نيويورك — سباق رئاسة بلدية أكبر مدينة في الولايات المتحدة دفع مقيماً محلياً إلى قول ما لم يتوقع قوله.
خارج مجمّع شققه في حي باي رايدج في بروكلين، قال كريس بيرويك، البالغ 58 عاماً والذي يصف نفسه بأنه محافظ معتدل: «عليّ أن أفعل ما هو خير لنيويورك». وأضاف بدهشة إن ما يخرجه الآن من فمه هو أن «أندرو كواوم هو الأفضل لنيويورك». رغم أنّ بيرويك عادة ما يصوّت للحزب الجمهوري، فقد اعترف أنه يفضّل عادةً كورتس سليوا، نجم حركة الحارس المقدس التي برزت في ثمانينيات القرن الماضي، لكنه يعتقد أن التصويت لسليوا في مدينة يهيمن عليها الديمقراطيون سيكون «إهداراً».
«الأمر لدىّ هو الأقلّ شرّاً»، قال المقاول المتقاعد. «لا أحب كوامو، لكنني لست من دعاة الاشتراكية… لا أظن أن هذا البلد بُني على ذلك».
المرشح الديمقراطي الشاب زهران ممداني، الذي فاجأ معظم المراقبين بفوزه في الانتخابات التمهيدية في يونيو، يقدّم برنامجاً واسع الطموح يرتكز على قضايا القدرة على تحمل السكن والإصلاحات التقدمية. حملة كوامو تراهن على أن هناك ناخبين مثل بيرويك مستعدّين «لضمّ أنوفهم» والتصويت لمرشح ديمقراطي من أجل وقف صعود ممداني. انتزاع أصوات المحافظين، إلى جانب استقطاب المستقلين والديمقراطيين المعتدلين المتوجّسين من ممداني، قد يكون أفضل فرصة لكوامو للفوز.
الوضع في استطلاعات الرأي يبدو لصالح ممداني: حتى الأنسب منها تظهر تقدم المرشح البالغ 34 عاماً على كوامو، المَنحدر من عائلة سياسية، بفارق لا يقل عن ثمانية نقاط مئوية، ومعظم الاستطلاعات الرفيعة الجودة تضع الفارق بين 13 و24 نقطة. أما سليوا فنتائجه تتراوح بين 9 و23 بالمئة.
كوامو، الذي غادر منصب حاكم نيويورك في 2021 وسط اتهامات بسوء سلوك جنسي، شدت حملته أخيراً على التواصل مع القواعد المحافظة، وزار منابر إعلامية يمينية وأحياء يسيطر عليها الجمهوريون في الأسابيع الأخيرة من الحملة. في ظهور له مع المذيع المحافظ المتشدّد سيد روزنبرغ منتصف أكتوبر، ناشد كوامو المستمعين بالتصويت له: «أنا أحتاج أن يصوّت لكم من أجلّي»، وطمأن قائلاً: «ليس عندي قرون».
غير مستعدّون للتجارب
مؤيدو كوامو يعتقدون أن الاستطلاعات قد لا تعكس بالضبط مزاج المدينة، ويرهنون آمالهم على أن الجمهوريين والمستقلين، الذين لم يتمكنوا من التصويت في التمهيد المغلق للحزب الديمقراطي، قد يحسمون النتيجة في يوم الانتخابات. من بين 4.7 مليون ناخب مسجل في المدينة عام 2024، نحو 20 بالمئة كانوا غير منتسبين إلى أي حزب، في حين لا يتجاوز عدد الجمهوريين 11 بالمئة.
مؤيدو كوامو يشيرون أيضاً إلى مخاوف متداخلة حول قلة خبرة ممداني في إدارة شؤون المدينة والصعوبات الهائلة التي ستواجه خططه لخفض تكاليف المعيشة. برنامج ممداني يتضمن تجميد الإيجارات، رعاية أطفال شاملة، وحافلات مجانية، ممولة جزئياً من زيادات في الضرائب على الشركات والأثرياء. أي تعديل شامل لقانون الضرائب في المدينة يتطلب دعماً واسع النطاق من نواب الولاية، والحاكمّة كاثي هوشول، الرافضة لفكرة تغيير ضريبي جوهري رغم إعلانها تأييدها لممداني.
«آمل أن ينظر مؤيدو زهران بنظرة نقدية إلى ما يقترحه»، قالت يياتين تشو، 58 عاماً من حي وايت ستون في كوينز، رئيسة تحالف الموجة الآسيوية الذي يدعم كوامو. تشو أعربت عن قلقها خصوصاً بشأن السلامة العامة، مشيرة إلى تعهّدات ممداني بإجراء سلسلة إصلاحات للشرطة، بينما تؤيد خطة كوامو لزيادة عدد ضباط شرطة نيويورك بنحو 5000 ضابط. «مدينة بهذا الحجم ليست ساحة لتجارب»، قالت تشو. «يمكن أن تقول كل هذه الشعارات الجميلة، لكن إدارة مدينة بميزانية 116 مليار دولار و300 ألف موظف — آسفة، الأمر ليس هيناً ولا يمكن أن يُؤدى بعفوية».
خلال التمهيد، حقق كوامو أداءً جيداً في أحياء مانهاتن الثرية حيث ركّز على فكرة أن سياسات ممداني قد تدفع أثرى السكان لمغادرة المدينة، كما حقق نصيباً طيباً من أصوات الناخبين السود وفي أطراف الأحياء الخارجية المتوسطة والراقية الطبقة.
كوامو طرح بعد التمهيد خططاً خاصة به للقدرة على تحمل التكاليف، ولصقها بوصفها أكثر واقعية من وعود منافسه، بما في ذلك سياسة أعلن عنها في أغسطس تجعل الحافلات مجانية للفئات الأشد فقراً بدلاً من مجانية للجميع كما يقترح ممداني. هذه المقاربة تمثل محاولة لاقتطاع جزء من قاعدة ممداني الشعبية.
«أتوقع حركة دعم تمتد عبر الطيف السياسي لصالح كوامو، خصوصاً بين سكان المدينة الذين يعملون في الحرف والمهن اليدوية مثلنا»، قال مايكل لاروزا، 30 عاماً من ميدل فيلج، كوينز، مشيراً إلى أن نقابته أيدت كوامو. «أبي نجار، وأنا كهربائي، نعتمد على ناس يساندونا، ومن ما نراه كوامو يدعمنا».
خوف من قلة الخبرة
أنجي توبى، 63 عاماً، من مساكن عامة في حي موت هيفن في البْرونكس، ترى أن شباب ممداني الذي جذب قاعدة حماسية قد يُحسب عليه كاعتبار في منصب تنفيذي. أعربت عن قلقها من تصريحات سابقة له، بينها دعوته في 2020 لتقليص تمويل الشرطة — موقف تراجع عنه لاحقاً وقدم اعتذاراً واسعاً لأفرادها. «إنه شاب جداً، ولا يملك الخبرة»، قالت. «سيدخل المكتب وسيكتشف أنه قطّع وعوداً لا يستطيع الوفاء بها».
«الترهيب، خطاب الكراهية والإسلاموفوبيا»
في الواقع، الطريق الأكثر مباشرة لنجاح كوامو هو انسحاب سليوا في اللحظة الأخيرة. كوامو روّج لفكرة أن التصويت لسليوا هو في النهاية «تصويت لممداني»، محاولاً بسط الحجة أن انقسام الأصوات مع سليوا يخدم ممداني.
السباق ما زال مفتوحاً، ومع اقتراب يوم 4 نوفمبر يظل التحول في أصوات المحافظين والمستقلين والناخبين المترددين العامل الحاسم الذي قد يبدّل الحسابات لصالح أيٍ من المرشحين. سليوا بقيت متحدّية، وقالت بدلاً من ذلك إن على كوامو أن ينسحب من السباق «ليقضي وقتَه مع مليارديراتك في الهامبتونز».
بعض المحافظين، من بينهم رجل الأعمال البارز جون كاتسيماتيدس الذي يمول برنامج سليوا الإذاعي، طالبوا أيضاً المرشح الجمهوري بالتخلي عن الترشّح.
جو بوريلّي، أبرز قيادي جمهوري سابق في مجلس مدينة نيو يورك، أبلغ قناة فوكس نيوز أنه سيصوّت لكوامو كي لا «يُهدر صوتي».
في الأيام الأخيرة للحملة أعاد كوامو تصعيد أساليبه إلى تكتيكات أكثر حِدّة، بما في ذلك حملة استمرت شهوراً وصوّر فيها مامداني كمناصرٍ للإرهاب بسبب مواقفه المؤيدة لفلسطين ووجّه إليه اتّهامات لا أساس لها بمعاداة السامية. وقبل خوضه السباق، انضمّ كوامو إلى فريق قانوني دافع عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد أمر توقيف صادر عن المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم حرب في غزة.
في مقابلة مع روزنبرغ بدا كوامو متفقاً مع اقتراح مقدم البرنامج بأن مامداني سيحتفل لو تكرّرت هجمات شبيهة بتلك التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة. رد كوامو قائلاً: «هذه مشكلة أخرى»، وهو ما اعتبره كثيرون خطاباً واضحاً من الإسلاموفوبيا والعنصرية. لو انتُخِب مامداني فسيكون أول مسلم يقود المدينة، وأول شخص وُلِد في أفريقيا، وأول شخص من أصول جنوب آسيوية يتولى هذا المنصب.
قالت الحاكمة هوشول، نائبة كوامو السابقة: «التخويف بخوف الناس، وخطاب الكراهية، والإسلاموفوبيا دونٌ عن نيويورك — وعن كل ما نمثّله كولاية».
كوامو كثّف أيضاً هجماته على ارتباط مامداني بمنظّمة الديمقراطيين الاشتراكيين في أمريكا، محاولاً الاستفادة من عدم الثقة العميق لدى المحافظين الأمريكيين تجاه مصطلح «اشتراكي». المنظمة لا تُقدّم تعريفاً صارماً للاشتراكية الديمقراطية، لكن يُفهم عموماً أنها مجموعة سياسات تقدّمية تهدف إلى مجتمع أكثر عدلاً تتحقّق عبر الوسائل الديمقراطية.
خلال مقابلة حديثة على فوكس نيوز حذّر كوامو من «مدينة اشتراكية» تحت قيادة مامداني، واصفاً ذلك بأنه «موت نيويورك كما نعرفها، سواء كنت ديمقراطياً أو جمهورياً».
الخبرة مقابل التجارب
في يوم عاصف من أكتوبر، كانت سيدكورنيا وينستون، امرأة في الثامنة والأربعين من شرق نيويورك، واحدة من متطوّعين اثنين حضرا فعالية توزيع منشورات لكوامو أمام ملعب باركليز سنتر، ذاك الجسم الضخم من الفولاذ المؤكسد في حي بروسبكت هايتس ببروكلين.
شهدت الأسابيع الأخيرة من السباق نهجين متقابلين في الحملة. اعتمد مامداني على جيش من المتطوّعين، مستفيداً من بنية الديمقراطيين الاشتراكيين الواسعة، وبقي حاضراً بقوة عبر فيديوهاته الشخصية على وسائل التواصل. أما لعبة كوامو الأرضية فكانت أقل وضوحاً، مع اعتماد حملته بصورة أكبر على شراء الإعلانات في وسائل الإعلام التقليدية.
وفق تحليل لبلومبيرغ نيوز، جمعت لجان العمل السياسي المؤيدة لكوامو والمناهضة لمامداني أكثر من 14.5 مليون دولار بين 25 يونيو و20 أكتوبر. بينما جمعت لجان مؤيدة لمامداني أكثر من 1.7 مليون دولار خلال تلك الفترة.
تظهر لافتات مؤيدة لسليوا أمام منازل في باي رايدج ببروكلين. حقيقة أن كبار متبرّعي كوامو، بمن فيهم قادة قطاع الأعمال والعقارات، إضافة إلى مليارديرات نافذين مؤيدين لإسرائيل مثل بل أكمان وميريام أديلسون، يتقاطعون أحياناً مع داعمي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثارت استنكار قاعدة دعم مامداني.
لكن متطوّعة كوامو وينستون ترى في هذا التقارب مع ترامب ميزة؛ فترامب هدّد بتقليل تمويل المدينة وإرسال الحرس الوطني إذا انتُخب مامداني. قالت وينستون، التي تعمل طاهية معتمدة: «ترامب وعد بأن يُفلس المدينة إذا انتُخب مامداني. لا يهمني من أنت، لا نريد فتح نزاع [مع الحكومة الفيدرالية] الآن».
متطوّعة أخرى في أواخر الستينات من عمرها، اسمها آن ورفضت ذكر اسم العائلة، كانت تأمل في إقناع ناخبين متردّدين بأن كوامو هو اليد الخبيرة المطلوبة لقيادة المدينة في عصر ترامب. قالت: «إنها خبرة مقابل تجارب. لهذا نحن هنا».
ربما أغيّر رأيي
مع اقتراب يوم الانتخابات حصل كوامو على دفعة بعد تأييد العمدة الحالي إريك آدامز إثر انسحابه من السباق.
لكن تحوّل الولاءات الانتخابية قد ينعكس في الاتجاهين.
في كراون هايتس ببروكلين، جذبت شخصية مألوفة مثل كوامو جونور شال البالغ 67 عاماً خلال الجولة التمهيدية. تحدث شال، الذي يعمل في رعاية الأطفال، عن كوامو باعتباره شخصاً «يفهم الناس الأكبر سناً» في المدينة.
غير أن الحماس المحيط بمامداني دفعه لإعادة النظر. قالت إحدى الناخبات: «الشباب يريدون شيئاً مختلفاً. صوتتُ لكوامو، لكن قد أغيّر رأيي».