واشنطن تسعى لإسكات الفلسطينيين — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

بينما يستعد قادة العالم للاجتماع في نيويورك لحضور الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، لن تجد فلسطين من يمثّلها هناك: الشعب الفلسطيني مُستبعد لأن وزارة الخارجية الأميركية قررت رفض تأشيرات المسؤولين الفلسطينيين الراغبين في حضور أعمال الجمعية.

منذ 1947 حرصت الولاات المتحدة في الغالب على الالتزام بـ«اتفاقية المقر» مع الأمم المتحدة، ومنحت تأشيرات — وإن كانت محدودة النطاق — لمسؤولين مدعوين إلى اجتماعات المنظمة. غير أن هناك حالات استخدمت فيها واشنطن موقعها كدولة مضيفة لرفض تأشيرات لدبلوماسيين من دول أرادت عزلها، مثل روسيا وإيران وفنزويلا وغيرها.

هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها قادة فلسطينيون رفضاً للتأشيرة. ففي 1988 مُنع ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، من الحضور إلى الأمم المتحدة للمشاركة في أعمال الجمعية العامة، وبررت حكومة الولايات المتحدة قرارها بـ«تهديدات أمنية».

اليوم تعيد إدارة ترامب استخدام مبررات مشابهة، مُعلنة أن القرار يعكس «مصالح الأمن القومي الأميركي» واتّهام السلطة الفلسطينية بعدم الالتزام بتعهداتها و«بتقويض آفاق السلام».

الحجة الرسمية الأميركية القائلة بأن السلطة لم تُدن «الإرهاب»، بما في ذلك هجمات 7 أكتوبر 2023، رثة الهشاشة. تحت قيادة الرئيس محمود عباس، دانت القيادة الفلسطينية «الإرهاب» باستمرار، بما في ذلك تلك الهجمات، وذَهَبت أبعد من ذلك بدعم البيان الفرنسي-السعودي الذي دعا إلى نزع سلاح حماس.

لا بدّ من التذكير أن السلطة الفلسطينية وُجدت بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي وُقعت في البيت الأبيض بحضور عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك يتسحاق رابين بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون. في السنوات التي تلت، تلقت السلطة دعماً مالياً وسياسياً كبيراً من واشنطن، وشاركت في كل مبادرة سلام تقودها الولايات المتحدة.

وبالتالي، اتهام السلطة بأنها «تقوّض آفاق السلام» كلامُ لا أساس له؛ السبب الحقيقي لرفض التأشيرات واضح ويكمن في مكان آخر.

يقرأ  عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين يتضورون جوعًا في مخيمات الخيام بغزة — تغطية عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

تزامن قرار إدارة ترامب مع لحظة دولية أعلنت فيها قيادات غربية نيتها الاعتراف بفلسطين في دورة الجمعية العامة الحالية. من المتوقع أن تنضم فرنسا وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا والبرتغال ومالطا إلى 147 دولة من أعضاء الأمم المتحدة التي تعترف بدولة فلسطين بحلول نهاية سبتمبر.

لقد مارست إدارة ترامب ضغوطاً على هذه البلدان لثنيها عن المضي في خططها. ومع ضيق الخيارات، تبدو واشنطن وكأنها تحاول حرمان الفلسطينيين من لحظة احتفالية ومن منصة لفضح الفظائع الإسرائيلية المستمرة في غزة والضفة الغربية المحتلة.

وفي المقابل، سيُستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأذرع مفتوحة في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من صدور مذكرة توقيف بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية، كان نتنياهو من أكثر الضيوف تواتراً على البيت الأبيض منذ دخول ترامب البيت الأبيض؛ وسيحضر أيضاً اجتماعات الجمعية العامة. من اللافت أنه في 2013 منعت الحكومة الأميركية منحه تأشيرة للسوداني عمر البشير استناداً إلى مذكرة توقيف مماثلة.

بينما تُحرم القيادة الفلسطينية من منصة دولية، تسهم الولايات المتحدة أيضاً في حملة إسرائيل لكتم أصوات الصحفيين الفلسطينيين.

جاء قرار واشنطن برفض تأشيرات الدبلوماسيين الفلسطينيين بعد خمسة أيام فقط من قصف إسرائيل لمستشفى ناصر في غزة، ما أودى بحياة 22 شخصاً بينهم خمسة صحفيين فلسطينيين، في حادث رفع عدد الصحفيين الذين قتلوا منذ اندلاع الحرب إلى 244. لم تُدين إدارة ترامب الهجوم. وقبل أسبوعين، عندما قتل الجيش الإسرائيلي أربعة صحفيين من قناة الجزيرة، بدا أن وزارة الخارجية الأميركية تقبل الرواية الإسرائيلية التي تزعم أن هؤلاء كانوا «جزءاً من حماس».

هذا النأي الأميركي يتكرر أيضاً في حالات استهداف صحفيين آخرين، من بينها اغتيال الصحفية الأميركية-الفلسطينية الشهيرة شيرين أبو عاقلة في مايو 2022، واغتيال زميلي وصديقي ناجح دروزة؟ — عفوًا — نزيه دروزة في 2003 أثناء عمله مع وكالة أسوشييتد برس. (ملاحظة: هنا يظهر خطأ مطبعي بسيط غير مقصود)

يقرأ  هل ستختار إسرائيل الهدنة أم الحرب؟— سياسة

الولايات المتحدة تبدو إذن ملتزمة بمساعدة إسرائيل على حرمان الفلسطينيين من منصة وصوت لعرض قضيتهم الدولية والمطالبة بحقهم في الدولة.

كما لخص مات دوس، نائب الرئيس التنفيذي في مركز السياسات الدولية بواشنطن، في تغريدة: قرار رفض التأشيرات «تعبير مثالي عن عقود من سياسة الولايات المتحدة تجاه الفلسطينيين: سنعاقبكم على العنف، وسنعاقبكم أيضاً على عدم العنف».

إذا مُنعت جهة فلسطينية امتثالية أقرت بالتخلي عن الكفاح المسلح من الكلام، فمن ذا الذي سيُسمح له بالتحدث؟ من يمثل الفلسطينيين؟

الموقف الأميركي الحالي يبدو أنه يدعم جهود المحتلّين الإسرائيليين لإخراج الفلسطينيين من أرضهم ومسح حقهم في تقرير المصير. لكن لا يمكنك أن تُبِيد شعباً برغبة سياسية، حتى لو كنت القوة العظمى الوحيدة في العالم.

الآراء المعبر عنها هنا are رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق