كلَّ شهر سبتمبر يجتمع قادة من أنحاء العالم في مقرّ الأمم المتحدة في نيويوركك لمناقشة أكبر القضايا التي تواجه الكوكب وإقرار قرارات بشأنها.
تُفتتح دورَة الجمعية العامة للأمم المتحدة سنويًا في ثاني ثُلاثاء من سبتمبر. هذا العام بدأت في 9 سبتمبر، حين تولّت الرئاسة الجديدة تسلّم مهامها، واعتمدت الأجندة وبدأ العمل التنظيمي. في الأيام التالية عقد الوفود اجتماعات وأقامت لجانًا واستعدّت للجدال رفيع المستوى.
يبدأ الجدل العام رفيع المستوى في 23 سبتمبر، وهو الحدث المحوري الذي يلقي فيه زعماء العالم خطبهم أمام الجمعية العامة؛ تُسجَّل كل كلمة ويُنشر الصوت على موقع الأمم المتحدة. ومن المُتوقَّع أن تلتزم الكلمات بحدٍّ زمني تطوعي لا يتجاوز 15 دقيقة، رغم أن العديد منها يتجاوز هذا الإطار.
يمتدُّ الجدال على جلستين يوميتين: الصباحية من الساعة 9:00 حتى 14:45 بالتوقيت المحلي (13:00–18:45 بتوقيت غرينتش)، يليه استراحة غداء قصيرة، ثم الجلسة المسائية من 15:00 حتى 21:00 (19:00–01:00 بتوقيت غرينتش). ومع ذلك تستمرُّ الاجتماعات حتى ينهي جميع المتحدثين المقرر كلامهم.
من سيتحدث في الجمعية العامة؟
سيتولّى منصة الجمعية العامة أكثر من 150 رئيس دولة ورئيس حكومة الكلام. تُدعى جميع الدول الأعضاء لإلقاء كلمات، وتُفتتح الجلسة من قِبل رئيسة الجمعية العامة الحالية، أنالينا بيربووك، الوزيرة الألمانية السابقة للشؤون الخارجية.
وبحكم العُرف، تحتلُّ البرازيل دائمًا المقام الأوّل في الكلام — ممارسة بدأت عام 1955 عندما تطوّعت لفتح المناقشات. والولايات المتحدة، بوصفها الدولة المضيفة، تأتي عادة في المرتبة الثانية. هذا الترتيب يُرسخ هذا العام مشهدًا مثيرًا للاهتمام: يسبق الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو “لولا” دا سيلفا بكلمته الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سيلقي كلمته فورًا بعده. وقد تزداد حدة المناوشات السياسية بين الطرفين، لا سيما مع اتهامات ترامب بأن حكومة لولا مارست انتقامًا سياسيًا ضد حليف الرئيس الأمريكي السابق، جايير بولسونارو، الذي دانت محاكمته الأسبوع الماضي بتدبير مؤامرة انقلابية بعد خسارته انتخابات 2023 أمام لولا.
للمتحدثين الآخرين، يُحدَّد ترتيب الإلقاء وفقًا لمستوى التمثيل (رئيس دولة، رئيس حكومة، أو وزير)، والتفضيلات المعبر عنها، والاعتبارات الجغرافية المتوازنة. كما تُدعى الكيان البابوي (دولة الفاتيكان)، ودولة فلسطين، والاتحاد الأوروبي للمشاركة، وتُخصص لهم حصص كلام بحسب مستوى تمثيلهم.
تستمر المناقشات حتى السبت 27 سبتمبر وتستأنف يوم الاثنين 29 سبتمبر، إذ لا تُعقد جلسات يوم الأحد. يُنشر الجدول اليومي على موقع الجمعية العامة وتُبثُّ الجلسات مباشرة عبر القنوات الرسمية للأمم المتحدة؛ وقوائم المتحدثين لليوم الأول متاحة عبر الوسائل الرسمية.
أين تُعقد الجمعية العامة؟
تُعقد الجمعية العامة في مقر الأمم المتحدة الواقع على نهر الشرق في مانهاتن، نيويورك. شُيِّد المجمع بين عامَي 1949 و1952، وهو مملوك للأمم المتحدة ويُعتبر إقليمًا دوليًا يعمل كمركز رئيسي للدبلوماسية الدولية.
يتألَّف الحرم من:
– الأمانة العامة — المركز الإداري للأمم المتحدة.
– قاعة الجمعية العامة — تتسع لحوالى 1800 مقعد.
– مبنى المؤتمرات — يضمّ مجلس الأمن، ومجلس الوصاية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
– مكتبة داغ همرشولد — سُميّت باسم الأمين العام الثاني للأمم المتحدة (1953–1961).
– الحديقة الشمالية — تضم منحوتات وأعمالًا فنية من الدول الأعضاء.
ويشمل المجمع أيضًا مبنى موقف للسيارات والملحق الجنوبي، اللذين بُنيَا في ثمانينيات القرن الماضي لاستيعاب توسع موظفي وأعمال المنظمة.
لم تُعقد جميع دورات الجمعية العامة دومًا في نيويورك؛ فقد أُقيمت أول ست دورات في مدن مختلفة، بدءًا بلندن ثم باريس، لكن منذ عام 1952 أُقيمت غالبية الجلسات في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. ومن بين الاستثناءات البارزة عام 1988 حين انعقدت الجمعية العامة في جنيف بعد أن رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرة الدخول لزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. هذا العام أيضًا حُرمت الوفود الفلسطينية من تأشيرات دخول الولايات المتحدة، فسيشاركون افتراضيًا.
أثارت قرار إدارة ترامب موجة نقد واسعة؛ إذ تؤكد الأمم المتحدة أنه يخالف “اتفاقية دولة المضيف” التي تُلزم الولايات المتحدة بالسماح لرؤساء الدول والحكومات بالسفر إلى نيويورك لحضور الاجتماعات السنوية والأعمال الدبلوماسية الأخرى معتمدة بحصانة دبلوماسية كاملة. ومن الجدير بالذكر أن دورة 2020 عُقدت افتراضيًا للمرة الأولى بسبب جائحة كوفيد-19.
ما الذي يُدرَج على جدول أعمال هذه السنة؟
تأتي الدورة الثمانون بعنوان “معًا أفضل: 80 عامًا وما بعدها من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان”. وتحتلُّ مشاركة فلسطين مركزًا بارزًا على جدول الأعمال إلى جانب تغيّر المناخ والذكاء الاصطناعي والأزمات الغذائية العالمية والنزاعات القائمة في مناطق مختلفة من العالم، إلى جانب قضايا كبرى أخرى.
وفي خطوة دبلوماسية لافتة، أعلنت فرنسا وأندورا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو يوم الاثنين اعترافها بدولة فلسطين خلال قمة رفيعة المستوى في نيويورك تراسَها كلٌّ من فرنسا والسعودية. تحدثت أيضًا أستراليا وكندا والبرتغال والمملكة المتحدة — التي اعترفت رسميًا بفلسطين قبل يوم واحد — خلال الاجتماع.
دولة الفلسطن أصبحت الآن معترفًا بها كدولة ذات سيادة من قِبل 157 من أصل 193 عضوًا في الأمم المتحدة، ما يمثل نحو 81% من المجتمع الدولي.
تعكس هذه الخطوات اتجاهًا دوليًّا متزايدًا نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على الرغم من أن جهود منحها عضوية كاملة في الأمم المتحدة ما تزال مُعطَّلة، لا سيما بفعل الولايات المتحدة التي لها سابقة طويلة في استخدام حق النقض ضد قرارات تُنتقد فيها إسرائيل.
متى انضمت كل دولة إلى الأمم المتحدة؟
تأسست الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وتوسعت من 51 عضوًا عند الإنشاء عام 1945 إلى 193 عضوًا اليوم، مع وجود مراقبين غير أعضاء اثنين: فلسطين وكرسي الرسولي (دولة الفاتيكان).
كان الهدف من إنشاء المنظمة منع نشوب صراعات مستقبلية، وتعزيز السلام والأمن الدوليين، وتشجيع التعاون بين الدول، وحماية حقوق الإنسان، ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم — وهي أهداف يرى كثيرون أن الأمم المتحدة تتقاعس عن تحقيقها كما ينبغي.
كيف تُقبل دولة في الأمم المتحدة؟
العضوية في الأمم المتحدة تمنح الدولة القدرة على المشاركة في صنع القرار، والالتزام بميثاق الأمم المتحدة، والالتحاق ببرامج المنظمة والحصول على دعمها.
في الجمعية العامة، سِمة التصويت هي: دولة واحدة صوت واحد لوفود كل الدول الأعضاء.
تجدر الإشارة إلى أن القبول كعضو كامل في المنظمة يختلف عن الاعتراف الدبلوماسي من قِبل دول أخرى.
خطوات انضمام دولة كعضو كامل:
– تتقدم الدولة بطلب إلى أمين عام الأمم المتحدة، معلنة قبولها لميثاق الأمم المتحدة واستعدادها للوفاء بالتزاماتها.
– يراجع مجلس الأمن الطلب؛ ويتكون المجلس من خمسة أعضاء دائمين (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة) وعشرة أعضاء غير دائمين يتناوبون كل عامين. يحتاج القرار إلى تسعة أصوات مؤيدة على الأقل ولا يجوز لأي عضو دائم أن يستخدم حق النقض (الفيتو).
– إذا أوصى مجلس الأمن بالقبول، تعرض القضية على الجمعية العامة، التي يجب أن توافق بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين.
بمجرَّد الموافقة، تصبح الدولة عضوًا كاملاً، وتحصل على كامل الحقوق والاعتراف الدولي الأوسع. وترفع علمها أمام مقر المنظمة وتصبح مؤهَّلة للمشاركة الكاملة في أنشطة الأمم المتحدة، بما في ذلك التصويت في الجمعية العامة.
كيف استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لمنع العضوية الكاملة لفلسطين
في 2012، رفعت الجمعية العامة مكانة فلسطين من كيان مراقب إلى دولة مراقب غير عضو، لكنه تعديل شكلي لم يرقَ إلى عضوية كاملة تسمح بالتصويت.
في 18 أبريل 2024، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن كان سيؤدي إلى منح فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة، فحُجبت الترقية رغم تأييد دولي واسع.
للولايات المتحدة سجل طويل في استخدام الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن التي تنتقد إسرائيل — حيث مارسته على الأقل خمسين مرة منذ انضمامها إلى المنظمة — مما حال كثيرًا دون إقرار تدابير تتناول الأعمال العسكرية الإسرائيلية أو الاستيطان أو الاحتلال للأراضي الفلسطينية.