غولام محي الدين وزوجته نازو يسيران عبر حقل مُغبر نحو المقبرة التي دفنوا فيها أطفالهم، والرياح تحرك الغبار من تحت الأقدام. أشارا إلى قبور تلاثة أولاد فقداهم خلال عامين: رحمت الرضيع الذي عاش عاماً واحداً، كواتان الذي لم يكمل سبعة أشهر، وفيسال أحمد حديث الولادة. يقول الزوجان إن كل الأطفال ماتوا بسبب سوء التغذية.
«هل تتخيلون ما معنى أن أفقد ثلاثة من أطفالي؟» تقول نازو بصوت يعتصره الحزن. «في لحظة تحمل الطفل في ذراعيك، وفي لحظة أخرى تصبح اليدان فارغتين. كل يوم أتمنى لو أن الملائكة تعيد أطفالنا إلى بيتنا.»
غولام يصف الألم بصورة لم تخفف من حدتها الكلمات: «كنت أشعر وكأن جسدي يحترق من الداخل، وكأن من يقطّعني بمِناشار من رأسي حتى أخمص قدمي.» وفي غياب أي تسجيل رسمي لوفاة أطفالهم، تبدو قصتهم جزءاً من موجة صامتة من الوفيات بين الرضع والأطفال الصغار في أفغانستان، بينما تصف الأمم المتحدة الأزمة بأنها جوع غير مسبوق.
«بدأنا العام بأعلى زيادة في سوء تغذية الأطفال سُجلت في أفغانستان، ومن ثم تدهور الوضع أكثر» يقول جون أيليف، مدير برنامج الأغذية العالمي في البلاد. «المساعده الغذائية كانت تسيطر على الجوع وسوء التغذية، خصوصاً للفئة الأدنى التي لا تستطيع الاعتماد على ذاتها — نحو خمسة ملايين شخص. هذا الغطاء زال الآن، وارتفاع نسب سوء التغذية يعرّض حياة أكثر من ثلاثة ملايين طفل للخطر.»
انخفضت المساعدات بشكل حاد بعد أن أوقفت أكبر مانح منفرد، الولايات المتحدة، معظم دعمها في وقت سابق من العام. ويقول برنامج الأغذية إن ثمانية أو تسعة مانحين آخرين توقفوا أيضاً هذا العام أو قلّلوا مساهماتهم مقارنة بالعام الماضي. جزء من السبب يعود لتوزع التبرعات على أزمات متعددة عالمياً، وجزء آخر يعود إلى سياسات حكومة طالبان التي تؤثر على رغبة المجتمع الدولي في تقديم الدعم.
من جانبه، حمّل مسؤول المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، سهيل شاهين، الحصار وقطع المساعدات مسؤولية الأزمة، وقال إن الحكومة «وسّعت مساعداتها بقدر الإمكان» وأن ميزانيتها تعتمد على الإيرادات الداخلية، لكنها تواجه عقوبات. ومع ذلك، تؤثر مواقف طالبان تجاه حقوق النساء—وتطبيق حظر عمل النساء في منظمات الإغاثة—على فرص الاعتراف الدولي ورفع العقوبات، وتعرّض تقديم «مساعدات إنسانية إنقاذية» لمخاطر جسيمة، بحسب الأمم المتحدة.
الأزمة تتعقد بسبب عوامل أخرى: جفاف شديد أضعف دخل المزارعين في أكثر من نصف المحافظات، وعودة قسرية لأكثر من مليوني أفغاني من إيران وباكستان تقلّص حوالاتهم المالية إلى العائلات داخل البلاد.
في مقبرة شيدايي قرب مدينة هرات، وثق الصحفيون عدداً كبيراً من القبور الصغيرة — نحو ثُلثي المئات كانت لأطفال — دون سجلات رسمية للدفن. سكان المستوطنة يقولون إن المقبرة جديدة نسبياً، عمرها سنتان إلى ثلاث سنوات، وليست مخصّصة للأطفال فقط.
داخل المنازل الطينية في شيدايي، شاهدنا أطفالاً لا يستطيعون الوقوف من ضعفهم. رحيلة تحمل طفلَها هيبت الله البالغ من العمر عامين، لا يقوى على النهوض؛ درخاني خرجت بابنها محمد يوسف، الذي يعاني وضعاً مشابهاً. تقول الأمم المتحدة إن نحو نصف الأطفال الأفغان دون الخامسة يعانون التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن.
حكاية حنيفة وسعيدي وابنها رفي الله نموذج كابوسي آخر: طفل عمره سنة يكاد لا يدعم جسده، والعيش داخل منزل واحد يقتصر غالباً على قطع خبز جافة مع شاي أخضر — بعض الأيام لا يؤكل شيء. لأن رفي الله لم تظهر أسنانه بعد، تغمس والدته الخبز في الشاي لإطعامه، لكن هذا لا يكفي، «هو جائع طوال الوقت. ولأجْعله يَنام أعطيه أدوية» تقول حنيفة، وهي تسحب من جيبها شريطين من أقراص: لورازيبام للتحكم بالقلق، وبروبرانولول لضغط الدم. ثمن الشريط الواحد عشرة أفغاني — نفس ثمن قطعة خبز. اشترت الأدوية من الصيدلية بدعوى أنها أدوية نوم لها.
الأطباء يحذرون من أن إعطاء مثل هذه الأدوية للأطفال الصغار قد يضر بالقلب والكلى والكبد، وقد يهدد الحياة إذا استُخدمت لفترات طويلة. حنيفة تعيش شعور ذنب خانق، وتصل بها اليأسية إلى التفكير في الانتحار أو قتل الأطفال، بحسب كلامها.
برنامج الأغذية العالمي يتلقى عشرات المكالمات من نساء يهددن بالانتحار لأنهن «لم يعد بإمكانهن إطعام أطفالهن»، كما يقول جون أيليف. إغلاق المساعدات الغذائية عن مجتمعات مثل شيدايي أدّى إلى ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال، ومشاهدنا الدامغة في مستشفيات مختلفة تؤكد ذلك.
في جناح سوء التغذية بمستشفى إقليمي في بادخشان، كان هناك 26 طفلاً موزعين على 12 سريراً. الصغيرة سنا، التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر، وصلت وهي تعاني سوء تغذية وإسهالاً حاداً وشفة مشقوقة؛ أمها زميرة فقدت طفلها الأول قبل 20 يوماً من ولادته. بينما كانت يدا وقدم سنا تزرقّان أثناء حديث أمها، وضُبط قلبها يقصي طاقته ما استدعى وضعها تحت الأكسجين. قريباً تبعت حالات أخرى — مسلحة بالحصبة وسوء التغذية — وفاة عدة أطفال بعد أيام من زيارتنا للمستشفى.
هذه ليست المرة الأولى التي ترصد فيها وكالات الإغاثة وفيات أطفال من الجوع في أفغانستان، لكنها الأسوأ على الإطلاق. خلال أسبوعٍ واحد فقط فقد عدة رُضّع حياتهم في نفس الجناح بسبب الأزمة الغذائية المتفاقمة.
على المدى القريب الوضع مقلق جداً: يقول أيليف إن تمويل البرنامج الإنساني سيفضي نهاية العام، «في نوفمبر سنضطر إلى رفض استقبال نساء وأطفال يعانون سوء تغذية لأننا ببساطة لا نستطيع إطعامهم. سنتوقف إلا إذا تلقينا دفعة جديدة من التمويل». مع اقتراب الشتاء يزداد الإلحاح ولا يمكن المبالغة في وصف حجم الكارثة التي تتكشف أمام أعين العالم.
تقرير إضافي: محمــد زبيدي، آكريتي ثابار، سانجاي جانجولي.