الضربات الأخيرة التي شنّها الجيش الأميركي ضد زوارق يُزعم أنها كانت تنقل مخدرات قرب السواحل الفنزويلية أثارت تساؤلات دستورية وقانونية، وزادت من مخاوف تصاعد عسكري في المنطقة.
ما حدث بإيجاز
– في الهجوم الأخير يوم الجمعة قُتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص، ليصل عدد القتلى إلى 21 منذ أول هجوم استهدف زورقاً في الثالث من سبتمبر، ضمن ما وصفته ادارة ترامب بـ«حرب على الكارتلات».
– إدارة ترامب أخطرت الكونغرس بأن عصابات المخدرات تُعدّ «مقاتلين غير مشروعين» وأن الولايات المتحدة في «نزاع مسلح غير دولي» معهم.
– منتقدون حقوقيون وقانونيون يرون أن هذه العمليات قد تنتهك الدستور الأميركي والقانون الدولي، وأنّ الضربات تشكّل «إعدامات خارج إطار القضاء» وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
ما نعرفه حتى الآن
– نفّذت القوات الأميركية خلال الأسابيع الماضية أربع ضربات على الأقل ضد زوارق صغيرة في بحر الكاريبي قرب المياه الفنزويلية، وواشنطن تزعم أن تلك الزوارق كانت تحمل مخدِّرات.
– الضربة الأحدث دمرت زورقاً اتُهِم بحمل مخدرات. وضربتان أخريان الشهر الماضي أسفرتا عن مقتل ستة أشخاص على الأقل، بينما قُتل 11 شخصاً في الضربة الأولى في الثالث من سبتمبر.
– البنتاغون لم يكشف عن مواقع دقيقة للعمليات ولا عن أدلة ربط الزوارق بشبكات تهريب المخدرات؛ ولم تقدّم واشنطن دليلاً علنياً يدعم مزاعمها.
– المسؤولون الأميركيون يؤكدون أن العمليات جرت في المياه الدولية، بينما تصرّ السلطات الفنزويلية أنها وقعت قرب أو داخل منطقتها البحرية الإقليمية.
ماذا قال ترامب؟
– أثنى ترامب في كلمة ألقاها من محطة نورفولك البحرية على جهود البحرية في مواجهة «إرهابيي الكارتلات»، وأشار إلى أن زورقاً آخر قبالة سواحل فنزويلا استُهدف مؤخراً.
– تباهى بنتائج الحملة قائلاً إن البحرية «فجّرت الكارتلات في الماء» وإنه لا يجدها الآن «تأتي عبر البحر» فستنتقل طرق التهريب إلى البر.
– أضاف أن التواجد العسكري الأميركي في الكاريبي أسهم في وقف تدفّق المخدرات عن طريق البحر، وأن هناك «المرحلة الثانية» التي ستُدرس. لم تتمكن وسائل إعلام مستقلة من التحقق من صحة كل مزاعمه.
كيف ردّ مادورو؟
– وصف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الضربات بأنها «جرائم شنيعة» وأعلن استعداده لإعلان حالة طوارئ إذا تصاعدت المواجهة العسكرية، في ظل تعزيز بحري وجوي أميركي كبير في الكاريبي الجنوبي.
– ونشرت تقارير أن الولايات المتحدة أرسلت على الأقل ثمانية سفن حرب وغواصة إلى شرق البحر الكاريبي، إلى جانب طائرات F‑35 إلى بورتو ريكو، وبآلاف من البحارة ومشاة البحرية إلى المنطقة.
– واشنطن ضاعفت مكافأة كانت مقررة للوصول إلى مادورو إلى 50 مليون دولار، متهمة إياه بالتواطؤ مع كارتلات لفيض المخدرات إلى الولايات المتحدة عبر كوكايين ملوث بفنتانيل.
– أعلن مادورو إطلاق «عملية تشاور» لاستدعاء ما يسميه «حالة اضطراب خارجي» بموجب دستور فنزويلا لحماية الشعب، وادّعى مراراً أن واشنطن تسعى للإطاحة بحكومته، وهو اتهام تنفيه إدارة ترامب.
– قالت نائبة الرئيس ديلسي رودريغيز إن إعلان الطوارئ سيمنح مادورو صلاحيات خاصة لتعبئة القوات المسلحة وإغلاق الحدود إذا لزم الأمر، فيما أجرت كاراكاس مناورات عسكرية وحشدت ميليشيات وظهرت طائراتها المقاتلة ضمن حملة «دفاع عن الوطن».
هل الضربات قانونية؟
– منظمات حقوقية، وعلى رأسها هيومن رايتس ووتش، اعتبرت أن الضربات البحرية تندرج تحت «الإعدامات خارج نطاق القضاء».
– قالت سارة ياغر، مديرة مكتب واشنطن في هيومن رايتس ووتش: «لا يحق للمسؤولين الأميركيين أن يقتلوا أشخاصاً يتهمونهم بتهريب المخدرات دون محاكمة».
خلاصة
القضية لا ترتبط فقط بمحاربة تهريب المخدرات، بل تتقاطع مع أسئلة دستورية وقانونية وسياسية حول سلطة استخدام القوة عبر المياه الدولية ومخاطر الانزلاق إلى مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ترقب تصاعد التوترات مع ضغط الحاجة إلى أدلة علنية وروية قانونية للحيلولة دون تفاقم الأزمة. «مشكلة دخول المخدرات إلى الولايات المتحدة ليست نزاعاً مسلحاً، ولا يجوز للمسؤولين الأميركيين التهرّب من التزاماتهم بحقوق الإنسان عبر التظاهر بخلاف ذلك»، قال سلفادور سانتينو رجيلمي، عالم السياسة ورئيس برنامج العلاقات الدولية في جامعة لايدن.
اشار رجيلمي إلى أن المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة تحظر استخدام القوة من دولة ضد أخرى، باستثناء الحالات المصرح بها من مجلس الأمن أو ممارسة حق الدفاع المشروع بموجب المادة 51. وأكد أن ادعاء واشنطن بأن الضربات الموجّهة إلى «مهربي المخدرات» قرب سواحل فنزويلا تشكّل دفاعاً عن النفس «يبدو غير قابل للدعم قانونياً».
وأضاف أن الاتجار بالمخدرات، حتى عندما يتخذ طابعاً عابراً للحدود، لا يرتقي إلى مرتبة «هجوم مسلح» وفقاً للقانون الدولي العرفي. «ما لم تثبت واشنطن أن الفاعلين المستهدفين شنّوا أو هددوا بشكل وشيك بشن هجوم مسلح واسع النطاق يُنسب إلى فنزويلا، فإن هذه الأفعال معرضة لانتهاك الحظر الجوهري على استخدام القوة والمسّ بسلامة أراضي دولة أخرى»، قال رجيلمي.
ولكي تتأهل حالة ما على أنها نزاع مسلح غير دولي—كما أخطرت إدارة ترامب الكونغرس—يلزم وجود عنف مسلح مستمر بين مجموعات مسلّحة منظمة أو بين مثل هذه المجموعات ودولة، وفقاً لاتفاقيات جنيف. ولفت إلى أن مجرد وسم الكارتيلات بـ«الإرهابية» أو «ناركو-إرهابية» لا يفعّل تلقائياً أحكام القانون الإنساني الدولي.
حذّر رجيلمي من أن توسيع تصنيف «الإرهاب» لتبرير الاستهداف العسكري يسهّل تطبيع الردود الحربية على مشكلات هي في جوهرها جنائية واجتماعية-اقتصادية؛ «يُعسَكِر إنفاذ القانون ويطمس الفاصل بين مكافحة الجريمة والحرب، وما أدى إليه ذلك من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ما سُمّي ›حرب المخدرات‹، من المكسيك إلى الفلبين»، قال لـــ«الجزيرة».
في تقرير لها، قالت سيلست كيميوتِك، المحامية العليا في مجلس الأطلسي في واشنطن، إن هجوم سفينة خارج سياق نزاع مسلح وبدون تهديد وشيك أو إجراء قضائي قد يُشكّل حرماناً تعسفياً من الحق في الحياة. داخلياً، يستلزم استهداف قاتل خارج البلاد أساساً قانونياً واضحاً بموجب القوانين الأميركية أو الدستور، وأضافت أن لا تفويضاً من الكونغرس ولا تفويضاً محدداً لاستخدام القوة العسكرية (AUMF) يغطي عمليات مكافحة المخدرات في فنزويلا.
كيف تفاعلت دول أخرى؟
انتقدت عدة دول لاتينية هذه التحركات: وصف غستافو بيترو، الرئيس اليساري لكولومبيا، الضربات بأنها «عمل من أعمال الطغيان» في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية؛ «لماذا تُطلق صاروخاً بينما يمكن توقيف القارب واعتقال الطاقم؟ هذا ما يُسمّى قتلًا»، قال. كما ندّد الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا بالهجمات الأميركية على السفن، معتبراً إياها «إعدام أشخاص دون محاكمة». وفي خطاب للأمم المتحدة الشهر الماضي قال لولا إن استخدام القوة القاتلة في حالات لا تشكّل نزاعات مسلحة يعادل إعداماً خارج إطار القضاء، وانتقد أيضاً نشر قوات بحرية أميركية في البحر الكاريبي واصفاً إياها بأنها مصدر «توتر».
روسيا أدانت بدورها الضربات، وعبّرت عن «قلق بالغ» من تصاعد تحركات واشنطن في البحر الكاريبي وما قد يترتب عليها من تداعيات إقليمية، بحسب وزارة الخارجية الروسية عقب اتصال هاتفي بين سيرغي لافروف ووزير الخارجية الفنزويلي إيفان خيل.
وحذّرت الصين، أحد أكبر شركاء كاراكاس التجاريين، من أن الإجراءات الأميركية في المياه قرب فنزويلا تهدّد «حرية الملاحة». وقال المتحدث باسم الخارجية غو جياكون للصحافيين في بكين إن بكين «تعارض استخدام التهديد أو القوة في العلاقات الدولية وأي تدخل في الشؤون الداخلية لفنزويلا بذريعة من أي نوع».
تبقى المسألة القانونية والسياسية مفتوحة: إذ إن أي توسّع أحادي لسلطات إنفاذ القانون عبر عمليات عسكرية في مياه دولة أخرى قد يفاقم التوترات الإقليمية ويثير تساؤلات جوهرية حول احترام سيادة الدول وحقوق الإنسان، وما تزال الدوائر الدولية تراقب تبعات هذه الضربات وتداعياتها المحتملة على السلم والأمن الإقليميين.