هل قضت مزاعم روسيا حول هجوم أوكراني على منزل بوتين على آمال السلام؟

روسيا تهدّد بالرد بعد اتهامها استهداف مقر لرئيسها بطائرات مسيّرة

أعلنت موسكو أنها سترد على أوكرانيا بعدما زعمت أن نحو مئة طائرة من دون طيار استهدفت أحد مقرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جاء التهديد في وقت يسعى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوسط في اتفاق سلام لإنهاء الحرب التي تدخل عامها الخامس في فبراير القادم.

ما الذي ادّعته روسيا؟
قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن أوكرانيا شنت هجوماً على مقر “فالداي” الرئاسي في منطقة نوفغورود شمال غربي روسيا، على بعد نحو 360 كيلومتراً شمال موسكو. وذكر لافروف أن 91 طائرة من دون طيار انطلقت نحو المقر، وأن منظومات الدفاع الجوي أسقطت معظمها من دون وقوع إصابات.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية بأن 49 طائرة أسقطت فوق منطقة بريانسك وواحدة فوق سمولنسك و41 فوق نوفغورود أثناء توجهها إلى الهدف. وقال لافروف: «مثل هذه الأعمال الطائشة لن تمر بلا جواب. لقد حُدِّدت أهداف الضربات الردية ومواعيد تنفيذها من قبل القوات المسلحة الروسية.»

اتهمت السلطات الروسية أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي بمحاولة إفشال فرص التوصل إلى اتفاق سلام. وهاجم دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي زيلينسكي على منصة إكس بعبارات حادة مهدداً بأنه سيبقى مختبئاً إن كان هذا صحيحاً. من جهته قال مستشار الكرملين للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف إن الضربة وقعت تقريباً مباشرة بعد محادثات جرت في فلوريدا بين ترامب وزيلينسكي حول إنهاء الحرب.

كيف ردّت أوكرانيا؟
نفى زيلينسكي بشدة تورط بلاده في أي هجوم على مقر الرئيس الروسي، ووصف الرواية الروسية بأنها ملفقة تهدف لتبرير هجمات إضافية على أوكرانيا وعرقلة جهود السلام التي تُجرى مع فريق الرئيس ترامب. ووصفت وزارتا الخارجية الأوكرانية ووزيرها أندريي سيبيها الادعاءات بأنها ذرائع لتقويض المفاوضات وخلق مبرر للهجمات المستقبلية، مؤكداً أنه لم تُقدَّم أي أدلة مقنعة على حدوث مثل هذا الهجوم.

يقرأ  سانت-أوربان تُسلّط الضوء على عالم العناية بالمؤخرةبهوية بصرية جديدة — جريئة وجميلة

ماذا قال ترامب؟
بدت تصريحات ترامب يوم الاثنين مترددة؛ فقد استنكر استهداف منزل شخص بوصفه أمراً مرفوضاً وقال إنه علم بهذا الأمر من الرئيس بوتين وأنه غاضب تجاهه. لكنه لم يؤكد امتلاك أجهزة الاستخبارات الأمريكية أدلة قاطعة، قائلاً فقط: «سنعرف ذلك.» وانتقده برلماني جمهوري لعدم التثبت من الوقائع قبل تبنّي الرواية الروسية.

مواقف دولية
بدا عدد من القادة العالميين متقبلين للرواية الروسية أو على الأقل معربين عن القلق الشديد. وزارة الخارجية الإماراتية دانت محاولة استهداف مقر رئيس روسيا ووصفته بالعمل المرفوض. كما أعرب رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ورئيس وزراء باكستان شهباز شريف عن قلقهما ودعوهما إلى التمسك بالجهود الدبلوماسية لتفادي تفجير الأوضاع.

سجل سابق وتداعيات على المحادثات
سبق لموسكو أن اتهمت كييف بمحاولات استهداف مقرات بوتين، بما في ذلك مزاعم حول محاولات طائرات مسيّرة تجاه الكرملين في مايو 2023 وحادث مماثل في ديسمبر 2024. بدورها تتهم أوكرانيا روسيا بشن هجمات على كييف ومقار حكومية، فيما يستمر الخلاف على الأدلة والادعاءات المتبادلة.

لم تُلغِ روسيا رسمياً المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة، لكنها حذّرت من تشدّد موقفها التفاوضي. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن “العواقب الدبلوماسية ستكون تشديد الموقف الروسي في المفاوضات.” وحذّرت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا من أن الرد الروسي «لن يقتصر على الدبلوماسية»، ملوِّحة بخيارات عسكرية دون تفاصيل.

هل يهدد ذلك مسار السلام الذي تقوده الولايات المتحدة؟
رغم إعلان ترامب مراراً أن اتفاقاً قريب، إلا أن المراقبين يشككون بجدّية تقدم جوهري، خصوصاً بسبب الخلاف الأساسي على مسألة التنازل عن الأراضي التي تحتلها روسيا. خطة ترامب ذات الـ28 بنداً التي عرضت في نوفمبر تضمنت تنازلات إقليمية كبيرة من أوكرانيا، وهو ما أصر زيلينسكي على رفضه مراراً.

يقرأ  نشطاء حقوقيون يتهمون إسواتيني بتعطيل قضية قد تؤثر على عمليات الترحيل من الولايات المتحدة

الكثير من المحللين يعتبرون أن الاتهامات الأخيرة لن تغيّر شيئاً عملياً في المسار التفاوضي الحالي؛ إذ تبقى القضايا الجوهرية حول الحدود والانسحابات والتسوية السياسية معقّدة ولا تزال موضع خلاف. وقالت ناتالي توتشي من معهد الشؤون الدولية بل روما إنه من المستبعد أن تنسحب أوكرانيا طواعية من الأراضي المحتلة ما لم تُقدِم موسكو على انسحابات مقابلة. وأشار خبير الشؤون الروسية كير جايلز إلى وجود مسارات تفاوضية موازية تضم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لكن دون دليل واضح على تنسيق استراتيجي كامل بينها.

الخلاصة
التصعيد الكلامي والاتهامات المتبادلة يضعان ضغوطاً على جهود الوساطة الأمريكية، لكن المعضلة الجوهرية تبقى قضية الأراضي والتنازلات التي ترى كييف أنها غير مقبولة، ما يجعل إحراز اتفاق دائم أمراً غير مؤكد في ظل استمرار الحرب واحتلال نحو عشرين بالمئة من الأراضي الأوكرانية منذ 2014. الموقف يبقى هشاً وقد يشهد مزيداً من المناورات السياسية والعسكرية قبل أن تتضح إمكانية التوصل إلى تسوية شاملة. المفاوضات ستبقى في مفترق صعب.

أضف تعليق