إسرائيل تستشيط غضباً بريطانيا تتصدر اعتراف الدول الغربية بفلسطين

غرب القدس — على بعد شارعين من مقر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عند مفترق طريقَي بالفور وغزة المحاطين بطبقات من الحواجز الفولاذية والتجمعات الأسبوعية المطالبة بالإفراج عن الرهائن، كان مقهى صغير على زاوية شارعٍ شبه مختفٍ بلا اسم يَفيض همهمات منتصف الصباح.

ارتفأت شاشات الهواتف بخبر إعلان رئيس وزراء المملكة المتحدة كيير ستارمر اعتراف بلاده رسمياً بدولة فلسطينية؛ رفع بعض رواد المقهى رؤوسهم للحظة، فيما اكتفى آخرون بهزّة كتف، معاملة الحدث كصوتٍ في الخلفية.

«بالطبع أنا غاضبة»، قالت شيرا حادثان، 55 سنة، صاحبة متجر ومؤيدة قديمة لحزب الليكود. «لكن ماذا سيتغيّر؟ بريطانيا لا تدفن جنودنا. هذا مجرد سياسة، بينما إيران تطلق علينا النار».

رجلٌ يجلس بجانبها لوى الخبر بإشارة من يده، كحال أغلب الموجودين، بينما واصل التمرير على هاتفه، قائلاً ببرود وهو يضع كوفية صوفية صغيرة على رأسه: «إنها غطرسة استعماريّة لا أقل ولا أكثر».

لكن لإعلان بريطانيا بعدٌ دبلوماسي خاص: على الرغم من أنه ليس تصويتاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة كما حصل عام 1948، فهو تمثّل للمرة الأولى اعتراف قوة غربية كبرى كان لها في الماضي ولاية على فلسطين — التي منحتها عصبة الأمم لبريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى لإدارة المنطقة التي تضم اليوم غزة والضفة الغربية وكيان اسرائيل — باستقلال دولة فلسطينية بشكل رسمي.

كما أصدرت أستراليا وكندا اعترافات متزامنة في ما بدا تحرّكاً منسّقاً، ما زاد الضغط على إسرائيل ووضع الدول الثلاث في موقع تناقض مع الموقف الأميركي.

الإعلان تزامن مع قِبَل عقد قمة خاصة حول الحرب في غزة ستنظّمها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين، في إطار مبادرة دبلوماسية تقودها فرنسا والسعودية لإحياء حل الدولتين كالمخرج العملي الوحيد لإنهاء الصراع الطويل بالمنطقة. دولٌ عدة، منها فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا، أعلنت أنها ستنضم إلى أكثر من 145 عضواً في الأمم المتحدة يعترفون فعلاً بدولة فلسطينية.

ردود فعل سياسية عنيفة

على الرغم من أن هذا الإجراء كان متوقعاً لوقتٍ ما، فقد أثار الإعلان ردّة فعل سريعة وعنيفة داخل الطيف السياسي المنقسم في اسرائيل وفي قطاعات من الجمهور التي طالبت بردّ فوري وقاسٍ.

يقرأ  استقالة إيشِبا في اليابان

في غضون ساعات، أعلن وزير الأمن القومي من اليمين المتطرف، إيتامار بن غفير، عزمه دفع مشروع لضم فوري للضفة الغربية المحتلة، واصفاً الاعتراف بأنه «جائزة لإرهابيي النخبة القتّالين»، في إشارة إلى وحدة حماس التي نفّذت هجوم السابع من أكتوبر 2023. وتعهّد بـ«تفكيك كامل للـ«السلطة الفلسطينية» وأضاف أنه ينوي «تقديم اقتراح لتطبيق السيادة في اجتماع الحكومة القادم».

من جهتها، دانت منتدى العائلات للرهائن والمفقودين — وهي جهة تناضل من أجل عودة المختطفين إلى قراهم والواقفين منذ أكثر من 740 يوماً أمام منزل نتنياهو في تل أبيب — ما وصفته بـ«الاعتراف غير المشروط بدولة فلسطينية بينما لا يزال 48 مواطناً رهائن لدى حماس».

امتدّ الاستنكار إلى صفوف المعارضة. حذر بني غانتس، الوزير السابق للأمن وخصم نتنياهو البارز من أن هذه الخطوة لن تُضعف حماس بل ستُقوّي قبضتها، وتطيل أمد الحرب، وتُعقّد جهود تحرير الرهائن. وأضاف في منشور باللغة الإنجليزية على منصة X موجهاً إلى العواصم الغربية: «إن كنتم تسعون فعلاً للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط — وليس للخضوع لضغوط سياسية داخلية — فعلىكم ممارسة أقصى ضغط على حماس لتتنازل عن السلطة وتُعيد الرهائن قبل أي شيء آخر».

صوت آخر داعم

من بين الأصوات القليلة التي وصفّت خطوة ستارمر بأنها «خطوة في الاتجاه الصحيح» جاء النائب اليساري عوفر كاسيف، الذي قال لقناة الجزيرة إن الحكومة الإسرائيلية تعامل مثل هذه الاعترافات كأنها «مكسب-خسارة»، بينما قد تكون في الواقع مكسباً لجميع الأطراف. في يناير 2024 وقع كاسيف عريضةً تدعم قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بشأن إبادةٍ يُزعم ارتكابها من قبل اسرائيل، ما أثار محاولات لطرده من المجلس، وأدى في النهاية إلى إيقافه ستة أشهر.

أكد كاسيف أن «الاعتراف خطوة أولى حاسمة نحو سلام عادل، وعلى الدول التي لم تُقدِم بعد على هذا الاعتراف أن تحذو حذوها»، لكنه حذّر من أن الاعتراف لا ينبغي أن يكون هدفاً نهائياً بحد ذاته. ودعا إلى حظر سلاح كامل على اسرائيل إلى أن تنهي «حكومة الموت والدمار» ما وصفه إبادة في غزة وتفكّك الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية. كما قال إنه سيدعم بلا تردد قوة حفظ سلام وتفعيل آليات مناهضة الفصل العنصري المستخدمة في جنوب أفريقيا، والتي شملت حظر أسلحة ونفط، من بين إجراءات أخرى.

يقرأ  محكمة الاستئناف تُبطل غرامة مدنية بقيمة ٥٠٠ مليون دولار مفروضة على ترامب

«اللحظة الأسوأ على الإطلاق»

نوحم أتشِمِير، مرشّح دكتوراه في الجامعة العبرية ووصف نفسه بميولٍ يسارية، انتقد توقيت الإعلانات. قال: «أنا أؤمن بحل الدولتين، ونزلت في مسيرات من أجل السلام؛ ناقشت والديّ سنوات بسبب الاحتلال. لكن هذا؟ هذه أسوأ لحظة ممكنة. نحن نتعرّض لصواريخ، والعائلات تختبئ في الملاجئ، وما زال هناك رهائن. عندما تقدم دولٌ بادرة كبرى الآن، يشعر المرء أنها بمثابة مكافأة لمن يفعلون ذلك بنا».

مع ذلك أقرّ أن اسرائيل لا تستطيع «التحكم بملايين الفلسطينيين إلى الأبد». وأضاف: «قد يكون الأمر رمزياً، لكن للرموز وزنها. إذا اعترفت بريطانيا بفلسطين فقد تجبرنا على الاعتراف بأن هذا الصراع لن يختفي من تلقاء نفسه».

من جانبه، إيلياهو كورينمان، 42 سنة، من المستوطنة غير القانونية شيلو شمال القدس وأحد أنصار بن غفير في الانتخابات الأخيرة، رأى أن قرار لندن «يخاطب حماس وحزب الله وإيران: استمروا في إطلاق الصواريخ، واحتجاز الرهائن، وقتل اليهود — وسيكافئكم العالم». وختم قائلاً: «كل إسرائيلي يعرف أن ’فلسطين‘ ما هي إلا كلمة أخرى للاستسلام». «لو كان هناك شيء، فإن التوقيت يثبت أننا كنا على حق طوال الوقت. الطريق الوحيد إلى الأمام هو أن نتمسّك بحزم أكبر، نبني أكثر، ونُظهر للعالم أننا لا نحتاج إلى موافقته. العالم لا يفهم ذلك.»

يايل بن إيشيل، 27 عاماً، متدربة في الطب البيطري من غرب القدس وصوّتت لليكود بقيادة نتنياهو، كانت أيضاً متساهلة في ردها.

«بصراحة؟ من يهتم؟ بريطانيا لم تعد لها أهمية هنا منذ عقود. يمكنهم أن يعترفوا بفلسطين، يمكنهم أن يعترفوا بالقمر، هذا لا يغيّر شيئاً على الأرض،» قالت لقناة الجزيرة. «نستيقظ غداً ولا نتنازل عن أرض بسبب ما يقولونه.»

«هذا من أجل سياساتهم، من أجل المهاجرين واللاجئين، فاعذروني إن لم أنزعج من خطاب بريطاني،» أضافت بن إيشيل، مردّدة تأكيدات نتنياهو الأسبوع الماضي حول تزايد عزلة اسرائيل الدولية، التي لامها بالتاكيد جزئياً على الأقليات المسلمة في الغرب، بدلاً من قتل اسرائيل لأكثر من 65,000 فلسطيني في غزة.

يقرأ  مستوطنون يهاجمون البدو — بن غفير يغذي التوتر في الضفة الغربية المحتلة

«بريطانيا لا تستطيع أن تغسل يديها من التاريخ»

يأتي الإعلان في ظل تصعيد عسكري متوتر، حيث نشر الجيش الإسرائيلي مؤخراً فرقة ثالثة داخل مدينة غزة كجزء من عملية سمّيت «مركبات جدعون ب»، وهو توسّع في هجوم استمرّ شهوراً في القطاع وراح ضحيّته المئات في منطقة أُعلنت فيها المجاعة أيضاً.

وجاء ذلك بعد سلسلة من الخطوات التي اتخذتها حكومة اليمين المتشدد الإسرائيلية تهدف إلى إحباط قيام دولة فلسطينية. الأسبوع الماضي كشف وزير المالية بيتسلئيل سموتريخ عن اقتراح لضم 82 بالمئة من الضفة الغربية المحتلة، فكرة عرضه كحاجز دائم أمام حل الدولتين.

وفي الوقت نفسه، وقّع نتنياهو هذا الشهر اتفاقاً مثيراً للجدل لتوسيع المستوطنات، مؤكداً رفضه الطويل لدولة فلسطينية ومعلناً: «لن تكون هناك دولة فلسطينية؛ هذا المكان لنا».

«وضعت بريطانيا المسرح. أوّلاً وعدت العرب بالحرية إذا قاتلوا العثمانيين، ثم غيّرت وجه الخريطة سراً في سايكس-بيكو. قالت لليهود شيئاً في وعد بلفور وقالت للعرب شيئاً آخر،» قال أخيمير، في نقد لسياسة بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى.

اتفق دانيل داربي، 51 عاماً، مناهض للصهيونية من بارديز حنا شمال تل أبيب، قائلاً إن اعتراف لندن بدولة فلسطينية اليوم «صفة رمزية فارغة لن تغيّر شيئاً لشعب الضفة الغربية المحتلة وللآلاف الذين يعانون الآن إبادة مروّعة في غزة».

«المملكة المتحدة، التي هي إلى جانب قوى إمبريالية أوروبية أخرى مسؤولة عن قيام الدولة الصهيونية، باتت اليوم أكثر مسؤولية عن الأفعال المروعة التي تُرتكب في فلسطين المحتلة من خلال تزويد إسرائيل بالاستخبارات والاستطلاع وكل أنواع الدعم العسكري،» قال داربي.

وأضاف أن الاعتراف وحده لا معنى له من دون عواقب حقيقية.

«لن تُطهّر المملكة المتحدة ماضيها ومسؤوليتها ما لم تتخذ إجراءات الآن، بفرض حظر كامل على الأسلحة وفرض عقوبات صارمة على دولة إسرائيل.»

نُشر هذا التقرير بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق