تمرد الطليعة اليابانية: كتاب جديد يكشف الوجه الخفي لانفجار فني ثورة الفن الياباني — كتاب جديد يروي القصة غير المروية لانفجار الطليعة

في أنقاض اليابان ما بعد الحرب، أول دولة في التاريخ تُوشَّحت بجروح النووي، بانت جيلاً من الفنانين حاملاً مهمة جريئة: تفكيك التقاليد وابتكار شكلٍ لا يُعرف من سلفه. وثَّقت مخرجة الأفلام والمؤلفة أميلي رافاليك هذه اللحظة الثقافية الزلزالية في كتابها «ثورة الفن الياباني»، استكشاف شامل لحركة الطليعة اليابانية بين 1960 و1979، نشرته دار ثيمز آند هدسون.

«لقد عايش هؤلاء الفنانون الحرب كأطفال»، تشرح أميلي. «شاهدوا عالمهم يحترق في قنابل طوكيو وانبعاث رماد هيروشيما وناغازاكي. لم تكن هناك عودة ممكنة إلى التقاليد بعد ذلك؛ ما رأوه لم يكن مجرد دمار، بل انهيار منظومة قيمية كاملة — تمزق جعل من المستحيل اعتبار أي شيء أمراً مفروغاً منه».

يضم الكتاب أكثر من 600 عمل فني تمتد بين التصوير التجريبي، والمسرح تحت الأرض، وأداء الشارع، والتصميم الغرافيكي، حتى رقصة بوتو الهادمة. يقف رموز مثل مورياما دايدو، أرّاكي نوبيوشي، إيشيوشي مياكو ويوكوو تادانوري إلى جانب أصوات فنية أقل شهرة تحدت كل الأعراف السائدة.

عالم قلب على عقبيه

كان دخول أميلي إلى هذه القصة شبه المغمورة عبر اكتشاف قبل عقد من الزمن لكتاب تصويري غريب لِتيراياما شوجي بعنوان «المكتبة التصويرية الخيالية لعائلة شين-ديو». «هالني الكتاب»، تقول. «شعرت أنه لغز: صور عائلية مخترعة، أشخاص بأزياء يدوية غريبة، صور سريالية ملونة، وإيحاءات إيروتيكية مرحة. كان فيه شيء مغناطيسي لا يقاوم — كتاب مَحيراً ومثيرر».

ذلك الكتاب الواحد فتح باباً إلى نظام بيئي كامل من المبدعين الجريئين. «أدركت سريعاً أن ما وجدتُه ليس مجرد مشهد هامشي أو لحظة في تاريخ الفن»، تتذكر أميلي. «اكتشفت عوالم جديدة كلياً: بوتو، مسرح أنغورا، فنون الاحتجاج، التصوير الإباحي، أداء الشارع، السينما التجريبية، والتصميم الغرافيكي. تنوّعت التخصصات، ومع ذلك تسارعت فيها جميعاً إلحاحية مشتركة وعمق نفسي وفلسفي هائل».

يقرأ  أكثر من عشرين دولة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في رفض مخطط إسرائيل لإقامة مستوطنة إي١ غير القانونية

السياق الثقافي هنا حاسم. كانت اليابان في ستينيات القرن الماضي قدراناً يصهر التغيّر الاجتماعي والاضطرابات السياسية واحتجاجات الطلاب. لكن صدمة هذه الجيل تجاوزت الأحداث الراهنة؛ «التقاليد التي ورثوها بدت إما متواطئة أو عاجزة. فشرعوا في صناعة شيءٍ آخر كلياً، شيء لا يُشبه ما قبله، مبنياً ليس على الاستمرارية بل على التمزق»، توضح أميلي.

كسر كل قاعدة

تجلّت روح الثورة هذه عبر اختصاصات متعددة وبأساليب جذرية. «ما ظهر لم يكن حركة مرتبة تصفها بيانات وأسماء قادة، بل انفجار لفنون جديدة: خام، عاجلة، غير مروضة»، تقول أميلي. «لم يكن همهم الحفاظ على الماضي أو ترقيعه. أرادوا تمزيقه، كشف تناقضاته، وإظهار ما يكمن تحت السطح».

مثال ذلك مجلة «بروفوك» القصيرة العمر لكن ذات الأثر الهائل على عالم التصوير الفوتوغرافي. ولدت في زمن من التوتر السياسي الراديكالي، فرفضت فكرة أن التصوير يجب أن يعكس الواقع ببساطة؛ كانت تسعى بدلاً من ذلك إلى تكسيره وتفتيته وإعادة تشكيله. «الصور الفوتوغرافية في مشروع «بروفوك» لم تكن مخصصة لشرح الحقيقة أو توثيقها؛ بل كانت تهدف إلى الاستفيزاز.»

راقصـة البوتو (بوتوه)، من جانبها، ظهرت ربما كرد فعل أعمق وأقوى على صدمات تلك الحقبة. تشرح أميلي: «لم تكن رقصة أو تسجيلاً حركياً بالمفهوم التقليدي، بل شيئًا أغرب وأولياً؛ مواجهة بين الجسد والذاكرة في محيط شبيه بالآخرة. وصفها المخرج هيجيكاتا تاتسومي بأنها وسيلة لإطلاق طاقة بدائية مدفونة عميقًا داخل الجسد—طاقة حاول المجتمع الحديث أن يتناساها.»

في سياقات أخرى، عمدت فرق الأداء الشَّارعي إلى توجيه بيانات جذرية عبر فنونها. كما أعلن منظمو النيو-دادا آن ذاك: «مهما تطاولت أحلامنا بالإنجاب في عام 1960، فإن تفجيرًا ذريًا واحدًا سيحلّ كل شيء بعفوية. لذا لم تعد ثيران بيكاسو القتالية تثير فينا شيئًا، كما لم يعد سيل الدم الناتج عن دهس قطة ضالة يحرّك مشاعرنا.»

يقرأ  بمناسبة يوم الدستورمنهاج جديد للتربية المدنية متاح للمعلمين

كنز مخفي

رغم التأثير العالمي للحركة، تبقى شريحة كبيرة من أعمالها غامضة أو غير معروفة خارج وطنها. تقول أميلي: «اليابان قد تكون من الصعب اختراقها من الخارج، بدءًا من حاجز اللغة وصعوبة الوصول. كثير من هذه الأعمال كانت عابرة أو منشورة ذاتيًا، ولا توجد بنية أرشيفية متينة لحفظها أو ترجمتها. لا تزال أجزاء كثيرة من الكتابات الأساسية غير مترجمة.»

«نُشرت مئات من كتب الصور وكتب الفنانين في تلك الحقبة، لكنها تحولت إلى ممتلكات جامعي التحف؛ نادرة للغاية وبأسعار تفوق الإمكان المالي. لمن هو خارج البلاد، تصبح امكانية الاطلاع عليها شبه مستحيلة دون إنفاق مبالغ طائلة.»

© هاناغا ميتسوتوشي. بإذن لجنة مشروع ميتسوتوشي هاناغا

© ناكاتاني تاداو. بإذن مركز فنون جامعة كيو ومختبر البوتو، اليابان

© موراي توكوجي. بإذن موراي إير

من خلال بحثها، اكتشفت أميلي التواصل المذهل بين الفنانين في تلك الفترة. «كان هناك حوار مستمر وتبادلات بين التخصصات، تؤثر في بعضها وتتشكل معًا في الزمن الحقيقي،» تقول أميلي. «ورغم أن الدائرة كانت صغيرة نسبيًا، إلا أن شدة التبادل الإبداعي وتأثيرهم المتبادل كان عميقًا.»

تسرد قصة توضح ذلك الرابط: «عندما التقيت يوكوو تادانوري، حدثني بحكاية لطيفة عن تيراياما—مؤسس فرقة تنجو ساجيكي ومُحرك أساسي في حركة الأنغورا. كل صباح، دون استثناء، كان تيراياما يتصل به، حتى وإن كان لا يزال نِصف نائم. كانا يتحادثان عن كل شيء، عن أدق تفاصيل اليوم السابق. الفن كان لا ينفصل عن الصداقة.»

إلهام حي

ما أثار إعجاب أميلي لدى لقاء هؤلاء الفنانين، كان جوعهم الإبداعي المستمر. خلال مقابلاتها، تأثرت بحيويتهم الدائمة حتى اليوم.

«الفنان تاناامي كييشي، الذي توفي للأسف العام الماضي، كان أول من قابلناه، في 2021 خلال جائحة كوفيد،» تتذكر. «أخبرنا أنه ليقضي وقت الإغلاق قرر أن يعيد تفسير بيكاسو. عرض علينا مئات اللوحات الجديدة على جدران استديوه، كلها خيالية بامتياز، وكلها بلا لبس أعماله الخاصة.»

يقرأ  شائعات حول صاروخ كروز أوكراني عملاق جديد قادر على حمل رأس حربي بوزن طن واحد وضرب أهداف داخل روسيا على عمق يصل إلى ١٨٠٠ ميل

وبالمثل، حين التقت بيوكوو تادانوري الذي يبلغ من العمر 88 سنة، وجدت شغفه لتقبل تحديات جديدة لم يتضاءل قيد أنملة.

© تاناامي كييشي. بإذن نانزوكا

© أرشيف سانتارو تانايابي

أضف تعليق