هل ستحوّل قوات الدعم السريع مدينة الأبيض الاستراتيجية إلى نسخة أخرى من الفاشر؟ — أخبار حرب السودان

صباح يوم 25 أكتوبر، عندما اقتحمت قوات الدعم السريع بلدة برا في شمال كردفان، راود صادق أحمد همّ ابنَتيه وما الذي سيحل بهما إن عجز عن حمايتهما.

بدأ مقاتلو القوات يداهمون المنازل بحثاً عن مسروقات وعن نساء وفتيات، بحسب ما روى صادق.

تقول الأمم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش إن قوات الدعم السريع تستخدم الاغتصاب كأداة حرب بصورة منهجية وتختطف النساء والفتيات لاستعبادهن جنسياً.

حين وصل المقاتلون إلى بيت صادق، سلّمهم كل ما يملك من أموال وهواتف وذهب، لكنه رفض أن يسلم بناته أو بنات أخيه. «كان ذلك خطاً أحمر بالنسبة لي. كنت مستعداً للموت لحمايتهن»، قال صادق (59 عاماً) لِلجزيـرة.

تمكن صادق من إقناع المقاتلين—المنخرطين في قتال مع الجيش النظامي المعروف بالقوات المسلحة السودانية—بترك أسرته وعائلة أخيه تغادر البلدة.

كانوا من بين نحو 39 ألف شخص نزحوا من إقليم كردفان الكبير بعد تصاعد العنف بشدة بين 26 أكتوبر و9 نوفمبر، وفقاً للأمم المتحدة.

لكن الحظ لم يحالف الجميع؛ أفادت شبكة الأطباء السودانيين بمقتل 38 مدنياً على الأقل خلال استيلاء قوات الدعم السريع على برا، فيما أبلغ رصد محلي الجزيـرة عن حالات تُقتل فيها الذكور في سن القتال بتهمة «التعاطف» مع الجيش.

المحور التالي للصراع

انتهى كثيرون من النازحين من برا لدى أقاربهم أو في مخيمات مفتوحة بالعاصمة الإقليمية أُبيض، المدينة الواقعة على بعد نحو 59 كيلومتراً إلى الشرق.

تُحكم أُبيض سيطرة القوات المسلحة، التي تخوض حرباً مع الدعم السريع منذ أبريل 2023، وتستضيف قاعدة جوية استراتيجية تعمل كحاجز دفاعي لحماية الخرطوم، وفق محللين.

استقبلت أُبيض أيضاً عشرات الآلاف من المهجرين الباحثين عن ملاذ نسبي من عنف الدعم السريع، غير أن المدينة قد لا تبقى آمنة طويلاً.

يقرأ  إيطاليا تفرض غرامات باهظة على رمي النفايات من المركبات

تُعيد قوات الدعم السريع تمركز آلاف المقاتلين صوب شمال كردفان بعد استيلائها على عاصمة شمال دارفور الفاشر الشهر الماضي، بحسب وثيقة مسرّبة حصلت عليها «دارفور24»، واتبعتها تغطيات محلية.

المقاتلون الرُحل المعنَونون «عرباً» الذين يشكِّلون غالبية صفوف الدعم السريع، حاصَروا الفاشر لأكثر من 500 يوم قبل أن يشنّوا حملة عنف ممنهجة ضد قبائل «غير عربية» مستقِرة، ووَصَف كثير من المراقبين ذلك بأنه إبادة جماعية.

يخشَى عمال الإغاثة والمحلّلون والمراقبون المحليون أن تتعرّض أُبيض لنفس المصير.

«توقعي دائماً كان أن تُحاصَر أُبيض من قبل [قوات الدعم السريع] بحلول عيد الشكر»، قال ناثانيل ريمون، المدير التنفيذي لمختبر ييل الإنساني، المتخصِّص في تحليل صور الأقمار الصناعية للحرب في السودان، في إشارة إلى عطلة 27 نوفمبر في الولايات المتحدة.

وأضاف ريمون أن الدعم السريع يبدو أنه يحاول أولاً السيطرة على بلدة بابانوسة في غرب كردفان، التي يحاصرها حالياً، ليستخدمها قاعدة لانطلاق هجوم شامل على أُبيض.

وشرح أن الدفع بمخزون واسع من الطائرات المسيّرة من مطار الفاشر قد يُجهد القوات المسلحة في بابانوسة. «بابانوسة هي حقاً آخر خطوط الدفاع أمام الهجوم المرتقب على أُبيض»، قال.

المعركة المرتقبة

مع انتقال ساحة القتال إلى كردفان، يرفع الجيش عملية التجنيد وينشر آلاف المدنيين المجندين حديثاً—المعروفين بالمستنفِرين—إلى أُبيض.

افتتحت القوات مؤخراً معسكراً للتدريب في شمال كردفان لاستقطاب شبان راغبين في القتال ضد الدعم السريع بعد سقوط الفاشر، وفق محمد الفاتح، صحفي ومحلّل سوداني.

كما تتواجد في أُبيض مجموعات مسلّحة موالية للجيش تُعرف بالقوات المشتركة، التي كان لها دور بارز في صدّ الدعم السريع في الفاشر لمدة عام ونصف، بحسب عامل إغاثة محلي طالب عدم الكشف عن هويته لخطورة الوضع الأمني.

يقرأ  مسؤول في البنتاغون ينفي تقريراً عن حملة تجنيد عسكرية نسبت إلى تشارلي كيركأخبار العنف المسلّح

قال إن معظم المدنيين لا يخرجون من منازلهم أو مخيماتهم بعد غروب الشمس خوفاً من السلب على أيدي مسلحين في الشوارع.

وفرّ آخرون إلى ولاية النيل الأبيض المجاورة، التي ترتبط بالطريق الوحيد الذي يؤدي من وإلى الفاشر، وفق رصد محلي.

قال حافظ محمد، مدير منظمة العدالة أفريقيا لحقوق الإنسان، إن المزيد من الناس يحاولون الخروج قبل أن تحاصر قوات الدعم السريع المدينة. «بعض الناس يغادرون… لأنهم لا يعتقدون أن أُبيض لن تسقط في النهاية. لا يثقون بالجيش»، أضاف.

وأكد محمد إبراهيم، موظف مدني في حكومة بورتسودان المدعومة من الجيش ويعمل بوزارة الاقتصاد في أُبيض، أن المدنيين خائفون جداً من هجوم للدعم السريع بعد تكشّف فيديوهات تدين المجموعات بارتكاب عمليات قتل جماعي وجرائم أخرى في شمال دارفور.

«أرسلت القوات المسلحة تعزيزات حول المدينة… والناس أكثر هدوءاً الآن… الجميع مستعد لمواجهة الدعم السريع إذا هاجم»، قال.

تفوق ناري وعددي؟

رغم حملة التجنيد التي يقودها الجيش للدفاع عن أُبيض، يقول ريمون إن القوات المسلحة تفتقر إلى العتاد والكتلة البشرية الكافية لتحصين المدينة.

عادة ما تعتمد القوات المسلحة على الغطاء الجوي القريب—من طائرات حربية أو مروحيات—لدعم المشاة الميدانيين، وهو عنصر قد يكون حاسماً في مواجهة هجمات الدعم السريع. خلال العام الماضي، امتلكت قوات الدعم السريع منظومات صواريخ أرض‑جو محمولة على الكتف (MANPADS)، وهي تهديد بالغ الخطورة للطائرات المنخفضة التحليق.

تُفيد المعطيات أن هذه المنظومات كانت بحوزة قوات الدعم السريع منذ عام 2024 على الأقل، وقد أثبتت فعاليتها في الحد من التفوق الجوي للقوات المسلحة السودانية.

«القوات المسلحة أمام خيار واحد الان: التحصّن والاستعداد لحالة الحصار… ذلك لأنهم لم يعودوا يسيطرون على الأجواء، وهي الميزة الأهم التي كانوا يتمتعون بها»، قال ريموند لقناة الجزيرة.

يقرأ  مذكرات سارة هوفر تتحول إلى مسلسل تلفزيوني

قد تزيد الدول الإقليمية الداعمة للقوات المسلحة، مثل تركيا ومصر، من إمداداتها العسكرية في محاولة لمعادلة الميزان.

وقد أُبلغ أن تركيا زوّدت القوات المسلحة بطائرات بيرقدار المسيرة المرموقة التي ساعدت في استعادة ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم من قوات الدعم السريع في وقت سابق من العام.

طلبت القوات المسلحة مؤخراً أيضاً الوصول إلى منظومات الدفاع الجوي المصرية لإسقاط طائرات الدعم السريع بدون طيار، لكن مصر تبدو مترددة في الانخراط المباشر في الصراع، وفق تقرير «أفريكا إنتليجنس».

استندت تحليلات ذلك التقرير إلى معلومات مفتوحة المصدر تتبعت رحلات الشحن المصرية والتركية إلى بورتسودان، وإلى مصادر دفاعية تدّعي اطلاعاً مباشراً على التخطيط العسكري لكلا البلدين.

ومع ذلك، حتى لو حصلت القوات المسلحة على أسلحة مطوّرة من حلفائها، فقد لا يكون ذلك كافياً للحفاظ على سيطرتها على مدينة الأبيض، كما قال ريموند.

«هذه الأسلحة ليست حلّاً شافياً؛ الامر أنها لا تعوّض نقص العنصر البشري»، أضاف، مشدداً على أن القوات المسلحة لا تملك عدداً كافياً من المقاتلين للسيطرة على مساحة شاسعة من الأراضي، «هم ينفدون من الرجال».

أضف تعليق