تحوّل سياسي مرتقب: ما الذي يجب معرفته عن الانتخابات الرئاسية في بوليفيا

بوليفيا على مفترق: بعد عقود من الهيمنة اليسارية، تبدو البلاد هذه المرة قاب قوسين أو أدنى من تحوّل إلى اليمين. الناخبون سيترشحون الى صناديق الاقتراع في 17 أغسطس لاختيار رئيس جديد وأعضاء الكونغرس، فيما تشدّ الخلافات داخل اليسار الباب أمام احتمال فوز قوى محافظة.

الانقسام في صفوف الحزب الحاكم —حركة الاشتراكية (MAS)— والتدهور الاقتصادي والسياسي خلال السنوات الأخيرة، من تضخّم مرتفع إلى احتياطات نقدية متناقصة، غذّيا سخطاً شعبياً أعطى زخماً لمرشحين مثل رجل الأعمال صامويل دوريا ميدينا واليمينوي السابق خورخي “توتو” كيروغا.

متى الانتخابات؟
الجولة الأولى من الاقتراع محددة يوم الأحد 17 أغسطس.

هل ستكون هناك جولة ثانية؟
نعم، الاحتمال قائم. لتجنّب جولة إعادة يجب أن يحصل المرشّح الأول على أكثر من 50% من الأصوات، أو أن ينال 40% مع فارق لا يقل عن 10 نقاط عن صاحب المرتبة الثانية. ومع تقارب المرشحين، تبدو إعادة التصويت في 19 أكتوبر السيناريو المرجّح.

ما الموجود على ورقة الاقتراع؟
إلى جانب رئاسة الجمهورية ونائبه، ينتخب الناخبون 36 مقعداً في مجلس الشيوخ و130 مقعداً في غرفة النواب. يبلغ عدد سكان بوليفيا نحو 12 مليون نسمة، بينهم أكثر من سبعة ملايين ناخب مؤهل.

من هم أبرز المرشحين؟
سجّل عشرة مرشحين أنفسهم للسباق الرئاسي، لكن لا يتسلّم أحدهم زعامة مطلقة حتى الآن. كما لاحظت غليلديس غونزاليس كالانش، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية، فهذه “أول انتخابات وطنية خلال عقدين بلا حزب مهيمن أو مرشّح واضح”.

اثنان من المرشحين المحافظين يحظيان بمتابعة مكثفة بعد أن أخفقا سابقاً في لفت الانتباه: صامويل دوريا ميدينا، رجل أعمال نشأ ثروته في قطاع الاسمنت ويمتلك حالياً فنادق وامتيازات لمطاعم، ومؤسس جبهة الوحدة الوطنية اليمينية الوسطية، والذي ترشّح سابقاً للرئاسة في 2005 و2009 و2014. والمرشح الآخر خورخي “توتو” كيروغا، الذي خاض الانتخابات أيضاً في 2005 و2014 و2020، وقد تولّى الرئاسة مؤقتاً نهاية ولاية هوغو بانسر بعد استقالته بسبب المرض عام 2001 بعد أن كان بانسر حاكماً ديكتاتورياً في السبعينيات.

يقرأ  التعلّم الإلكتروني في التسويقتهيئة عقلية جاهزة للعالمية

هل هناك مرشحون من اليسار؟
نعم، لكن أداؤهم في استطلاعات الرأي أدنى من منافسيهم المحافظين. أندرونيكو رودريغيز، رئيس مجلس الشيوخ، يبرز كأقوى مرشح يساري حالياً بعد انفصاله عن حركة MAS، وهو ذو جذور في مناطق زراعة الكوكا الريفية التي كانت تقليدياً معقل الحركة الحاكمة. في المقابل، يواجه الرئيس المنتهية ولايته لويس أرس اتهامات بتحمل مسؤولية التدهور الاقتصادي، بينما عاد مؤسس MAS إيفو موراليس إلى الصدام مع أرس ورودريغيز فيما يروّج لمحاولات استعادة الرئاسة. والمرشح الرسمي لحركة MAS، إدواردو دل كاستيلو، لم يترك أثراً يذكر في الاستطلاعات.

ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
تجمع بيانات معدّة من قبل مؤسسات متتبعة أن الصراع محتدم بين دوريا ميدينا وكيروغا. مع ذلك، ثمة نسبة معتبرة من الناخبين غير الحاسمين أو الذين ينوون التصويت باطل، مما يضفي عنصراً متقلباً على النتائج المتوقعة. ثلاث استطلاعات بين أوائل يونيو ونهاية يوليو أظهرت دوريا ميدينا بين 19.6% و24.5%، وكيروغا بين 16.6% و22.9%، بينما تراوحت نسبة دعم رودريغيز بين 6% و13.7%.

ما القضايا الأبرز لدى الناخبين؟
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على مستوى المعيشة تحتلان الصدارة. تصف المحللة غونزاليس كالانش الوضع بأنه أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها بوليفيا منذ جيل، مشيرة إلى أن العملة الوطنية فقدت أكثر من نصف قيمتها، الأمر الذي زاد من وطأة الغضب الشعبي وأصبح محوراً سياسياً أساسياً في هذا الاقتراع.

النهاية مفتوحة: مع توتر الوضع السياسي واقتراب الانقسام في صفوف اليسار، تبدو بوليفيا أمام مرحلة فاصلة قد تعيد تشكيل خرائطها السياسية والاقتصادية خلال الأعوام المقبلة. تمتلك بوليفيا احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط، لكن الإنتاج تراجع بشدة ما أحدث عجزًا اقتصاديًا واضحًا. البلاد اضطرت إلى استيراد الوقود بدلاً من تصديره نتيجة النقص المتكرر في الإمدادات. وفي استطلاع أُجري في مايو، ذكر الناخبون أن ارتفاع الأسعار يمثل مصدر القلق الأول، يليه قضايا اقتصادية أخرى مثل نقص الوقود، وتآكل احتياطيّات الدولار، والبطالة.

يقرأ  بعد إصلاحات التسعير تباطؤ نمو سعة الطاقة الشمسية في الصين خلال النصف الثاني

رئيس بوليفيا لويس آرس يقدم مؤتمراً صحفياً إلى جانب وزيره للحكومة روبرتو ريوس في 11 يونيو.

لماذا لا يخوض الرئيس الحالي السباق الانتخابي؟
أعلن الرئيس لويس آرس في مايو أنه لن يترشح لإعادة انتخابه، في ظل تهاوي شعبيته بفعل الأزمة الاقتصادية وتصاعد الخلافات مع مرشده السابق إيفو موراليس. شهدت الأشهر الأخيرة من ولايته الخماسية اضطرابات متكررة؛ ففي 2023 و2024 تقلصت احتياطيات العملة وشهد قطاع الغاز الطبيعي تراجعًا حادًا.

في المقابل، بدأ موراليس يتخذ موقفًا ناقدًا لحكومة آرس. خلال إدارة آرس، منعت المحاكم البوليفية موراليس من الترشّح لولاية رابعة، وصدر بحقه أمر اعتقال بتهم اغتصاب قاصرات. تصاعدت التوترات في يونيو 2024 عندما اقتحم جنرال القصر الرئاسي في مشهد بدا كأنه محاولة انقلاب؛ اتهم آرس أنصار موراليس بتحريك هذه الأحداث، بينما زعم موراليس أن آرس فبرك الانقلاب لاستعادة شعبيته.

ما الدور الذي يلعبه إيفو موراليس؟
تلفت انتخابات بوليفيا الأنظار لغياب أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في البلاد: مؤسس حركة MAS، إيفو موراليس. شغل موراليس منصب الرئيس لثلاث ولايات متتالية من 2006 حتى 2019، ورافق حقبته نمو اقتصادي ملحوظ أكسبه شعبية على المستوى المحلي وفي أوساط اليسار اللاتيني.

لكن في 2019 سعى موراليس لولاية رابعة مثيرة للجدل؛ وعلى رغم أن النتائج الرسمية أظهرت فوزه، إلا أن الاحتجاجات والتهديدات وادعاءات التزوير أجبرته على مغادرة البلاد، ووصف البعض ما حدث بأنه انقلاب مدعوم من الجيش واليمين السياسي. عندما انتُخب آرس، وزيره السابق للمالية، رئيسًا في 2020، عاد موراليس إلى بوليفيا، غير أن الخلاف بين الرجلين تفاقم جزئيًا نتيجة تنافسهما على الزعامة، فاستقطب موراليس أنصاره في انقسام مزق اليسار البوليفي.

في مايو، أيدت محكمة دستورية قرارًا بمنع موراليس من الترشّح مجددًا بسبب قيود دستورية فُرضت منذ مغادرته المنصب. ورغم ذلك، واصل موراليس دعوته لأنصاره للإدلاء بأصوات ملغاة احتجاجًا على استبعاده من السباق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة الناخبين غير الحاسمين أو من ينوون التصويت احتجاجًا قد تتراوح بين 25 إلى 34 في المئة.

يقرأ  انفجار في منطقة ذات معدلات جريمة مرتفعة بشمال بيرو: ١٠ مصابين و٢٥ منزلاً متضررًا

قاد أنصار موراليس أيضًا احتجاجات غاضبة رافضة لاستبعاده من السباق، شملت إغلاق طرق واشتباكات أودت بحياة متظاهرين وعناصر شرطة، ما زاد من احتقان الساحة السياسية.

كم مدة الولاية الرئاسية؟
تُنتخب الرؤساء في بوليفيا لمدة خمس سنوات، وقد حددت المحاكم في السنوات الأخيرة سقفًا لولايتين متتاليتين بالعادة. هذا الأمر شكل مصدر استياء لدى موراليس الذي شغل ثلاث ولايات متتالية ويسعى – بحسب مؤيديه – إلى اكتساب ولاية رابعة.

لماذا تكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة؟
من المرجح أن تشهد بوليفيا أول هزيمة لليسار في سباق رئاسي منذ نحو عقدين، وهو ما قد يثير زلازل سياسية في أميركا اللاتينية حيث كانت البلاد معقلًا لليسار في جزء كبير من القرن الحادي والعشرين. قالت المحللة غونزاليس كالانشي إن “اليسار تضعّف بفعل الانقسامات والخلافات الشخصية بين موراليس وآرس.” وأوضحت أن هذه الشقوق ستنعكس في صناديق الاقتراع، إذ تواجه النقابات وغيرها من منظمات اليسار صعوبة في التوحد خلف مرشح موحد.

مع ارتفاع التوترات وتدهور الأوضاع الاقتصادية، وغياب مرشح إجماعي يقود البلاد، تخشى غونزاليس كالانشي أن تكون بوليفيا على أعتاب مرحلة من عدم اليقين، خاصة مع احتمال إجراء جولة ثانية من الاقتراع. “الوضع الاقتصادي مأساوي، ويتفاقم بوجود الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وهو دورَة تغذّي نفسها باستمرار” قالت المحللة، خاتمة.

أضف تعليق