أنوبارنا روي تُسطر التاريخ في البندقية

نِخيل إينامدار — بي بي سي، مومباي

أنوبارنا روي: أول مخرجة هندية تفوز بجائزة “أوريزونتي” في فينيسيا

عندما صعدت أنوبارنا روي لاستلام جائزة أوريزونتي عن فيلمها الأول “أغاني الأشجار المنسية” في مهرجان فينيسيا هذا الشهر، كانت اللقطة أكثر من مجرد تتويج سينمائي؛ كانت انتصاراً نادراً لامرأة قادمة من خلفية اجتماعية متواضعة.

اهتزت روي فرحاً وامتلأت عيناها بالدموع، وكان انفعالها العنيف على المنصة دليلاً على ضخامة اللحظة: لم تكسر روي الحاجز فحسب، بل دخلت التاريخ كأول مخرجة هندية تفوز في فئة مكرسة للأصوات الجديدة في السينما العالمية المستقلة.

تجلّت أهمية الإنجاز أكثر حين عرفنا جذورها: قرية قبلية غير معروفة في مقاطعة بوروليا بولاية البنغال الغربية — آلاف الأميال بعيدة عن قصور فينيسيا اللامعة. نشأت روي بعيداً عن دوائر الثقافة الراقية في كولكاتا، فتخذّت مساراً أشد شيوعاً لدى شباب البلدات الصغيرة: شهادة جامعية ثم وظيفة في مركز اتصالات.

كانت تلك الوظيفة مهرباً من ضغوط الزواج و”وسيلة للاستقرار الاقتصادي”، كما قالت في حديث عبر تطبيق زووم. لكنها تحوّلت إلى أكثر من ذلك بكثير. أثناء بيعها لبرمجيات تكنولوجيا المعلومات في دلهي، التقت صدفةً بطلبة سينما أشعلوا فيها حباً للفيلم؛ فادَّخرت كل قرش عملته لست سنوات لتمويل فيلمها القصير الأول “الركض إلى النهر”.

بعد انتقالها إلى مومباي طلبت أن تلتقي رانجان سينغ، المنتج الرئيسي لفيلم “أغاني الأشجار المنسية”، في حفلة وطرحت عليه بكل صراحة: “سيدي، هل تود إنتاج فيلم من العالم الثالث؟” تفاجأ سينغ بجرأتها وطلب منها أن تسرد فكرته في أقل من عشر دقائق، لكن اللقاء امتد لساعات، وبعد أيام وافق على التمويل. وبمساعدة إشارة من فيلم مثل Gangs of Wasseypur للمخرج أنوراغ كاشياب — الذي اقنعت روي سينغ بعرضه عليه — انضم كاشياب لاحقاً لدعم المشروع.

يقرأ  أعمال إريك بول ريغ متعددة التخصصات تُعرض في صالة بيل

أحداث الفيلم تدور في قلب مومباي النابض: حكايَة امرأتين من عالمين متباينين تمامًا — ثويا، ممثلة طموحة تعمل ليلاً كـ”مرافقة”، وسويثا، مهاجرة أخرى تعمل في مركز اتصالات. تشتركان في شقة فاخرة يموّلها داعم ثويا المادي. ما يبدأ كترتيب سكني يتحول تدريجياً إلى علاقة حميمة، بينما تتقاطع رغبتهما المثلية مع تجارب التشريد الاجتماعي وكفاح البقاء في المدينة الواسعة.

وصفته صحيفة هوليوود ريبورتر بأنه “صورة موجوعة عما تتطلبه النساء لكي ينجين”، وقيل إن الفيلم “قصة متزنة، متباعدة النظرة، مؤثرة” عن فتاتين تجدان العزاء في بعضهما. مراجعات أخرى أثنت على طريقة روي في استكشاف الاغتراب الحضري بـ”رقة ملحوظة”، ممدّحة أسلوبها المقصود في التصوير البطيء والملاحِظ الذي يتيح لانفعالات الشخصيات أن تظهر بوضوح.

لم تخضع روي لتدريب أكاديمي رسمي في صناعة السينما، واختارت عن وعي ألا تتقيد بالقواعد التقليدية في تقسيم اللقطات (طويلة، متوسطة، قريبة)، بل فضّلت الالتقاط المستمر لقطع يومية من روتين شخصياتها ليحاكي إيقاع حياتهن بأصالة أكبر. صوّرت الفيلم كله في شقتها الخاصة، بل وأقامت الممثلتين الرئيسيتين معها طوال فترة التصوير.

الفيلم ذو طابع شخصي عميق بالنسبة لروي. في الأصل كان العمل يقارب شكل الفيلم الوثائقي: شخصيتان رئيسيتان مستلهمتان من حياة جدتها وابنة زوجها، اللتين جمعتهما علاقة أفلاطونية لكن حميمة بهدوء. وشخصية أخرى، جمبا، صديقة ثويا، مستوحاة من صديقة الطفولة جهوما ناث، من مجتمع الدليت، التي زُوِّجت وهي في الثانية عشرة من عمرها. “الشخصي هو السياسي”، تقول روي. “زواج جهوما ناث لم يكن قراراً فردياً. الحكومة كانت تشجّع الدليت على الزواج بدلاً من التعليم — هذا سياسي. عندما كنت طفلة، كان يُعطى لي الأرز بحسب وزني، بينما يحصل الصبيان على الكتب — هذا سياسي.”

يقرأ  قرويون يحفرون بأيديهم للوصول إلى ضحايا دفنتهم انهيارات أرضية في السودان، بحسب مجموعة

تؤكد روي أن طفولتها في ظل طفرة اقتصادية في الهند، حيث كان الرجال النحيفون يعملون في الحقول والنساء يستحممن في البرك والعائلات تذهب فجراً لأعمال البناء، شكلت مصدر إلهام متواصل لأفلامها. “كانت الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي تحيطان بي. وأنا أتناغم مع حياة هؤلاء الناس.”

في يوم تتويجها في فينيسيا، لم تُخْفِ روي جذورها وسياساتها: ارتدت سجادة حية من النَسيج اليدوي التقليدي جمعت فيه عالماً فلسطينياً وآخر من بوروليا. كانت حواف الساري المصبوغ يدوياً مزينة بألوان علم فلسطين مع نقوش بنغالية تقليدية. أثار ذلك انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها وقفت بحزم وراء خطابها. “انا سأستخدم صوتي للحديث عن كل ما يجعلنا غير مرتاحين”، قالت روي.

تعمل روي الآن على سيناريوهات تتمثل في جزء ثان وربما سبق للحكاية الأصلية؛ النصوص قيد الإعداد. أما عن سؤال ما إن كانت ستتجه نحو أفلام تجارية بحتة، فكان جوابها حاسماً: لا. “لا أستطيع صنع سينما مطلية بالسكر. يجب أن أصنع أفلاماً تمثل العالم الذي نعيشه، حتى لو أغضبت الناس.”

أضف تعليق