كلمة تاريخية في الجمعية العامة للأمم المتحدة
ألقى الرئيس المؤقت لسوريا، أحمد الشراع، خطابَه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالباً برفع العقوبات الدولية عن بلاده، ليصبح أول رئيس سوري يَتَكَلَّم في هذا المحفل منذ نحو ستين عاماً. وقال أمام القادة الدوليين إنّ “سوريا تستعيد موقعها الطبيعي بين أمم العالم”، واصفاً تجربة بلاده بأنّها “محشوة بالعواطف، تمزج الألم بالأمل”.
قصة نضال ومطالبة بالكرامة
وصف الشراع المسيرة السورية بأنها “قِصة صراع بين الخير والشر”، وأضاف: “طوال سنوات طويلة عانينا من الظلم والحرمان والقهر، ثم انتفضنا للمطالبة بكرامتنا.” توافد السوريون في أنحاء البلاد لمتابعة الخطاب على شاشات كبيرة، فيما وصَف مراسل الجزيرة في دمشق الأجواء بأنها احتفالية وممتلئة بالفخر، مع أصوات الألعاب النارية التي بدت كإشارة إلى عودة سوريا إلى المجتمع الدولي بعد سنوات من المعاناة والعزلة.
خطوات داخلية ودعوات للاستثمار
منذ توليه السلطة في يناير بعد قيادته لقوات المعارضة التي أنهت حكم عائلته الذي دام خمسة عقود، استعرض الشراع ما تم اتخاذه من خطوات خلال الأشهر الماضية: إنشاء مؤسسات جديدة، وضع خطة لإجراء انتخابات، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. وخاطب المجتمع الدولي قائلاً: “نطالب الآن بالرفع الكامل للعقوبات كي لا تبقى مكبلةً للشعب السوري.”
تحولات دبلوماسية وقرار أمريكي
في تحول بارز، أزالت الولايات المتحدة جماعة هيئة تحرير الشام، التي كان الشراع على رأسها، من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية في يوليو، وهو ما عكست تغييراً في السياسة تجاه سوريا ما بعد الأسد. وخاض الشراع حملة دبلوماسية جالت فيها باريس للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، ثم زار الرياض حيث التقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تعهّد برفع العقوبات أثناء الزيارة، ثم أصدر بعد أسابيع أمراً تنفيذياً لرفعها. ورغم ذلك، لا تزال “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” سارياً في تشريعات الكونغرس، ويجري الآن نقاش حول إمكانية إلغائه.
نشاط دبلوماسي وحضور في المنتديات
خلال زيارته لنييويورك التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومسؤولين آخرين، كما ألقى كلمة في قمة كونكورديا السنوية، المنتدى العالمي المنعقد على هامش أعمال الجمعية العامة.
الضربات الإسرائيلية ومحافظته على السلم
أدان الشراع العديد من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت سوريا منذ توليه، مشيراً إلى أنّ “الضربات والهجمات الإسرائيلية على بلادي مستمرة رغم الإصلاحات التي نسعى لإدارتها”، وأنّ سياسات تل أبيب تتناقض مع مواقف دولية داعمة لسوريا وتهدّد باندلاع أزمات جديدة في المنطقة. مع ذلك، شدّد على التزام حكومته بالخيارات الحوارية وباتفاق فك الاشتباك لعام 1974، ودعا المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة تلك الاعتداءات.
حول مسألة خفض التصعيد، ذكر المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا أنّ هناك تقارباً بين دمشق وتل أبيب باتجاه اتفاق يوقف الهجمات المتبادلة مقابل التزام سوريا بعدم تحريك المعدات الثقيلة قرب الحدود.
تضامن مع غزة وخاتمة إنسانية
وجّه الشراع رسالة تضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، قائلاً إنّ سوريا “تقف بحزم إلى جانب أهل غزة، أطفالاً ونساءً وكل الشعوب التي تتعرّض للانتهاكات والعدوان”، ودعا إلى “إنهاء الحرب فوراً”. وختم خطابه بتأمل مؤلم في معاناة السوريين: “نعبر عن ألمٍ عميق؛ ما عانى منه شعبنا من معاناة لن نتمنّاه لأحد. نحن من أكثر الشعوب إدراكاً لرعب الحرب ودمارها.”
الاسد والتداعيات المستمرة
أكد في كلمته أيضاً أن التوترات المستمرة مع إسرائيل ترتبط بجذور تاريخية، من بينها الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان منذ عام 1967، مشيراً إلى أن إسرائيل شنت أكثر من ألف غارة داخل الأراضي السورية منذ سقوط النظام السابق بقيادة بشار الاسد.