أثار اعتقال هارجيت كور، البالغة من العمر 73 عاماً، موجة من التعاطف والدعم داخل الجالية السيخية وخارجها.
قاعة الزيارة في مركز معالجة الهجرة “ميسا فيردي” في بيكرسفيلد، كاليفورنيا، صغيرة وصاخبة ومكتظة. عندما وصل أفراد عائلتها للقاءها، كادوا لا يسمعونها؛ والكلمات الأولى التي همسَت بها هزّت قلوبهم. كما تذكرت كانت الزوجة مانجيت كور: «قالت: أفضل أن أموت على أن أبقى في هذا المكان. يا ربّ خذني الآن».
هارجيت كور، التي قدمت طلب لجوء لم يُقبَل، وتعيش في كاليفورنيا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أُلقي القبض عليها في الثامن من سبتمبر من قبل مسؤولي الهجرة (ICE)، ما أثار صدمة واسعة واستنكاراً في أوساط المجتمع السيخي. محاميها، ديباك أهلواليا، أوضح أن آخر رفض لطلب لجوئها كان في 2012، وأنها منذ ذلك الحين كانت تُطالَب بالتبليغ لدى السلطات كل ستة أشهر، فاعتُقلت حين ذهبت إحدى المرّات للاطمئنان على وضعها في سان فرانسيسكو.
القضية تأتي في إطار تشديد أوسع من إدارة دونالد ترامب على قضايا الهجرة، خصوصاً تجاه من تُعتبرهم السلطات مهاجرين غير شرعيين، وهي مسألة حساسة سياسياً؛ فالبلاد تكافح كيفية التعامل مع مئات الآلاف من طالبي اللجوء الذين يصلون سنوياً، ويبلغ عدد القضايا المعلقة أمام محاكم الهجرة أكثر من 3.7 مليون قضية، وزيادة ميزانية إنفاذ قوانين الهجرة جعلت (ICE) من أكثر أجهزة إنفاذ القانون الفدرالية تمويلاً.
قال السيناتور عن ولاية كاليفورنيا، جيسي أريغوين، في بيان يطالب بالإفراج عنها: «أكثر من 70% من الأشخاص الذين اعتقلتهم (ICE) لا يملكون إدانات جنائية. الآن هم يلاحقون الجدات المسالمات. هذا الفعل المخجل يضر بمجتمعاتنا».
نائب الكونغرس عن الدائرة التي تقيم فيها هارجيت، جون غارامندي، قدّم طلباً إلى (ICE) للإفراج عنها، وقال متحدث باسمه إن احتجاز امرأة في الثالثة والسبعين من عمرها، عضو محترم في المجتمع بلا سجل جنائي وقد التزمت بالتبليغ كل ستة أشهر لأكثر من 13 عاماً، يعكس أولويات خاطئة في سياسات إنفاذ الهجرة.
من جهتها، قالت (ICE) في رسالة عبر البريد الإلكتروني لهيئة الإذاعة البريطانية إن هارجيت «استغرقت عقوداً من الإجراءات القانونية»، وأن قاضياً للهجرة أصدر أمراً بترحيلها عام 2005. وأضافت أن هارجيت قدمت عدة استئنافات وصلت إلى محكمة الاستئناف للدائرة التاسعة وخسرت في كل مرة، وأنها الآن استنفدت جميع الطعون القانونية، وما على (ICE) إلا تطبيق القانون وأمر القاضي.
تروي عائلتها أن هارجيت قدمت إلى الولايات المتحدة عام 1991 مع ولديها القاصرين بعد وفاة زوجها، وأنها هاجرت هرباً من الاضطراب السياسي في ولاية البنجاب الهندية آنذاك، وفق ما أفاد به محاميها. على مدى ثلاثة عقود، عملت بوظائف متواضعة لتربية أولادها؛ أحدهما أصبح مواطناً أميركياً، وخمسة من أحفادها يحملون الجنسية الأميركية أيضاً. تقيم في مدينة هركيوليس في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وعملت كخياطة في متجر ساري لعقود وتدفع ضرائبها. طالبو اللجوء في الولايات المتحدة مسموح لهم بالعيش والعمل ودفع الضرائب بعد تقديم طلبهم وبدء إجراءات النظر فيه.
حتى بعد رفض آخر استئناف لها في 2012، جُدِّد تصريح عملها سنوياً. بعد الرفض بدا الترحيل محتوماً، لكنها لم تكن تملك وثائق صالحة للسفر إلى الهند. تصدر البعثات الهندية في الولايات المتحدة شهادات طوارئ — وثائق سفر باتجاه واحد — للأشخاص الهنود ذوي الوضع غير الصالح، لكن ذلك يتطلب التحقق من أصل وهوية هارجيت في البنجاب عبر صور أو مراسلات مع أقارب أو سجلات قديمة، وهو ما يستغرق أسابيع. ومنذ أكثر من عقد، لم يُنجَح الحصول على وثيقة سفر لها؛ تقول مانجيت إنهم زاروا القنصلية الهندية في سان فرانسيسكو عام 2013 بلا فائدة، بينما أبلغ القنصل الهندي ك. سريكار ريدي هيئة الإذاعة البريطانية أنه لا توجد لهم سجلات تُظهر طلب هارجيت لوثائق سفر.
لم تُجب (ICE) عن سؤال لماذا لم يتم تأمين وثيقة سفر لها خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية. محاميها يقول إنه يتابع مع القنصلية الهندية للحصول على الوثائق التي «عجزت (ICE) عن الحصول عليها طوال الثلاث عشرة سنة الماضية»، فيما تُصرّ القنصلية أنها «تسهل كل المساعدات القنصلية اللازمة».
تؤكد العائلة أنها لم تعترض على الترحيل يوماً وأنها لا ترى سبباً لاعتقالها. تقول مانجيت: «زوّدونا بوثائق السفر وهي مستعدة للذهاب. كانت قد حزمت حقائبها حتى عام 2012». حالياً هم همه الأول هو إخراجها من مركز الاحتجاز؛ تقترح العائلة وضع سوار مراقبة إلكتروني عليها أو أي ترتيبات بديلة مقابل إطلاق سراحها الفوري إلى أن تُزودهم الجهات المعنية بوثائق السفر.
يزعم محاميها أنه عندما زارها في 15 سبتمبر لم تُزوَّد بأدويتها المعتادة، وأن الحراس «جردوها من كرامتها»، وسحبوها، وحرموها من كرسي أو سرير، وأُجبرت على الجلوس على الأرض لساعات في زنزانة الاحتجاز رغم أنها خضعت لاستبدال ركبتين. وأضاف أن الماء نُكر لها صراحة، وأنها لم تُقدّم وجبة نباتية في الأيام الستة الأولى. لم تردّ (ICE) على تفاصيل هذه الاتهامات، لكنها كانت قد قالت لهيئة الإذاعة البريطانية البنجابية سابقاً إن «من سيأتى إلى عهدة (ICE) يُمنح رعاية صحية كاملة»، وأن النزلاء لديهم إمكانية الوصول إلى «مواعيد طبية ورعاية طارئة على مدار الساعة» ولا يُحرم أي شخص من الرعاية الأساسية أثناء الاحتجاز.
في المجتمع المحلي، تقول قيادة معبد السيخ في منطقة خليج سان فرانسيسكو إن البِبي هارجيت — مصطلح احترام للكبار من النساء البنجابيات — محبوبة ومعروفة بمساعدتها الدائمة للناس مادياً ومعنوياً. واحتشد المئات للاحتجاج على اعتقالها أمام المعبد في 12 سبتمبر، وتستعد المجموعة لتنظيم المزيد من الوقفات الاحتجاجية في ولايات ومدن أميركية أخرى.
قصتها شخصية لكن لها أبعاد إنسانية عريضة: أمّ وحيدة ربّت أسرة وجذورها وارتباطاتها في الولايات المتحدة تعمقت على مدى ثلاثين سنة. يقول محاميها إن والديها وإخوتها في الهند قد رحلوا، وهي «لا تملك أحداً ولا بيتاً ولا أرضاً تعود إليها».
(ICE) ووسائل الإعلام وممثلو المجتمع يواصلون متابعة القضية، والعائلة تصرّ على أن الحرجة الحالية هي إخراجها من مركز الاحتجاز وتأمين وثائق السفر اللازمة لعودتها الطوعية إلى الهند.