F-35 هولندية، طائرات إنذار مبكر إيطالية، طائرات النقل والتموين متعددة المهام التابعة للناتو، وأنظمة باتريوت ألمانية. وطلبت بولندا مشاورات عاجلة بموجب المادة الرابعة من معاهدة الناتو، التي تتيح لأي عضو طلب مشاورات إذا شعر أن أمنه أو سلامة أراضيه مهددان، وهي خطوة تسبق تفعيل المادة الخامسة المخصصة للرد الجماعي على هجوم مسلّح. أعرب الحلفاء عن تضامنهم مع بولندا وأدانوا ما وصفوه بسلوك روسي متهور. وفي 23 سبتمبر، اجتمع الحلف مجدداً بطلب إستونيا، مؤكداً في بيان رسمي «تحمّل روسيا المسؤولية الكاملة عن هذه الأفعال التصعيدية التي قد تؤدي إلى أخطاء حسابية وتعرّض حياة الناس للخطر».
هل تختبر روسيا الغرب؟
يرى مسؤولون أوكرانيون أن الخروقات متعمدة. كتب وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها أن بوتين يوسّع حربه ويختبر الغرب، وأن إحساسه بالإفلات من العقاب يتصاعد. ونشر الرئيس فولوديمير زيلينسكي تغريدات اعتبر فيها دخول المسيّرات الروسية إلى أجواء دول حلف الناتو امتداداً واضحاً للحرب الروسية. كما اعتبر قادة حلفاء آخرون الخروقات «غير مقصودة» مستبعدة؛ ففي المقابل حذّر باحثون متخصصون في حروب المسيّرات من أن بعض الاختراقات قد تكون نتيجة فقدان إشارة نظام تحديد المواقع أو خلل في برمجيات الطائرات الآلية، بحيث تطير المسيّرات حتى نفاد الوقود أو تسقط. كما تُستخدم تكتيكات التشويش على إشارات GPS من الطرفين، وتلجأ روسيا إلى نشر مسيّرات رخيصة «خداعية» من طراز يعرف باسم جربيرا لإرباك منظومات الدفاع الجوي وتشتيتها—وهي نفسها التي استخدمت في الحادث البولندي بحسب تقارير.
موقف روسيا
نفت موسكو تطرّداً أنها استهدفت أي دولة أوروبية عمداً، ووصفت الاتهامات بأنها محاولات لتمزيق حالة التوتر. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن طائراتها المسيرة كانت تستهدف منشآت عسكرية في غرب أوكرانيا ولم تكن موجهة إلى مواقع داخل بولندا. وعاتب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الناتو وأوكرانيا على ما وصفه باتهامات متكررة بلا أدلة، معتبراً أن الطرف الذي يتبنّى «موقفاً مسؤولاً» يجب ألا يطلق مثل هذه الادعاءات غير المؤسَّسة.
موقف الولايات المتحدة
منذ توليه الرئاسة في يناير، سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فتح مسار تفاوضي لوقف الحرب في أوكرانيا، لكن قمته مع الرئيس الروسي في ألاسكا لم تُثمر اتفاق سلام. في أسابيع أخيرة قال ترامب إن دخول المسيّرات إلى الأجواء البولندية «قد يكون خطأً»، ما عرضه لانتقادات، ثم بدا أنه غير موقفه بعد لقائه زيلينسكي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أجاب بنعم على سؤال حول ما إذا كان على دول الناتو إسقاط طائرات روسية تدخل أجواءها.
ماذا سيحدث لاحقاً؟
من المقرر أن يلتقي وزراء دفاع من عدة دول أوروبية لمناقشة إقامة «جدار دفاعي ضد المسيّرات» (حوائط مضادة للطائرات المسيّرة) لحماية الأجواء من اختراقات لاحقة، وستشارك الدنمارك في هذه المباحثات. كما دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إنشاء مثل هذا الحاجز منذ أسابيع، في محاولة لتعزيز القدرات الدفاعية الجماعية ضد تهديد متنامٍ.