يوم على متن أسطول الصمود العالمي في طريقه إلى غزة

مع توجّه أسطول “صمود” العالمي صوب غزة، يروي الصحافي الكولومبي ماوريسيو موراليس، مراسل الجزيرة على متن القارب، كيف يبدو يوم معتاد للمتطوعين الذين يبلغ عددهم نحو اثنين وعشرين إلى أربعة وعشرين شخصاً.

07:00 صباحاً
يبدأ الركاب في الاستيقاظ، يتفقدون هواتفهم بحثاً عن الأخبار. معظم القوارب مزودة باتصال واي‑فاي؛ شريان حياة للمهمّة ولمن هم على متنها. من ناموا على الأرض خلال الليل يحاولون العودة إلى الأرائك أو المراتب التي خلوها لإدّخار بعض الوقت للنوم، بينما يعود آخرون من نوبات المراقبة الليلية بعد أن بذلوا جهداً لرصد طائرات الدرون أو سفن أكبر قد تعرّض المركب للخطر.

ظروف النوم القاسية وبحر متقلب تجهد كثيرين من المتطوعين الذين ليست لهم خبرة بحرية سابقة، لذا يكون الراحة ثمينة. يعتمد القارب “نظام الشريك” الذي يقرن المتطوعين بعضهم ببعض؛ تتراوح أعمارهم بين 24 و73 عاماً وينتمون لحوالى 14 جنسية. يطمئن الرفقاء على بعضهم دورياً ليتحققوا من نوم وشبع الشريك وعن مدى تحمله للضغوط البدنية والنفسية. المساحات ضيّقة على متن مركب صُمم لاثني عشر شخصاً ويحمل ضعف هذا العدد، ومع العلم بما حصل لأساطيل سابقة عند اعتراضها أو استهدافها، تظل الحيرة وعدم الطمأنينة حاضرة.

09:00 صباحاً
الطعام موزّع بحصص، والإفطار في الغالب فنجان قهوة أو شاي. لكن الحديث سرعان ما ينحرف إلى الشحّ الغذائي، ثم إلى المجاعة المصنوعة بيد الإنسان في غزة، حيث يموت الناس جوعاً يومياً وآخرون يُقتلون وهم يقفون في طوابير طلباً لقوتٍ أسرهم.

المهمّة لا تغيب عن أذهان الجميع. على السطح يقود عمر، فلسطيني يبلغ من العمر 73 عاماً ونكبة عائلته راسخة في ذاكرته، دروساً في التاريخ الفلسطيني. ورغم الحزن الذي تحمله قصصه، فإن إيمانه الطويل بالعمل على كسر الحصار يجعل لقاءاتهما معلوماتية ملهمة.

يقرأ  وزير خارجية سابق يُحكم عليه بالعمل الشاق بتهمة الفساد في زامبيا

10:00 صباحاً
يجتمع المتطوعون والطاقم للاجتماع اليومي، يُحصى عدد الموجودين وتُعطى التحديثات. تُوزّع المهام والدوريات وفق دورة دورية: بعد أن يقوم الجميع بمهمة ما، يبدأ الدور من جديد. لا يعفى أحد من غسل الصحون أو تنظيف المراحيض والطبخ أو ترتيب الأسطح والكوابينات؛ الجميع يشارك طواعية ومن دون مشاحنات.

تنتقل الأخبار أيضاً: تُبلَّغ المجموعة بتصريحات مثل تهديد وزير الأمن القومي الإيزرائيلي باعتبار المتطوعين “إرهابيين” واحتجازهم في سجون عالية الحماية حيث يُحتجز كثير من الفلسطينيين بلا محاكمة ويتعرّضون للتعذيب. تزيد هذه التهديدات من إلحاح المتطوعين على رفع الوعي لدى الحكومات والحركات المجتمعية.

11:00 صباحاً
تبدأ المهام العملية. مارسين، متطوع بولندي في الحادية والأربعين، أصبح الحرفي غير الرسمي على متن القارب؛ يقوم بإصلاحات بسيطة، ضبط نوافذ البحر، إعادة تثبيت مقاعد المراحيض وإحكام الرفوف. يساعد البعض البحّارة في رصد القوارب القريبة أو شباك الصيد أو طائرات الدرون.

في فترات بين المهام يُعدّ الصحافيون تقاريرهم، ويجري بعض المتطوعين مقابلات مع وسائل الإعلام التي تتبع الأسطول، بينما يحدث آخرون حساباتهم على شبكات التواصل أو يبحثون عن زاوية هادئة لقيلولة قصيرة.

14:00–15:00
تُعقد تدريبات تعلم المتطوعين كيف يتصرفون في حال حريق أو سقوط شخص في البحر أو اضطرار لترك السفينة. وهناك تدريبات أخرى تتناول ما يجب فعله إذا تم اعتراض السفينة أو مهاجمتها؛ يُعلّمون كيف يرفعون أيديهم عندما يصعد جنود إيزرائيل إلى متن المركب؛ يجب أن تكون اليدان مرفوعتين في وضع مريح يمكن الثبات عليه لفترة طويلة من دون أن تبدو مهددة، تفادياً لمنح غطاء لأية عنفٍ محتمل.

بالنسبة لبعضهم، تذكّرهم هذه التدريبات بالمخاطر الواقعية التي قد تواجههم. خلال تدريبات في برشلونة قبل الإبحار عرض القادة تجارب أساطيل سابقة وأكّدوا على تبنّي رد فعل سلمي عند التعرض لهجوم، وهو ما وافق عليه الجميع.

يقرأ  اعتبار الفرع الإقليمي الرابع متطرفًا يشعل غضب حزب «البديل من أجل ألمانيا»حزب «البديل من أجل ألمانيا» غاضب بعد تصنيف فرعه الإقليمي الرابع على أنه متطرف

تنطلق طواقم الطهي لتحضير الوجبة الساخنة الوحيدة في اليوم. طهي وجبة تقوّي نحو 24 شخصاً في مطبخٍ بحريٍ مُعدّ لاثني عشر فرداً ليس بالأمر الهين. كوبرا، مواطنة ألمانية من أصل تركي، إحدى الطباخات الرئيسيات؛ ناشطة متعمّقة في حركة التضامن مع فلسطين، سبق أن احتجزت لدى الشرطة في ألمانيا لمدة 24 ساعة إثر مشاركتها في تظاهرة.

17:00 مساءً
تلك الوجبة الساخنة تكون أبرز ما في اليوم. يجتمع بعضهم لتناولها معاً، بينما يختار آخرون مكاناً هادئاً لتناول الطعام والراحة وحدهم.

18:00 مساءً
على السطح تُناقش التحديات التي طرأت خلال النهار وتُحلّ الخلافات الصغيرة فوراً حتى لا تتراكم التوترات بين من على متن القارب.

20:00 مساءً
تبدأ نوبة المراقبة الليلية حيث يراقب المتطوعون المسارات البحرية واحتمال اقتراب قطع أخرى أو طائرات الدرون، ويستمرون بالمراقبة حتى بزوغ الفجر.

22:00 مساءً
بعد جلسة عمر المسائية في التاريخ الفلسطيني، ينخرط الجميع في نقاش عن معنى العمل الجماعي وتأثير الفعل الجماهيري، ويتبادل المتطوعون تجاربهم ورؤاهم.

23:00 مساءً
تبدأ دورة النوم: يرتبّون أماكنهم ويتبادل من ناموا على الأرض مع من ناموا على الأرائك، مستعدين لجولة أخرى من اليقظة والتضامن في صباحٍ جديد. دقايق الهدوء القليلة قبل النوم تصبح ثمينة على متن البحر. في ظل ندرة الأسرّة والوسائد، يخصّص المتطوعن الأولوية لكبار السنّ أو لمن لديهم حالات طبية تستدعي عناية فورية.

ويستمرّ كثيرون في التواصل مع وسائل الإعلام، متأقلمين مع فروق التوقيت لبلدانهم؛ أما رفع المواد فغالبًا ما يكون بطيئًا. ومع هذا الازدحام الرقمي، تتقاطع الإشارات وتتفلت الاتصالات من حين لآخر.

الساعة 12 منتصف الليل
ينام بعض المتطوعين، ويتصل آخرون بالأصدقاء والعائلة، بينما يستغلّ البعض لحظة هدوء قبل محاولة النوم. ومن نوافذ السفينة أو من على الأسطح العلوية، يجلس آخرون بصمت يراقبون البحر الأبيض المتوسط.

يقرأ  زيارة مفاجئة للتبت: شي جين بينغ يؤكد على الوحدة والتنمية

وبالرغم من احتمال اندلاع عنف إن اعترضت القوات الإسرائيلية الطريق، لا تزال المعنويات مرتفعة؛ فهناك أمل حقيقي أن تكون هذه المرة مختلفة، وبعد كل القوافل التي تم اعتراضها أو استهدافها، قد ننجح هذه المرّة في بلوغ شواطئ غزّة.

أضف تعليق