محور الحوار في نيويورك: لقاء غير اعتيادي بين رئيس سوري وقائد أميركي سابق
وقف الرئيس السوري أحمد الشراع إلى جانب الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بيترايوس على منصة منتدى سياسي في مدينة نيويورك خلال مقابلة علنية، واعترفا معاً بخصوصية هذا اللقاء وسياقه التاريخي.
صعود الشراع إلى السلطة
أحمد الشراع، الذي أطاح بالرئيس السابق بشار الأسد وأنهى حكم العائلة الذي امتد لنحو خمسين عاماً عبر هجوم عسكري واسع أواخر العام الماضي، يتولى الرئاسة منذ يناير. بعد إفراج الولايات المتحدة عنه، أسّس الشراع في 2012 ما عُرف بـ”جبهة النصرة” لمواجهة نظام الأسد، ثم قطعت الجبهة علاقاتها بتنظيم القاعدة بعد أربع سنوات، وبعد ذلك اندمجت مع فصائل أخرى لتشكّل في ما بعد هيئة تحرير الشام التي تولى قيادتها الشراع. صُنّفت الهيئة «منظمة إرهابية» من قِبل امريكا في 2018، لكن واشنطن سحبت هذه التسمية في يوليو 2025، وفي ديسمبر رفعت كذلك جائزة رأس بقيمة عشرة ملايين دولار كانت قد عُلّقت على الشراع.
خلفية بيترايوس ودلالات اللقاء
قاد بيترايوس القوات الأمريكية أثناء غزو العراق، وكانت تلك القوات قد اعتقلت الشراع وحبسته بين 2006 و2011 لمواجهته الغزو. بعد مسيرته العسكرية تولى بيترايوس منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاحقاً. حضوره مع الشراع في قمة Concordia السنوية المصاحبة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تجمع قادة دول ومسؤولين اقتصاديين وممثلين من منظمات مجتمع مدني، أضفى بعداً رمزياً على التحول الذي شهده المشهد السوري.
توقيت الزيارة وأهميتها
حلّ الشراع في نيويورك لحضور أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليكون أول رئيس سوري يزور الجمعية منذ نحو ستة عقود. التقى الرئيس بوفد كبير أجرى سلسلة اجتماعات من بينها لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، كما شارك في فعاليّات جانبية خلال أعمال الجمعية.
لماذا أبدى بيترايوس إعجاباً بالشراع؟
لم يكتفِ الجنرال المتقاعد بالإقرار بغرابة المشهد، بل استغلها للثناء على الشراع، لا سيما بعدما أعلن الأخير موعداً لانتخابات برلمانية في أكتوبر. وصف بيترايوس مسار الشراع من قائد متمرّد إلى رئيس دولة بأنه واحد من أبرز التحوّلات السياسية الدرامية في الشرق الأوسط الحديث، وأعرب عن تقديره الشخصي له، بل سأل عن صحته ونمط نومه، قائلاً إن للشراع «المئات من المعجبين» بينهم هو نفسه.
مواقف الشراع وتأملاته
عند سؤاله عن تاريخه، ابتسم الشراع وقال إن زمن القتال تلاشى ويجري الانتقال إلى زمن الحوار، وأن من عاشوا الحرب يدركون قيمة السلام. أضاف: «لا يجوز أن نحاكم الماضي بمقاييس اليوم، ولا نحكم على الحاضر وفق قوانين الأمس». عن مرحلته كقائد مرتبط بتنظيمات جهادية أقرّ بأن «ربما كانت هناك أخطاء»، لكنه شدد على أن ما يهم الآن هو حماية الشعب السوري والمنطقة من انعدام الاستقرار، وأن التزامهم بهذا الهدف هو الذي أوصلهم اليوم إلى نيويورك بين حلفاء وأصدقاء.
الانتهاكات والعقاب والمساءلة
رداً على سؤال حول أعمال عنف طائفية راح ضحيتها المئات هذا العام، حمّل الشراع جزءاً من المسؤولية لنظام الأسد الذي ترك البلاد فوضى، وأكد أن «جميع الأطراف أخطأت، بما في ذلك أجزاء من الحكومة». أشار إلى تشكيل مجلس تحقيق جديد يتولى ملاحقة ومقاضاة المخطئين، وأن الشعب السورييّن تجمع حول الحكومة الجديدة، مع إيلاء الأولوية الآن لإعادة الإعمار وتوحيد البلاد وتنشيط الاقتصاد.
المطالبات الدولية والحقوقية
جدد الشراع طلبه من الكونغرس الأميركي إلغاء قانون قيصر لعام 2019 الذي يفرض عقوبات على سوريا. كما أكّد التزام حكومته بحماية الأقليات، بما في ذلك الأكراد في الشمال، وطلب تضمين حقوقهم دستورياً، مع التشديد في الوقت نفسه على أن القوات المسلحة للدولة وحدها هي التي تملك السلاح، ولا يجوز لمجموعات مسلحة أن تعمل خارج إطار الدولة.
الملف الإسرائيلي والآفاق الأمنية
تحدّث الشراع عن إسرائيل، مشيراً إلى أن تل أبيب نفّذت أكثر من ألف عملية استهداف داخل الأراضي السورية منذ سقوط الأسد وأنها لا تزال تحتل هضبة الجولان. لكنه أكد أن دمشق تفضّل إعادة الإعمار وتفادي حرب جديدة، ولذلك تجرى محادثات أمنية مع إسرائيل سعياً إلى اتفاق يستند إلى اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.