انفصال عن التوصيات السابقة وسط تحذيرات من تراجع علمي تحت قيادة وزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت ف. كينيدي الابن
لجنة استشارية للقاحات اختارها وزير الصحة والخدمات الإنسانية المثير للجدل لم تُوصِ بأن يتلقّى جميع المقيمين في الولايات المتحدة الذين تزيد أعمارهم عن ستة أشهر لقاح كوفيد-19. القرار الذي صدر يوم الجمعة شكّل خروجا عن نهج اللجنة منذ اندلاع الجائحة في 2020.
منذ إتاحة لقاح كوفيد في الولايات المتحدة، كانت لجنة الاستشارات المعنية بممارسات التحصين تصوّت بانتظام لصالح توصية تلقي التحديثات السنوية للقاح لجميع الأشخاص فوق ستة أشهر. إلا أن التصويت الأخير مجرّد توصية يتعيّن أن يوافق عليها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، وجاء في وقت تُثار فيه مخاوف من أن الوكالة تتراجع عن سياسات لقاحية مرتكزة على أدلة علمية تحت إدارة كينيدي، الذي يتّهمه منتقدوه بترويج الشكوك حول اللقاحات ونشر معلومات مضللة.
في جلسة أمام لجنة في مجلس الشيوخ هذا الأسبوع، حذّرت المديرة السابقة المفصولة لمراكز الوقاية، سوزان مونارِز، من زيادة في التأثير السياسي وتراجع في الصرامة العلمية داخل الوكالة أثناء إدارة كينيدي. مونارِز زعمت أنها أُقيلت لرفضها الموافقة على إعطاء الضوء الأخضر لأي توصيات من اللجنة الاستشارية بغض النظر عن التبرير العلمي. وخلفت تغييرات هيكلية سريعة في أعضاء اللجنة بعد تولي كينيدي المنصب، مع تعيين بعض الأعضاء الذين وُجهت إليهم اتهامات بنشر معلومات مضللة عن اللقاحات.
وقالت مونارِز: «بناءً على ما شاهدته أثناء عملي، هناك خطر حقيقي من أن تُتخذ توصيات تقيد الوصول إلى اللقاحات للأطفال وغيرهم من الفئات المحتاجة، دون مراجعة علمية صارمة».
بدلا من التوصية العامة بالتطعيم، انتهت اللجنة يوم الجمعة إلى أن قرار إعطاء لقاح كوفيد ينبغي أن يعتمد على «اتخاذ قرار سريري مشترك» بين المريض (أو ولي أمره) والطبيب. كما تجنّبت اللجنة بصعوبة اقتراح أن يُشترط وصفة طبية للحصول على اللقاح. وقد أوصت كذلك بأن تتبنّى مراكز السيطرة على الأمراض لغة أقوى عند وصف المخاطر المحتملة للتلقيح.
حذرّت منظمات طبية عدّة من أن إضافة حواجز جديدة أمام الوصول إلى اللقاح قد تثير لبسا لدى الجمهور، ما يؤدي إلى انخفاض نسب التطعيم وبالتالي زيادة احتمالات انتشار المرض. ووصف د. شون أوليري من الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال قرار عدم التوصية بأنه «غامض للغاية» وأن له «تداعيات فورية على الأطفال الأميركيين». وقال لوكالة أسوشييتد برس إن المناقشات تضمنت محاولات واضحة لزرع عدم الثقة في اللقاحات. وأضاف: «كانت جلسة غريبة جداً».
تُظهر بيانات الـ CDC حاليا أن لقاحات كوفيد توفر أقوى حماية متاحة ضد الإصابة الشديدة والوفاة، حتى مع استمرار حدوث عدوى لدى بعض الأشخاص. يبقى الأفراد معرضين للخطر بعد الإصابة السابقة لأن الفيروس يواصل التطور. ووفق بيانات أُعلنت في يونيو، أسفر الفيروس عن نحو 32 ألف إلى 51 ألف وفاة في الولايات المتحدة وأكثر من 250 ألف دخول مستشفى خلال الخريف والشتاء الماضيين، وكان كبار السن غير المطعمين والأطفال الصغار هم الأكثر عرضة للدخول إلى المستشفى.
ركزت مناقشات اللجنة على قلق بشأن أثر جانبي نادر مرتبط باللقاح، وهو التهاب في عضلة القلب يعرف بالتهاب عضلة القلب (myocarditis)، الذي ظهر في أغلب الحالات لدى رجال أصغر سناً. كما عرض عالم يعمل على دراسة احتمالية وجود حساسية وراثية خاصة لدى فئات معينة أنه أُلغيت منحه البحثية في إدارة ترامب قبل أن يُتمّ دراسته.
تركّز الكثير من الشكوك داخل اللجنة على لقاحات المِرسَلة الرنا (mRNA)، وهي تقنية ناشئة لعبت دورا مركزيا في طرح لقاحات كوفيد بسرعة خلال الجائحة. كرّر كينيدي اقتراحاته بأن مثل هذه اللقاحات تحمل مخاطر تفوق فوائدها، موقف رفضته تقريبا جميع المؤسسات الطبية الرائدة. وفي آب/أغسطس أعلن أنه يتحرك لإلغاء تمويل بقيمة 500 مليون دولار لأبحاث لقاحات mRNA.
تثير هذه التطورات تساؤلات حول مستقبل سياسة التطعيم في الولايات المتحدة ومدى بقاء المعايير العلمية والشفافية ركيزتين أساسيتين في صنع القرار الصحي. وفي ظل هذه الحالة، قد يؤثر تغيير النهج على معدلات التحصين وحماية الفئات الأكثر ضعفا من المرض. التأثيرات العملية لهذه التوصيات ستتضح إذا ما اعتمدتها مراكز السيطرة لاحقا أو عدّلتها.