تهديد ترامب بدعوى قيمتها 1,000,000,000 دولار (ملييار دولار) ضد هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تهديده برفع دعوى قضائية بمبلغ مليار دولار ضد هيئة الإذاعة البريطانية، في أحدث خطوة ضمن سلسلة تحرّكات قانونية تستهدف مؤسسات إعلامية كبرى.
الادعاءات وسياق القضية
تقول مذكّرة محامي ترامب إن هيئة الإذاعة انتهكت قوانين التشهير في ولاية فلوريدا عبر تعديل مقطع مرئي في فيلم وثائقي لبرنامج Panorama عرض في 2024 قبل أسبوع واحد من انتخابات الرئاسة في نوفمبر، بحيث أوحى المقطع المعدّل بأنه شجّع أنصاره على اندلاع أعمال شغب في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021 بعد خسارته أمام جو بايدن. الوثائقي عرض خطاباً حماسياً لترامب قبل التأكيد الرسمي لنتيجة الانتخابات، حيث ورد فيه: «سنقاتل حتى الجحيم» تلاها القول «سنمشي إلى الكابيتول». لكن المحرّرين جمعوا بين جملتين مفصولتين بفاصل زمني قدره 54 دقيقة، فنشأت الدلالة القائلة بأنه يحضّ مباشرة على الشغب.
مطالب ترامب والمهلة
في رسالة موجهة إلى هيئة الإذاعة وقعها محاميه أليخاندرو بريتو، طالب ترامب بسحب الوثائقي وبتعويضات لـ«التعويض الملائم عن الضرر الحاصل للرئيس». وأعطيت الهيئة مهلة حتى يوم الجمعة الساعة 22:00 بتوقيت غرينتش للرد، وإلا سيضطر، بحسب الرسالة، إلى ممارسة «كافة حقوقه القانونية والإنصاف» ومنها رفع دعوى تطالب بتعويض لا يقل عن مليار دولار.
مكان التقاضي والإشكالات القانونية
من المتوقع أن تُرفع الدعوى في الولايات المتحدة لا في المملكة المتحدة. الهيئة تواجه منذ تسريب مذكرة استشاري سابق اتهامات بـ«البث تصريحات كاذبة وتشويهية ومضلّلة ومحرّضة» بحق ترامب وفي جوانب أخرى من تغطيتها. صدر اعتذار عام من رئيس مجلس إدارة الـBBC سمير شاه عن «سوء التقدير» في تعديل خطاب ترامب، وتبع ذلك استقالة المدير العام تيم ديفي والمديرة التنفيذية للأخبار ديبورا تورنِس.
آراء قانونية: قضية تقنية لكن صعبة الإثبات في الولايات المتحدة
تقول محامية متخصصة في إدارة السمعة لدى مكتب Keystone Law، إيما طومسون، إنّ لدى ترامب من منظور فني قضية ضد الـBBC: «إذا قطعت الفيديو ولصقت تعليقين لخلق سرد، فذلك هو جوهر التشهير». غير أن خبراء الإعلام والقانون يشيرون إلى أن رفع قضايا تشهير ضد شخصيات عامة في الولايات المتحدة يصطدم بعقبة قانونية عالية: يتعين على المدّعي إثبات أكثر من مجرد كذب المضمون؛ عليه إثبات «سوء النية» أو التجاهل الطائش لحقيقة الادعاء (actual malice).
يشرح ديفيد إردوس، أستاذ القانون في جامعة كامبريدج، أن محكمة أمريكية ستحتاج أولاً إلى تحديد «المعنى الواجب نسبته إلى المنشور»، أي ما إذا كانت اللقطة المعدّلة نقلت رسالة مضللة. وفي القانون الأمريكي، بخلاف القانون البريطاني الذي يركّز على ما إذا كان المنشور كاذباً أو مضللاً، يجب على المدّعي أن يثبت أن الناشر كان على علم بزيفه أو أقدم على نشره بتجاهل طائش للحقيقة، وهو معيار يصعب الوفاء به.
التعديل الأول وعبء الإثبات
تشير طومسون إلى أن التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة يضمن حرية التعبير بشكل واسع ويضع عبء الإثبات على صاحب الشكوى — في هذه الحالة الرئيس السابق. بحسبها، شرط إثبات النية الخبيثة «صعب جدّاً» لأنه يتطلب أدلة مادية على القصد مثل رسائل إلكترونية أو مذكرات داخلية تُظهر العلم أو النية للإضرار.
إثبات الضرر السمعة وكيفية قياسه
زعم محامو ترامب أن بث الـBBC سبّب له «ضرراً مالية وسمعياً جسيماً»، وطالبوا باعتذار وتعويضات مناسبة. عادة ما يكون إثبات الضرر السمعة أسهل إذا تزامن مع خسارة مالية ملموسة (مثل خسارة عقد)، لكن إثبات تضرّر مكانة رئيس دولة أمر أعقد. يؤكد بعض الخبراء أن توقيت البث بعينه — قبيل الانتخابات الرئاسية 2024 — يُعتبر عامل تصعيدي في محاولة التأثير على الرأي العام.
كما أشار غافن فيليبسون، أستاذ القانون بجامعة بريستول، إلى حاجّة المدّعي لإثبات مدى انتشار الادعاء وعدد المشاهدين المتعرضين له. وكان من نقاط التعقيد أن خدمة الـBBC ومنصة iPlayer الرئيسة للبث ليست متاحة رسمياً في الولايات المتحدة، ما يمثل عقبة لبيان أن الفيلم ألحق ضرراً بسمعته في فلوريدا تحديداً.
الخيارات القضائية في المملكة المتحدة وأحكام سابقة
رغم أن التقديم أمام محكمة بريطانية يسهّل إثبات التشهير مقارنة بالقضاء الأمريكي، فإن المبالغ المطالَب بها من ترامب تبدو غير معقولة بالنسبة للمحاكم البريطانية؛ إذ قُيدت التعويضات في قضايا مماثلة بمبالغ تقلّ بكثير عن المليار دولار، وأعلى مبلغ مسجّل في قضايا من هذا النوع قرابة 350,000 جنيه إسترليني.
أخيراً، يلفت إردوس إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعترفت بأن الدعاوى الضخمة، لا سيما في مسائل التشهير، قد تعمل كردع على حرية التعبير، ما يضيف بعداً حقوقياً إلى مسألة استخدام القضاء كأداة في المنازعات الإعلامية. «لقد اعترف بأن حرية التعبير قد تُثبَط بمثل هذه المبالغ»، قال.
عدّة شركات إعلامية الامريكية، من بينها CBS وABC News، دفعت عشرات الملايين لتسوية دعاوى قضائية رفعها الرئيس الأمريكي.
في يوليو من هذا العام، وافقت شركة باراماونت، الشركة الأم لشبكة CBS News، على دفع 16 مليون دولار لتسوية دعوى تتعلق بطريقة تحرير مقابلة عام 2024 التي بثتها إحدى شركاتها الفرعية.
أُقيمت إحدى القضايا بشأن حلقة من برنامج 60 Minutes ضمّت نائبة الرئيس آنذاك كامالا هاريس، وزعَم ترامب أن الحلقة حُررت بشكل مضلّل لصالح الحزب الديمقراطي قبيل انتخابات 2024. كان ترامب قد طالب في البداية بتعويض قدره 10 مليارات دولار ثم رفع المبلغ إلى 20 مليار دولار.
في ديسمبر من العام الماضي، وافقت شبكة ABC، المملوكة لشركة ديزني، على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير أقيمت بشأن تصريحات بثها المذيع جورج ستيفانوبولوس، التي قال فيها إن ترامب «وُجد مسؤولاً عن اغتصاب» الكاتبة إي جيان كارول.
قد تسلك بي بي سي سبيل هذه المحطات وتسوي الدعوى، أو تختار المواجهة كما فعلت صحيفة نيويورك تايمز. فقد قدّم ترامب إلى الصحيفة شكوى العام الماضي طالبًا 15 مليار دولار تعويضًا عن تغطيتها علاقة ترامب بالمدان والمتوفى جيفري إبستين.
حتى الآن، رفضت الصحيفة المقيمة في مانهاتن الانسحاب، مؤكِّدة: «نيويورك تايمز لن تُرهبها أساليب الترهيب».