هل تشن حكومة إسرائيل حرباً على قناة الجزيرة ووسائل الإعلام؟ أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

تضييق إسرائيلي متصاعد على الاعلام: سيطرة شبه مطلقة على سرد الحرب

تتصاعد خطوات الحكومة الإسرائيلية لتقويض استقلال المنصّات الإعلامية واحتكار سرد الأحداث أمام جمهورها. من بين الإجراءات الأبرز قانون أُطلق عليه اسم «قانون الجزيرة»، الذي يمنح السلطات صلاحية إغلاق مؤسسات إعلامية أجنبية بذريعة الأمن القومي، وقد مدّد البرلمان هذا القانون سنتين إضافيتين بعد إدخاله طارئًا أثناء الحرب على غزة، بهدف عملي لوقف عمل قناة الجزيرة داخل إسرائيل.

بالتوازي، تشرع السلطات في إغلاق شبكة راديو الجيش الشعبية، إحدى القناتين المموّلتين من الدولة والتي تتمتعان باستقلالية تحريرية إلى حدّ ما. هذه المحطة تتعرّض لانتقادات شرسة من اليمين الإسرائيلي الذي يتهمها بالانحياز ضده. ومع ذلك، يظل كثير من الإسرائيليين معتمدين على وسائل الإعلام التقليدية: نحو نصف السكان يتلقون أخبارهم من البث التلفزيوني وحوالى ثلثهم من محطات الراديو.

نبرة التغطية الإعلامية المسموح بها تحظى بأهمية بالغة. يرى محلّلون داخل إسرائيل أن العرض الانتقائي لمعاناة الفلسطينيين خلال الحرب ساهم في إطالة دائرة العنف وعزز إحساسًا بالاسترضاء الداخلي الذي سمح باستمرار العمليات العسكرية تجاه غزة ودول إقليمية مثل سوريا واليمن ولبنان.

رغم ما يصفه مراقبون بأنه بيئة إعلامية مهيأة لصالح الحكومة، تسعى الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة رئيس الوزراء إلى تجاوز الضوابط القانونية على سيطرة الدولة على الإعلام. تضمّ حكومة نتنياهو وزراء مدانين بجرائم تُوصَف بالإرهابية وآخرين دعوا مرارًا إلى ضمّ غير قانوني للضفة الغربية، ومع ذلك تواصل الضغط لتوسيع نفوذها على مجرى المعلومات.

السبب المعلن هو ادعاء أن التغطية إعلامية انتقادية للغاية. السياسيون الإسرائيليون احتجّوا منذ زمن طويل على تعاطي الإعلام الدولي والداخلي مع حرب غزة، لكن اتهامًا جديدًا أُضيف في نوفمبر، إذ حمّلت بعض الأصوات الإعلام مسؤولية تَسهيل هجمات 7 أكتوبر 2023، بزعم أن «تحشيدًا إعلاميًا» ضد التجنيد والاصطفاف ضد إصلاحات قضائية أضعف اللحمة الوطنية وفتح المجال للعدو.

يقرأ  اعتقال رجل في منتجع ساحلي بعد أيام من بثّ مباشر يوثّق تعذيب وقتل ثلاث نساء في «منزل الرعب» على وسائل التواصل الاجتماعي

إلى جانب «قانون الجزيرة» هناك مسوّدات تشريعية جارية: خطة لخصخصة هيئة البث العام «كان»، سعي لإلغاء راديو الجيش، ومبادرة لنقل سلطة تنظيم الإعلام إلى هيئة تُعيّنها الحكومة، ما قد ينهي أية استقلالية متبقية ويتيح تدخّلاً حكوميًا أشدّ.

قنوات «كان» وراديو الجيش طالتهما تقارير نقدية متكررة للحكومة. هذا الأسبوع بثّت «كان» مقابلة مع المتحدث السابق باسم نتنياهو الذي قال إن رئيس الوزراء كلفه بصياغة استراتيجية للتهرّب من المسؤولية عن هجمات 7 أكتوبر — ما أثار موجة انتقادات. من جهته، برّر وزير الدفاع إغلاق راديو الجيش بوصفه منصة تنتقد الجيش وجنوده بشكل مضر.

التغييرات المقترحة في تنظيم الإعلام تتضمن إلغاء هيئات رقابية قائمة واستبدالها بسلطة جديدة بتعيين حكومي، ما يفتح الباب أمام تدخل أكبر في المحتوى وفي آليات الترخيص والمراقبة. كذلك جُسّدت صلاحيات الطوارئ في قانون يسمح للحكومة ــ وبموافقة رئيس الوزراء ولجنة وزارية ــ بوقف بث مؤسسات أجنبية، وإغلاق مكاتبها ومصادرة معداتها وحجب مواقعها إذا رأت تقييمًا مهنيًا بأنها تشكّل خطرًا أمنيًا.

هذا التشريع استُخدم بالفعل في مايو 2024 لحظر قناة الجزيرة داخل إسرائيل، وفي نفس الشهر استُخدم لوقف نشاط وكالة أسوشييتد برس بعد اتهامات بتبادل مواد مرئية مع الجزيرة. المبدأ الجديد يمنح السلطة التنفيذية أدوات واسعة للرقابة على نقل الأخبار والمعلومات الواردة من الخارج.

التحركات لاقت انتقادات من هيئات نقابية دولية مثل الاتحاد الدولي للصحفيين والاتحاد الوطني للصحفيين في المملكة المتحدة، التي اعتبرت قانونية مثل هذه الإجراءات وهجًا مفتوحًا على وسائل إعلام تنتقد سرد الحكومة، ووصفت السلوك بأنه سلوك يُشبه ما تقوم به الأنظمة السلطوية. نحن نعبّر عن قلقٍ بالغ إزاء إقرار البرلمان الاسرائيلي لهذا القانون المثير للجدل، إذ إنّه يشكّل صفعةً قويةً لحرّية التعبير واستقلال وسائل الإعلام، وهجومًا مباشرًا على حقّ الجمهور في المعرفة.

يقرأ  استطلاع — أغلبية الأمريكيين تؤيد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينأخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

كما تعرّضت محاولة إغلاق إذاعة الجيش لانتقاداتٍ لاذعة، حيث وصفت المدعية العامة الإسرائيلية غالي بهاراف-ميارا هذه الخطوة بأنها غير قانونية، واتهمت ائتلاف نتنياهو بتعريض البثّ العام للإضعاف والتهديد والكتم المؤسسي، وتركت مستقبلهما غامضًا ومكتومًا. ولاحقًا انتقدت بهاراف-ميارا أيضًا نقل تنظيم الإعلام إلى سيطرة الحكومة، معتبرةً أنَّ المشروع «يهدد مبدأ حرّية الصحافة ذاته».

ليس كذلك.

لقد كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية، في أغلبها، داعمةً ثابتةً لسياسات الحكومة الإسرائيلية في غزة — حيث قُتل أكثر من سبعين ألف فلسطيني — وفي الضفة الغربية المحتلة. نادرًا ما تُعرض معاناة الفلسطينيين، وإذا ما عُرضت فغالبًا ما تُقدَّم مبرّرةً أو مُسوَّغة.

حتى مع مقتل أكثر من 270 صحفيًا وعاملًا في الإعلام في غزة، قدّمت وسائل الإعلام الإسرائيلية غطاءً واسعًا لأفعال حكومتها وجيشها. ونتيجةً لذلك، كثيرًا لا يدرك الإسرائيليون نفاقَ تصريحات حكومتهم أو يتجاهلونه.

تجلّى ذلك بوضوح في حادثة يونيو عندما استهدفت إيران مستشفىً مُخَلًّى خلال حرب استمرت 12 يومًا بين اسرائيل وإيران؛ وصفت الحكومة الإسرائيلية الحادث بكونه جريمة حرب، وانعكس ذلك غضبًا واسعًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية. لكن هذا الهجوم وقع بعدَ أن اتُهمت اسرائيل، من قِبَل منظمات عدّة منها الأمم المتحدة، بتدمير منظومة الرعاية الصحية في غزة بشكل منهجي، واستهداف العاملين الطبيين للاعتقال وتعرض كثيرين منهم للتعذيب بالرغم من الحماية التي يكفلها لهم القانون الدولي.

«وسائل الإعلام الإسرائيلية… ترى أنَّ مهمتها ليست التثقيف، بل تشكيل وتكوين جمهور مستعدٍّ لدعم الحرب والعدوان»، قالت الصحفية أورلي نوي لقناة الجزيرة من غرب القدس، في أعقاب القصف الذي طال المركز الطبي الإسرائيلي. «إنها تظنّ فعلاً أن لها دورًا خاصًا في هذا الشأن».

أضف تعليق