يعيش أهالي هونغ كونغ حالة حداد على أسوأ حريق شهدته المدينة منذ أكثر من سبعين عاماً، فيما تُجرى الانتخابات المحلية في مشهد يُنظر إليه كتجربة لقياس نبض الرأي العام بعد الحادث المأساوي الذي أثار غضباً واسعاً.
تُقدَّم الانتخابات على أنها اختبار للتوجهات السياسية بعد الحريق الدامي. وأطلقت الحكومة حملة ضخمة لحث السكان على الانتخاب لاختيار أعضاء المجلس التشريعي، بعدما خضع جميع المرشحين لعملية تصفية تهدف إلى التأكد من ولائهم للصين.
تُجرى الانتخابات في أجواء حداد إثر حريق تاي بو الشهر الماضي الذي أودى بحياة نحو 160 شخصاً. وخلال الأيام الأخيرة وزعت السلطات مساعدات للناجين واعتقلت مشتبهين، وسعت في الوقت نفسه لتحسين معايير السلامة في المباني، وسط تساؤلات تطال كيفية وقوع الحادث.
يتنافس 161 مرشحاً على 90 مقعداً في المجلس التشريعي، الذي يعمل كبرلمان مصغّر له صلاحيات تشريع وتعديل القوانين. وهذه هي الانتخابات الثانية منذ 2021، عندما أدخلت بكين تغييرات واسعة على نظام الانتخابات في هونغ كونغ لضمان ترشح «الحُبّوطنين» — أوّبُعبارة أخرى لضمان ترشّح من تعتبرهم بكين موالين لها. تقول بكين إن التعديلات التي أُقرّت بعد احتجاجات 2019 كانت ضرورية للحفاظ على الاستقرار، بينما يرى المنتقدون أنها أضعفت الحياة الديمقراطية.
شهدت الانتخابات السابقة أدنى نسبة إقبال على الإطلاق، إذ بلغ الحضور نحو 30% في ظل تبلد شعور الناخبين. هذا العام غطّت الحكومة المدينة بملصقات تدعو للسّير إلى صناديق الاقتراع، مصحوبة بحوافز وخصومات تسويقية. بعد الإدلاء بصوتهم، يتلقى كل ناخب «بطاقة شكر» يمكن استبدالها بقسائم شراء في محلات ومطاعم مختارة أو خدمات تجميل وفحوص طبية وحتى أقساط تأمينية. كما تقدّم السلطات دخولاً مجانياً إلى المسابح العامة والمتاحف يوم الاقتراع، وتنظم كرنفالات في أحياء متعددة، وتبث عرضاً تلفزيونياً وغالياً، واستحدثت أيضاً شخصيات كرتونية لتمثيل الحملة ونشيداً مُعَدّاً على لحن أغنية شهيرة لنجْم الكانتوبوب آرون كووك بعنوان «لنصوّت؛ معاً نخلق المستقبل».
قال أمين الحكومة الرئيسي إريك تشان للصحفيين الشهر الماضي إن الإجراءات تهدف إلى خلق «أجواء مبهجة واحتفالية» ولتأكيد أهمية الانتخابات في وعي السكان.
في المقابل، ركزت الأنظار أخيراً على الحريق الذي اندلع في 26 نوفمبر في مجمّع وانغ فوك السكني بمنطقة تاي بو الشمالية، والذي وصف بأنه الأسوأ منذ أكثر من سبعين عاماً. ولا يزال عدد القتلى الذي يبلغ حالياً 159 مرشحاً للارتفاع مع استمرار عمليات انتشال الجثث والبحث. ومع تصاعد مشاعر الحزن، يطرح البعض سؤالاً جوهرياً عما إذا كان بالإمكان تفادي هذه المأساة، ويتشكك آخرون بمعايير السلامة العمرانية، لا سيما وأن كثيرين في هونغ كونغ يقطنون مبانٍ شاهقة قديمة مماثلة لمجمع وانغ فوك.
أمرت السلطات بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أسباب الحريق واعتقلت 13 شخصاً بتهم الاشتباه بالقتل غير العمد. كما أصدر المسؤولون قراراً بإزالة شِباك السقالات المستخدمة في تجديد المباني عبر المدينة، بعد أن وجدت التحقيقات أن شِبكة سقالات استُعملت في تجديد مبنى وانغ فوك لم تكن مطابقة لمعايير مقاومة اللهب، وأن حريقاً تفشى بسرعة بسبب الشِبكة ومواد قابلة للاشتعال على الواجهات.
لم تتأخر السلطات في كبح أي مظاهر خلافية؛ فقد اعتُقل رجل كان ضمن مجموعة تطالب بتحقيق مستقل بتهمة التحريض، وقُطِعَت عريضة المطالبة بالتحقيق من الإنترنت. كما احتجزت شرطة هونغ كونغ شخصين آخرين من بينهم مستشار إقليمي سابق.
توقفت الحملات السياسية لوقتٍ قصير بعد الحريق، لكنه استُأنف لاحقاً بعض منتدياتٍ من تنظيم الحكومة، فيما أُلغيت الفعاليات الاحتفالية المرتبطة بالحملة. ورغم الحزن، أصر الرئيس التنفيذي لجمهورية هونغ كونغ الإدارية الخاصة، جون لي، على استمرار الانتخابات كما هو مخطط «لأن علينا أن نمضي قدماً قبل أن نحول حزننا إلى قوة». وقال إن النواب الجدد سيكونون قادرين على دعم جهود إعادة الإعمار والإصلاحات بسرعة.
يرى جون بي بيرنز، أستاذ فخري وخبير في السياسة الصينية بجامعة هونغ كونغ، أن الحكومة ستفسّر نسبة إقبال مرتفعة بأنها علامة على إدراك الجمهور لشرعية النظام السياسي المعدّل «بنوع من القبول النسبي»، لكنه يتوقع أن تكون أرقام الإقبال منخفضة جزئياً بسبب حادثة تاي بو. وأشار إلى أن غالبية سكان هونغ كونغ تاريخياً دعمت قوى المعارضة المؤيدة للديمقراطية التي تمّ عملياً استبعادها من المشاركة، ولذلك «من غير المرجح أن يقنعهم هذا النظام بالمشاركة هذه المرة، كما غابوا في 2021».
وأضاف أن تعبئة قواعد التأييد للمؤيدين للنظام ستكون صعبة أيضاً بعد الحريق. فبعض المؤيدين سينال إعجابهم سرعة إعادة إسكان المشردين والمساعدات المقدمة، «والتي كانت سريعة نسبياً وسخية إلى حدٍ ما»، بينما قد يبقى آخرون بعيدين عن الصناديق «خائبين، بل غاضبين، من مشكلات الحوكمة التي كشفت عنها الكارثة».
أعادت مصلحة الأمن القومي في هونغ كونغ هذا الأسبوع نشر تعليق صادر عن وسيلة إعلام مؤيدة لبكين يدعو السكان إلى التصويت لإظهار الدعم لجهود الحكومة في إعادة الإعمار. جاء في التعليق: «بناء مستقبل جيد معاً يبدأ بهذا التصويت. إذا كنت تحب هونغ كونغ حقاً، فعليك أن تصوّت بإخلاص».
ستشهد هذه الدورة تشكيلة من الوجوه الجديدة، مع تنحّي نحو ربع النواب الحاليين عن الترشح مجدداً. وتفيد وسائل الإعلام المحلية أن بكين ضغطت على عدد من النواب للتقاعد بوضع حدٍ عمري غير رسمي. ويشمل من ينسحبون شخصيات بارزة تجاوزت السبعين من العمر، من بينهم السياسية المعروفة ريجينا إب، وزيرة الأمن السابقة التي لُقِّبت بـ«السيدة الحديدية».