رام الله — العاصمة الفعلية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة — تشعر أوساط واسعة أن الاعتراف الغربي بدولة فلسطين جاء متأخراً ولا يرقى إلى طموحات الشعب الفلسطيني. كثيرون هنا يرحبون بالتضامن والمعرفة بمعاناتهم، لكنهم يؤكدون أن الاعتراف وحده لا يكفي وأن المطلوب سياسات عملية وحلول ملموسة.
“سعيد أن هناك من يلم بسوء الحال الذي نعانيه في فلسطين ويفهم مشاكلنا”، يقول ضياء (23 عاماً) الذي تحفظ على كشف اسمه الكامل. “لكن الاعتراف مهم فقط إذا تلاَه ضغط دولي يضمن حقوقنا — وإلا فهو مجرد حبر على ورق”.
رام الله تضم مقرات رسمية ومباني حكومية وسفارات وقصر رئاسي واسع، ومع ذلك يظل حلم كثير من الفلسطينيين هو أن تصبح القدس الشرقية، القريبة جغرافياً لكن مقطوعة عملياً بالحاجز الفاصل، عاصمة لدولة فلسطينية في إطار حل الدولتين الذي يقترح قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وقطاع غزة إلى جانب اسرائيل.
هذا الهدف المعلَن دفع بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا والبرتغال وبلجيكا ومالطا ولوكسمبورغ وأندورا وموناكو إلى إعلان اعتراف رسمي بدولة فلسطين خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع. لكن المطالب الفلسطينية تتجاوز الاعتراف الشكلّي: “الاعتراف إيجابي بعد كل هذا الوقت”، يقول كمال داود (40 عاماً) في شارع مزدحم برام الله، “لكن من دون ضغوط دولية حقيقية لن يغير الأمر واقعنا”.
على صعيد المقاربات الإسرائيلية، وصف قادة إسرائيليون خطوات الاعتراف بأنها “مكافأة للإرهاب”. ورغم ذلك، جدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأحد تأكيده بأن “لن تكون هناك دولة فلسطينية”، بينما ذهب متطرفون في ائتلافه إلى المطالبة بضم الضفة الغربية بالكامل. وكتب وزير المالية اليميني المتطرف بيزاليلا سموتريش أن “الرد الوحيد هو إزالة الفكرة الحمقاء للدولة الفلسطينية من جدول الأعمال إلى الأبد”.
حذر الاتحاد الأوروبي ودول مثل المملكة المتحدة وألمانيا اسرائيل من أي مساعٍ لضم أراضٍ، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مثل هذا المسار بأنه أمر “غير مقبول أخلاقياً وقانونياً وسياسياً”. لكن على الأرض استمرت سياسات الاستيطان والتوسّع: منذ احتلال الضفة والقدس الشرقية عام 1967 بنى الاحتلال نحو 160 مستوطنة يقطنها حوالى 700,000 مستوطن، فيما يعيش نحو 3.3 مليون فلسطيني إلى جانبها؛ وهذه المستوطنات تُعدّ مخالفة للقانون الدولي.
منذ هجوم حماس على جنوب اسرائيل قبل قرابة عامين، والذي أودى بحياة نحو 1,200 شخص واحتُجز 251 رهينة وأشعل حرب غزة، شددت اسرائيل قبضتها على الضفة. استهدفت قواتها خلايا مقاومة مسلحة في مخيمات شمال الضفة، ونفّذت عمليات عسكرية واسعة وهدمّت مبانٍ بكثافة، ما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من منازلهم. انتشار حواجز عسكرية جديدة وإغلاق طرق مفاجئ جعل التنقل الذي كان يستغرق دقائق يستغرق ساعات.
السلطة الفلسطينية التي تدير أجزاء من الضفة غير الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية تواجه حصاراً اقتصادياً طويل الأمد بعدما حجبت اسرائيل عائدات الضرائب اللازمة لدفع رواتب المعلمين والشرطة؛ وقد تقلّصت الرواتب إلى النصف وأُمر بعض الموظفين بالدوام ليومين فقط أسبوعياً. في المقابل تصاعدت اعتداءات المستوطنين وتكاثر المستوطنات العشوائية من دون موافقات حكومية، بينما أطلقت الحكومة الإسرائيلية دفعاً استيطانياً كبيراً يشمل مشروع E1 بالقرب من القدس الذي يخطط لبناء 3,400 وحدة سكنية للمستوطنين، وهو مشروع تقول منظمات حقوقية إنه سيقسّم الضفة ويقضي عملياً على إمكانية قيام دولة فلسطينية مترابطة.
“من يحاول اليوم الاعتراف بدولة فلسطينية سيجد ردنا على الأرض ليس بالوثائق أو التصريحات بل بالوقائع: منازل وأحياء” قال سموتريش الشهر الماضي، في تهديد واضح بتحويل الاعتراف السياسي إلى تحدٍ عملي.
في الماضي جرت محاولات لتبادل أراضٍ كجزء من حل الدولتين؛ فعلى سبيل المثال اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت عام 2008 منح فلسطين نحو 4.9% من أرض إسرائيل مقابل مساحات متكافئة في الضفة، لكن الخطة لم تُتَّفق عليها، وبعد 17 سنة توسعت المستوطنات إلى حد باتت معه الخريطة الفلسطينية مجزأة للغاية لدرجة تعيق قيام دولة قابلة للحياة.
أما في قطاع غزة فالحالة مأساوية: أكثر من 65,000 فلسطيني قُتلوا بحسب وزارة صحة تديرها حركة حماس، ومعظم سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.1 مليون نزحوا داخلياً. تقدّر الأمم المتحدة أن 92% من وحدات السكن تضررت أو دمرت، و91% من المدارس بحاجة لإعادة بناء كاملة أو ترميم جذري، و86% من الأراضي الزراعية تضررت؛ وتُقدَّر تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 45 مليار جنيه إسترليني خلال العقد المقبل.
“الكل تعب، الكل مُنهك، والكل يفقد الأمل بأن للمجتمع الدولي تأثيراً حقيقياً في ترسيخ الاعتراف”، يقول صبري صيدم، قيادي بارز في حركة فتح. ومع ذلك يصرّ على أن الاعتراف يستحق الجهد: “لو لم نكن نؤمن بإمكانية قيام دولة لما بذلنا كل هذا الجهد من أجل الاعتراف. حان الوقت لإقناع الإدارة الأمريكية بأن التاريخ قد تغيّر”.
لكن المهمة ليست سهلة: الخارجية الأمريكية منعت أكثر من 80 مسؤولاً فلسطينياً، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، من حضور اجتماعات الدورة الحالية للجمعية العامة، متهمة إياهم بأنهم يقوّضون فرص السلام بالسعي إلى “الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية افتراضية”.
بالنسبة للفلسطينيين العاديين مثل ضياء، يبدو الحلم القومي اليوم على حافة الانهيار: “الناس تشعر أن الحلم الوطني بات شبه مستحيل”، يقول، فيما تستمر المعاناة اليومية وحواجز الطرق وقيود الحركة وغياب الحلول الواقعية.