دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول حلف الناتو وأعضاء الاتحاد الأوروبي إلى فرض رسوم جمركية تصل إلى مئة في المئة على الصين والهند بهدف الضغط على روسيا لإجبار فلاديمير بوتين على إنهاء الحرب في أوكرانيا. جاء مطلبه خلال اجتماع بين مسؤولين أمريكيين وأوروبيين الأسبوع الماضي، في خطوة اعتبرتها صحف ومحلّلون محاولة لتسريع تفاهم سلام بين موسكو وكييف.
ترامب، الذي وعد في وقت سابق بإنهاء الصراع في «اليوم الأول» لتوليه الرئاسة، أعاد التأكيد على رغبته في اتخاذ «عقوبات كبرى» على روسيا شريطة موافقة حلفائه على تبني إجراءات مماثلة. ونقلت التقارير عن تصريحات أمين الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن واشنطن تعد قيوداً اقتصادية أشدّ على روسيا لكنها تحتاج إلى دعم أوروبي أقوى.
لماذا يطالب ترامب بذلك؟
تشتري الصين والهند نفط روسيا بكميات كبيرة، ما يساهم في إبقاء القتصاد الروسي صالحاً. بصفتها أكبر مشتر للطاقة الروسية، استوردت الصين نحو 109 ملايين طن من النفط الخام العام الماضي، ما يشكل نحو 20% من إجمالي وارداتها الطاقية وفق بيانات الجمارك الصينية. وفي المقابل استوردت الهند نحو 88 مليون طن في 2024، أي نحو 15% من وارداتها.
وفي مسار متقلب، فرضت واشنطن رسماً إضافياً نسبته 25% على واردات من الهند مرتبطة بالنفط الروسي، بينما تجنّبت إلى حدّ الآن فرض تدابير مماثلة على الصين في إطار محاولة للحفاظ على هدوء التجاذب التجاري بين البلدين. ولتفادي هذا التوتر، اقترح ترامب على حلف الناتو فرض رسوم تتراوح بين 50 و100% على الواردات الصينية لإضعاف النفوذ الاقتصادي لبكين على روسيا.
في رسالة نشرها ترامب على حسابه بمنصة «تروث سوشال» في 13 سبتمبر، قال إنه مستعد لفرض عقوبات واسعة على روسيا حال اتفاق الحلفاء على إجراءات متماثلة، وزعم أن رفع الرسوم الجمركية على الصين سيقوِّض «سيطرة» بكين على موسكو اقتصاديًا.
واقع الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية
انخفض اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022. آنذاك كان الاتحاد الأوروبي يستورد نحو 45% من غازه الطبيعي من روسيا، ومن المتوقع أن ينخفض هذا الرقم إلى نحو 13% هذا العام، لكن ترامب يطالب بمزيد من الإجراءات من جانب القارة.
إمكانات وآثار فرض رسوم على الصين والهند
وصل حجم التبادل التجاري بين بروكسل وبكين إلى نحو 732 مليار يورو (حوالي 860 مليار دولار) في 2024، وسجل الاتحاد الأوروبي عجزاً تجارياً في السلع مع الصين بنحو 305.8 مليار يورو، ما يجعل الصين شريك الاستيراد الأكبر للاتحاد. بالمقابل، يبقى حجم واردات الاتحاد من الهند صغيراً نسبياً؛ فقد بلغ العجز التجاري مع الهند في 2024 نحو 22.5 مليار يورو، مع تركيز الواردات الأوروبية على المعدات الإلكترونية والمنتجات الصيدلانية والمعادن الأساسية.
تعني هذه الأرقام أن الاقتصادات الأوروبية مُدرجة بقوة ضمن سلاسل الإمداد التصنيعية الصينية؛ لذا فإن فرض رسوم جمركية مفاجئة بمعدلات مرتفعة جداً (50–100%) سيعطّل التصنيع، ويرفع تكاليف الإنتاج، ويؤدي إلى زيادة في أسعار المستهلكين عبر دول الاتحاد، وهو ما يشرح تردّد بروكسل في تبنّي عقوبات أحادية مُعاقِبة بهذا الحجم.
مع ذلك، أبدت بعض دول الاتحاد دعماً لإجراءات مستهدفة ضد بكين، واجتمع وزراء مالية دول مجموعة السبع في 12 سبتمبر لبحث مزيد من العقوبات على روسيا وإمكانية فرض رسوم على دول تُعدّ “مُمكِّنة” للحرب في أوكرانيا. وفي السياق نفسه، تحتل تركيا، العضو في الناتو، المرتبة الثالثة كأكبر مشتر لمنتجات النفط الروسية بعد الصين والهند، بينما تشتري دول أخرى في الحلف مثل المجر وسلوفاكيا أيضاً نفطاً روسياً.
التوتر العسكري والدبلوماسي
تأتي مطالبات ترامب في ظل توتر متصاعد بين الناتو وروسيا. فقد اخترقت أكثر من عشر طائرات مسيّرة المجال الجوي البولندي الأسبوع الماضي، ودخلت طائرة واحدة المجال الجوي الروماني، ما دفع بولندا ورومانيا إلى التعبير عن استيائهما وتحريك طائرات اعتراضية. اتهمت وارسو تلك الاختراقات بأنها مقصودة، بينما قلّلت موسكو من شأن الحادث ونفت أن تكون تستهدف بولندا. بدورها وصفت بوخارست أفعال موسكو بأنها «غير مسؤولة».
انضمت فرنسا وألمانيا إلى مهمة جديدة للناتو لتعزيز الجناح الشرقي ونقل بعض الأصول العسكرية شرقاً. وعلى خلفية لقاءات شخصية جرت في ألاسكا، أعرب ترامب في مقابلة مع فوكس نيوز عن نفاد صبره تجاه بوتين بعد تكثيف الهجمات الجوية على أوكرانيا، بما في ذلك ما وُصف بأنه أعنف هجوم جوي في وقت سابق من الشهر الحالي، وأشار إلى أنه يدرس فرض عقوبات إضافية على بنوك ومنتجات طاقة روسية.
الطريق القانوني لرسوم ترامب
تواجه صلاحيات ترامب لفرض رسوم بموجب قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA) تحديات قانونية داخل الولايات المتحدة. في مايو حكمت محكمة تجارية أمريكية بأن الرسوم تتجاوز أي سلطة مُخولة للرئيس، وأيدت محكمة استئناف ذلك الحكم في أغسطس، وتتجه القضية الآن إلى المحكمة العليا، مع توقع صدور قرار حول شرعية الرسوم في نوفمبر.
ردود الفعل الدولية وما هو قادم
ردت بكين على تصريح ترامب خلال ساعات بالقول إن الصين لا تشارك في الحروب ولا تساعد في تخطيطها، ونفى وزير خارجية الصين وانغ يي أن تشكل العقوبات حلاً للمشكلات، مؤكداً أن العقوبات تعقّد الأمور. من المقرر أن يلتقي أمين الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بنائب رئيس وزراء الصين خه ليفنغ في مدريد لمحاولة تخفيف التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وعلى صعيد العلاقات مع الهند، قال ترامب إن البلدين «يواصلان التفاوض لتذليل الحواجز التجارية»، وأنه يعتزم التحدث إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودى في الأسابيع المقبلة متوقعاً «خاتمة ناجحة» للمباحثات. وردّ مودى بتفاؤل مماثل، مؤكداً أن البلدين «صديقان طبيعيان وشريكان وثيقان» وأن فِرَقَهما تعمل على إنجاز المباحثات بأسرع ما يمكن.