مستقبل أفريقيا مرهون بالمياه تعاملوا معها كبنية تحتية حيوية

نادراً ما تبدأ الأزمات في أفريقيا بالسياسة وحدها. كثيراً ما تنشأ من الموارد المائية — قلة في الكمية، تلوّث في النوعية أو توزيع جائر. تؤدي الجفاف إلى نزوح الرعاة عن أراضيهم، وتُغرق الفيضانات الأسواق والمدارس، وفي الحالتين تزداد الأسر عرضة للتهجير والجوع والصراع. شهد الساحل اشتباكات بين المزارعين والرعاة مع تغيّر أنماط الأمطار؛ وفي جنوب القارة أثارت صنابير المدن الجافة احتجاجات وفرضت تقنينات للمياه. كل مثال يؤكد حقيقة بسيطة: عندما تفشل المياه، تنهار الاقتصادات والعقود الاجتماعية أيضاً.

هذه الهشاشة بنيوية. ما يقارب 95% من الأراضي الزراعية في أفريقيا لا تزال تعتمد على الأمطار، ما يجعل المحاصيل رهينة لتقلبات المناخ. يحذّر تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن أمن المياه يتعرّض لضغوط متزايدة من جهات متعددة. لا يمكن أن يكون التكيّف فعالاً ما لم تُجعل المياه محور التخطيط: في تصميم المنشآت، وفي آليات التمويل، وفي من يمسك بقرار التنفيذ. لقد شهدت بنفسي كيف تصبح المجتمعات أكثر قدرة على الصمود عندما تُخزن المياه وتُدير وتُوزع بعدل.

وعلى الرغم من هذا الإلحاح، لا تزال أفريقيا جنوب الصحراء موطناً لما يقارب نصف الأشخاص في العالم الذين يفتقدون حتى الحدّ الأدنى من خدمات شرب الماء. يجب أن يعيد هذا الواقع ترتيب أولوياتنا. المياه ليست مجرد حق إنساني؛ بل هي البنية التحتية الأساسية للتنمية، تؤثر في ما يُزرع في الحقل، وما يُصنَع في المصنع، وما يُدرّس في الفصل.

عندما تجفّ الحقول أو تنفد المياه من الصنابير، تكون العائلات — وبشكل خاص النساء والفتيات — من يتحمّل الصدمة. لا يتجسّد ذلك في أرقام مجردة، بل في ساعات المشي، والحصص الدراسية الفائتة، والفرص الضائعة.

تقدّر اليونيسف أن النساء والفتيات يقضين نحو 200 مليون ساعة يومياً في جمع الماء — وقت كان يمكن أن يُستثمر في التعلم أو الكسب أو القيادة. وتمتد عدم المساواة إلى ما بعد جمع الماء: التقدّم في مجال الصرف الصحي محدود؛ إذ لا دولة في أفريقيا على المسار لتحقيق الوصول الشامل إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان بحلول 2030، وثلاث دول فقط في طريقها لتحقيق الصرف الصحي الأساسي الشامل.

يقرأ  غموض اختفاء الدكتور أبو صفية — صراع على الحقيقة

الأنابيب وحدها لا تجلب الكرامة؛ الناس يفعلون ذلك. خدمات فعّالة ومستدامة وطويلة الأمد تُبنى عندما تشارك المجتمعات في تحديد الأولويات، عندما تكون الرسوم واضحة، وعندما يمتلك المستخدمون صوتاً حقيقياً. يجب أن تعكس السياسات الواقع اليومي: معايير تتناسب مع ظروف المياه المحلية، وميزانيات مخصصة للصيانة طويلة الأجل، ومعلومات يمكن للمجتمعات الوصول إليها والثقة بها.

تشير تحليلات عالمية إلى أن كل دولار واحد يُستثمر في قطاعي المياه والصرف الصحي يعود بما يقارب أربعة دولارات من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية — عبر الوقت الموفر، وتحسّن الصحة، وارتفاع الإنتاجية.

تنجح الابتكارات عندما تكون متجذّرة في السياق المحلي. أدوات بسيطة مثل الترشيح على نطاق صغير، وكشف التسريبات، والضخ بالطاقة الشمسية، وإعادة استخدام المياه يمكن أن تتوسع بسرعة إذا اقترنت بالتدريب وبدعم للمؤسسات المحلية. كما يمكن لشركاء التمويل والمؤسسات الخيرية والجوائز أن تسرّع من انتشار الحلول المثبتة.

منصات مثل جائزة زايد للاستدامة تبرز الحلول العملية والقابلة للتوسع وتضع الناس في صلب الاهتمام. بصفتِي عضواً جديداً في لجنة اختيار فئة المياه، شاهدت كيف ترفع الجائزة مشاريع تواكب الابتكار والشمولية معاً. في 2025 كرّمت الجائزة مؤسسة SkyJuice لنظام ترشيح بسيط لا يعتمد على الكهرباء (تنقية بالجرْف بالتغذية بالجاذبية) يوفر مياه شرب آمنة لمجتمعات نائية ومهمشة تخرج عن مظلة البنى التحتية التقليدية. وفي 2023 نالت جائزة Eau et Vie تقديراً لتمكينها الأسر الحضرية من توصيل صنابير منزلية وخفض فواتير الأسر منخفضة الدخل.

تُظهر هذه الأمثلة أن التقدّم الشامل ممكن — لكن فقط إذا موافق صانعو القرار بين القول والفعل. ماذا عليهم أن يفعلوا الآن؟

ضعوا الخدمة وليس الرمزية في الصدارة. اعتبروا تعطل مضخة يدوية ريفية بأهمية انفجار أنبوب حضري. اجعلوا كل بند في الميزانية قابلاً للتتبع، وكل عقد شفافاً، وكل مجتمع قادراً على رؤية ما وُعِد وما نُفّذ. اربطوا التمويل ليس فقط بالبنية التحتية المبنية، بل بساعات الوقت الموفر للفتيات، والأمراض الممنوعة في العيادات، والمحاصيل المؤمّنة في الحقول.

يقرأ  غانا توافق على استقبال مواطني غرب أفريقيا المُرحَّلين من الولايات المتحدة

ينبغي أن يُمنح المجتمع المدني والسلطات المحلية مقعداً أقوى على طاولة القرار. عُقد عامة يجب أن تجمع المزودين والمستخدمين والجهات الرقابية تحت بطاقة أداء واحدة، ولتوجّه تلك النتائج الاستثمارات. قواعد الشراء العام يجب أن تكافئ التقنيات القابلة للإصلاح محلياً بواسطة فنيين محليين وقطع غيار متوفرة داخل البلد. وفي الزراعة، حوّلوا الرهان من الاعتماد الحصري على السدود الضخمة إلى دعم إدارة رطوبة التربة، وحصاد مياه الأمطار، والري الصغير النطاق الذي يصل إلى الأسر بسرعة أكبر.

عندما تبعث الحكومات هذه الإشارات — مدعومة بتمويل متوقع وإرادة سياسية — تستطيع الشركات المشاركة بموازنات مشتركة لحماية أحواض المياه، وسيثق المواطنون أن أصواتهم مؤثرة. معيار كل مشروع ينبغي أن يكون بسيطاً: هل يوفّر وقت الفتيات؟ هل يحافظ على صحة الأطفال؟ هل يخلق وظائف في أماكن المعيشة؟

اجعلوا حوكمة المياه والبنية التحتية خطة مركزية لا هامشية. يعني ذلك تخزين المياه في الأماكن المناسبة، وأنابيب لا تتسرّب، ومعالجة تعمل باستمرار، ومشغّلون مُدرّبون ومُنتَظم عليهم الأجر. عندما يعمل النظام، تتحسّن الصحة وتزدهر المجتمعات المحلية. حين تعطي الأولوية لهذه البنية التحتية، تتبعها الكرامة والازدهار.

الآراء الواردة في هذا المقال خاصة بالمؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة. الميات خطأ صغير في النظام لا يعفي من الحاجة للعمل الجاد تجاه حلول عادلة وشاملة للمياه. المجتمعاتت التي تُشرك في الحوار هي وحدها القادرة على ضمان استدامة تلك الحلول.

أضف تعليق