سيا غوليشا — سرد القصص والتعاطف وبناء «سيارت» بين الهند ولندن

لم يكن طريق سيا غوليشا نحو التصميم طريقًا مستقيمًا. قبل أن تؤسس استوديوها المستقل “سايارت” الذي تديره بين الهند ولندن، مرّت ببدايات في الفنون الجميلة والوسائط المختلطة وطباعة الصور. خلال سنة التأسيس في سنترال ساينت مارتينز فقط بدأت تعتبر التصميم الجرافيكي خيارًا جادًا لمستقبلها المهني.

تتذكر سيا قائلاً إنها تلقت تشجيعًا من أحد مدرسيها الذين وثقت برأيهم: “أحد مدرسيني، الذي كنت أقدّر رأيه كثيرًا، حفّزني على التفكير بجدية في التصميم الجرافيكي لأنني أمتلك توازنًا جيدًا بين المهارات الفنية وفهم الأعمال، وكنت مواكِبة للاتجاهات العالمية. هذا الإدراك غيّر تمامًا رؤيتي لما سأقوم به لاحقًا.” وفي تلك الكلمات، ترى سيا نقطة التحول التي أعطتها الثقة للتوّجه إلى تصميم الوسائط والطباعة التحريرية.

ثم تابعت دراستها بحصولها على بكالوريوس في التصميم الجرافيكي والإعلام من كلية لندن للاتصال، حيث غاصت في عالم التصميم التحريري. بعد ثمانية منشورات تعلمت الأساسيات وإتقانها، وبرز لديها شغف متزايد ببناء هوية العلامة التجارية. تقول: “أحببت عملية بناء الهوية من الصفر؛ صياغة صوتها وقصتها وشخصيتها كانت دائمًا جزءًا يمنح العمل حياة.”

الانطلاق نحو الاستقلال جاء بسرعة؛ أول مشروع لها جاء عبر رسالة مباشرة على إنستغرام. توضح سيا أن العمل على المشروع من بدايته إلى نهايته أكشف لها أنها تريد أن تبني ممارسة مهنية من الأساس تسمح لها بالاستكشاف الذاتي والبحث في اهتماماتها.

قاعدتان، منظوران
إدارة ممارسة بين الهند ولندن لا تخلو من صعوباتها اللوجستية، لكنها بالنسبة لسيا مصدر أساسي للطاقة الإبداعية. في الهند تحيط بها التقاليد والألوان والحرف التي تلهم أعمالها بطريقة طبيعية، بينما تمنحها لندن انكشافًا على ثقافة التصميم العالمية، والمرشدين، والاستوديوهات المتقدمة. بدلاً من اعتبارهما عالميْن منفصلين، تتنقل بينهما بسلاسة، وتستفيد من كل منهما في إثراء رؤيتها العملية.

يقرأ  مجلة جوكستابوز — لويزا أوين: «الأبراج المدببة» في معرض فريدريكس وفريزر، نيويورك

تنقّلها بين البيئتين يجعلها قابلة للتكيّف ويفتح لها أبواب السفر وحضور الفعاليات والتعاون مع عملاء من مناطق متنوعة. بدلاً من الاعتماد على بيئة واحدة، تمتص سيا سياقات متعددة تحافظ على تطور ممارستها.

التصميم عبر السرد والثقافة والتعاطف
إذا سألْتَ عن جوهر فلسفتها التصميمية، فإن ثلاث كلمات تتكرر: السرد، الثقافة، التعاطف. تؤمن أن كل واحدة منها لا غنى عنها لعمل يترك صدى لدى الجمهور. تقول سيا: “القصص الجيدة تستحق أن تُروى بشكل مبدع وجذاب. السرد يعني امتلاك قصتك ومشاركتها بصوت حقيقي، بينما تضيف الثقافة عمقًا يجعل التصميم شخصيًا لا نمطيًا، والتعاطف يربط العمل عاطفيًا لا بصريًا فحسب.”

في زمن تتكاثر فيه التصاميم المولّدة بالذكاء الاصطناعي والتي قد تَبْحَثُ عن الحلول السطحية، تعتبر هذه القيم أكثر أهمية من أي وقت مضى. تضيف: “مع تزايد حضور الذكاء الاصطناعي هناك خطر حقيقي بفقدان الصوت الشخصي. امتلاك حس قوي لقصتك وثقافتك يمنح العمل طابعًا إنسانيًا يُميّزه.”

جايبور برؤية جديدة
من بين مشاريعها، يبرز مشروع مُقدّم لمدينة جايبور كأكثرها تميزًا. كجزء من ملف للالتحاق بتدريب، طُلِبَ منها تصميم هوية للمدينة. بدلًا من مقاربة بعلامة مدينية تقليدية، انطلقت من تجربتها الشخصية وخيالاتها عن المدينة. كانت مقاربتها: بدء التصميم من زاوية معيشية وشخصية، لأن جايبور هي المدينة التي شكّلت طفولتها، وكان من الضروري أن ينبثق التصميم مباشرة من منظوري الخاص.

الناتج كان هوية دافئة ومحسوسة، مستوحاة من مطبوعات البلوكات واللافتات المرسومة يدويًا وألوان الوطن. كانت اختيارات الطباعة والتايبوغرافي تحديًا بحد ذاتها، الأمر الذي دفعها إلى تجربة مواد وتراكيب تصاميمية متعددة للحصول على التوازن الصحيح بين الأصالة والحداثة، والحفاظ على الهويه البصرية للمدينة. سيا تقول: «أردت شيئاً يحمل روح التقليد لكنه في الوقت نفسه يبدو معاصرًا وغير تقليدي، لذا صار التوازن بين الحنين والجِدّة المهمة المحورية». النتيجة شخصية وحيّة في آن واحد، وهي بلا شك رسالة حب إلى جايبور تتجنب النمطية، مع احترام تاريخ المدينة. تضيف: «الهدف كان أن أبتكر شيئًا صادقًا يمثل ما تعنيه جايبور بالنسبة لي شخصياً، وليس فقط مظهرها الخارجي. علمني هذا كيف يمكن للتصميم أن يحمل العاطفة والذاكرة وليس مجرد شكل جميل».

يقرأ  شبّه موظفو سوذبيز هيكلَ رسومِ الدار بتعريفاتِ ترامب

التعاطف في الممارسة

التعاطف أحيانًا يصبح كلمة طنانة تُستعمل بلا مضمون، لكن مع سيا يتضح مدى تأثيره في طريقتها بالإنصات والاستجابة في كل مشروع. تشرح: «مع العملاء، أحاول أن أتجاوز موجز العمل لأفهم ليس فقط ما يريدون إيصاله عبر علامتهم، بل ما تعنيه هذه القصة أو المشروع لهم شخصيًا وكيف يرغبون أن يختبرها الآخرون». المشاريع الشخصية، في المقابل، متجذرة في ذاكرتها وسياقها الثقافي.

إعادة قراءتها للوتيريا—لعبة الورق المكسيكية التقليدية—مثال بارز. درست رموزها الثقافية وأعادت تخيلها بطريقة احتفالية ومتجذرة في التقليد. سواء في لوتيريا أو في جايبور، كان الهدف خلق أعمال تجعل الناس يشعرون بالحنين أو الفخر أو بأنهم مفهومون.

دروس في الاستقلالية

قيادة سيارت جلبت معها نصيبها من الدروس والمفاجآت. تقول سيا: «أحد أهم ما علمني العمل بشكل مستقل أن التصميم أكبر من الجانب الإبداعي فقط — إنه عن الناس وقصصهم وعن العملية التشاركية التي تحول رؤية إلى واقع». تعلمت أيضًا تقبّل عدم اليقين. «أحيانًا تأتي أكثر الفرص مُجزية بطرق عادية ومتواضعة، مثل رسالة مباشرة غير متوقعة ردًا على منشور، أو حديث عابر»، تضيف. وتؤمن بأن الصبر والمثابرة غالبًا ما يفوقان الانتصارات السريعة.

نظرة إلى المستقبل

ليس مفاجئًا أن سيا تتوق لتولي مزيد من المشاريع التي تمزج الثقافة والسرد والهوية. تقول: «العمل مع علاماتي نمط الحياة والموضة والطعام يهمني بشكل خاص، لأنها غالبًا ما تحمل سرديات قوية قابلة للعرض بطرق مبتكرة». كما أنها متحمسة للعمل التجريبي العابر للتخصصات الذي يتحدى المألوف.

في المحصلة، تبقى سيا آرت وسيلة لفضولها ومنصة لقصص تراها جديرة بالصوت. وتختم: «على المدى الطويل، هدفي أن أجد قصصًا أؤمن أن العالم سوف يستفيد منها، وأن أبني هويات حولها تشعر بالأصالة والعاطفة والمتانة».

يقرأ  جاب في الأربعين: لماذا لا يزال التجمع الإبداعي المحبوب في غلاسكو يحتفظ بشرارته؟

أضف تعليق