عند دخولك متجر كريمر للأصباغ في شارع 29 وزقاق الثامن في نيو يورك، يستقبلك منظرٌ ساحر من أكياس وزجاجات الألوان: لازورد، أحمر الفيرميسيون، مالاكيت، طيف واسع من الأوكر وأكاسيد الحديد، وزيوت الجوز وعباد الشمس. وفي ركنٍ بعيد تكدّست أكياس شمع العسل، تفوح منها رائحة العسل الحلوة.
في نشرته بتاريخ 7 سبتمبر أعلن متجر كريمر إغلاق فرعه في المدينة. بعد أكثر من ثلاثين سنة من التخصّص في تأمين وإنتاج المواد الخام للفنانين، قررت الأسرة المالكة للشركة الألمانية أن موجة ارتفاع الإيجارات في المدينة، والرسوم الجمركية الجديدة على واردات الولايات المتحدة، وتأخر الشحنات المحتجزَة في الجمارك لأشهر، كلها عوامل تجعل الاستمرار هنا غير عملي. ستستمر الشركة في العمل بمطحنة الألوان الأصلية في آيخستتين بألمانيا، وستزوّد المتجر هناك ومتجر ميونيخ، بالإضافة إلى أكثر من مئة بائع تجزئة حول العالم، لكن فرع نيو يورك سيعرض بضائعه بتخفيضات متتالية وسيغلق أبوابه في نهاية نوفمبر — خسارة فادحة لمجتمع الفنانين المحلي. سيظل بإمكاننا شراء منتجات كريمر عبر الإنترنت، لكن لم يعد هناك مكان في الولايات المتحدة تلتقط منه زجاجة «كوت دازور» أو «بني النيزك» من الرف وتتأمل إمكانيات اللون.
«تجوّلوا بحرية واحلموا بالألوان» — هذا ما كتِب على نافذة المتجر الأمامية.
بالنسبة لي ولزملائي الرسامين، كان متجر صبغات تشيلسي أسطورة وملاذًا، لكنه كان أيضًا مصدرًا لا غنى عنه لمجالات أخرى: صنّاع الكمان والأثاث، وفنانو النسيج، ومصممو الديكور الداخلي عرفوا كريمر كمورِّد نادر للمواد التقليدية. المحافظون في المتحف المتروبوليتان وأماكن أخرى اشتروا أصباغًا تاريخية من عندهم. عملت لدى كريمر لفترة وجيزة في 2015 وغالبًا ما وجدت نفسي أصف فروقًا دقيقة في الألوان للمكالمات الهاتفية — أصف أصفرًا بأنه أقرب إلى «صغير البط» منه إلى «حافلة المدرسة». روجر كارمونا، مدير فرع نيويورك، أو موظف مخضرم آخر، كانا يتدخّلان أحيانًا لإرشاد الزبائن حول تأثيرات الطبقات ووقت الجفاف وكيف يمكن للمناخ أن يغيّر خواص غراء جلد الأرنب. صناعة الطلاء قد تتحوّل إلى معادلة معقّدة تتطلّب ذاكرة حسية وفهمًا للكيمياء.
روجر كارمونا في كريمر نيويورك
ولد كارمونا في نيكاراغوا ونشأ في مائامي، وتولى إدارة فرع نيويورك بعد تخرجه بدرجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من مدرسة الفنون البصرية في منهاتن عام 2007. وخلال فترة عمله لدى كريمر نال الماجستير من بارد وأصبح تدريجيًا أحد أكثر خبراء الطلاء ثقة في المدينة. درس إلى جانب الراحل جاك ويتن في المدرسة، وصار لاحقًا مورّد أصباغ له لدى كريمر، يُطلعُه على وارداتٍ جديدة ويشاركه تجارب مادية.
عندما زرت المتجر الأسبوع الماضي، سألت كارمونا عن سير الإغلاق. شبّه المشهد بخط استقبال في جنازة، حيث يقدم الزبائن تعازيهم وهم يدفعون ثمن مشترياتهم. منذ إعلان الإغلاق فاضت الطلبات الإلكترونية على الشركة — أكثر مما يمكن تعبئته، كما قال، إذ باتت العديد من الرفوف خاوية. كان مؤسس الشركة، الدكتور جورج كريمر، قد حضر من ألمانيا مع زوجته بريجيت للمساعدة في ترتيب إجراءات الإغلاق. أخبرني الدكتور كريمر أن نظرته للعمل تنطلق من خلفيته الكيميائية — استعمال فهمه لخصائص المادة وسلوكها لإحياء وصفات أصباغ تاريخية مفقودة. بدأت الشركة في سبعينيات القرن الماضي عندما طوّر أصباغ السماء الزرقاء (سمالت) لصديق مُصلح أعاد سقف كنيسة إنجليزية، ثم توسّع في تطوير وتوفير أصباغٍ من أوكر الجبال الكارباتية إلى لازورد أفغانستان وشيلي، حتى باتت مجموعته تضم أكثر من 1500 صبغة.
الموقع الأصلي لكريمر في شارع سبرينغ، الذي افتتح عام 1989
افتتح فرع كريمر في نيويورك عام 1989 في الجانب الجنوبي الشرقي بعد أن أدت صداقة الدكتور كريمر مع الفنان هارفي كويتمن به إلى الولايات المتحدة. كان رسّامون أمثال ويتن، وهلِن فرانكنثالِر، وبرايس ماردن زبائن دائمين، بحسب ما قال الدكتور كريمر. استمر الحماس بين الفنانين؛ إذ تبعت آر.إتش كويتمن خطوات والدها باستخدام غبار الماس والنيلي البري في أعمالها. مؤخّرًا تعاون الفنان تريفور باجلين مع كريمر لصناعة صبغة من هواتف آيفون المُسحوقة، وزاد عدد الشبان الفنانين المهتمين بالأصباغ الطبيعية والممارسات الصديقة للبيئة.
العملاء المخلصون يفتقدون كريمر فعلاً. بعد أسبوع من الإعلان، ركبت القطار من وادي هدسون للقاء صديقتي كيتلين بوميرانتس، التي أتت من فيلادلفيا. التقينا في كريمر وتحدثنا عن المكانة التي احتلّها المتجر في حياتنا كفنانين شباب، والآن كأساتذة ننجح كلّ عام في تحويل عدد من الطالبات والطلاب إلى شغف بصناعة الطلاء.
مع تداخل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في الفن والتعليم، ألاحظ أن طلابي يشتاقون أكثر فأكثر لِمَسهِموادهم، للشعور باتصالهم بالعالم عبر المادة. يظهر ذلك يوميًا في ما يجلبونه إلى الصف لصنع الطلاء — صدأ، كركم، رماد، تربة. مؤخرًا أحضر أحد طلابي في كلية ڤاسّر النيلي الصناعي الذي صنعه في درس الكيمياء إلى صف الرسم لصنع طلاء، مذكّرًا إياي ببدايات الدكتور كريمر وعبوره من العلم إلى عالم الفن.
قبل سنوات ضعت في لوحة أعمل عليها تستكشف التصنيع الأمريكي المبكّر عبر آلات ومخططات نظام المطاحن. استعدت توجهي حين صنعت طلاءي بنفسي: طلبت أصباغًا من كريمر — سليت، غرانيت، نيلي — وخرجت من مبنى المرسم، وهو مطحنة مُعاد استعمالها، لأجمعَ طوبة سقطت. سحقتها لصنع صبغة، ومع مواد كريمر أخذ العمل يتشكل. دروس كريمر لم تكن مجرد تعليمات حول التعامل مع اللون، بل تجارب تربط العالم المادي بالممارسة الفنية الذاتية. كثيرًا ما يقول كارمونا إن صناعة الطلاء شبيهة بالطبخ، وبخبرتي، كان موظفو كريمر عبر السنوات طهاة حائزين على نجمة ميشلان.