مهرجان نيويورك السينمائي يغوص في المشهد الفني

في عام 1974 حاورت الكاتبة ليندا روزنكرايتز المصور الرائد في المشهد الكويري، بيتر هوجار، ضمن مشروعٍ طالبت فيه المشاركين بتسجيل كل ما جرى خلال يومٍ واحد ثم التكلّم عنه. لم يُستَخدم ذلك الحوار آنذاك، لكن انبثقت منه بعد عقود نسخة مطوّرة أسّست لكتاب حمل عنوان «يوم بيتر هوجار» (2022). وقد تحوّل هذا العمل أخيراً إلى فيلم روائي طويل أعاد إحياء أجواء نيويورك الفنية في السبعينيات — فترةٌ بحسب المخرج إيرا ساكس «لم يكن فيها أحد يكسب المال» — وبطولة بن ويشو وربيكا هول، وهو واحد من عديد الأفلام في مهرجان نيويورك السينمائي هذا العام التي تستكشف ما يعنيه أن تعيش وتعمل كفنان.

المشهد الفني في المدينة يتحوّل هنا إلى شخصيةٍ بحد ذاته في الفيلم القصير «المحكومون والمشهورون» (2025)، الذي يستلهم عرضاً أقامه معرض ميغيل أبرو عام 2021. يقوم القِصَر السينمائي على شاكلة جولةٍ مرئية يقودها القيّم أدريان دانات، يعرض خلالها أعمالاً من مجموعته لفنانين مثل نان غولدن، إيسامو نوجوتشي، بيكاسو وغيرهم، فتتداخل اعتبارات الجدوى الفنية مع مرجعياتٍ شخصية ويصبح التنسيق ذا طابعٍ ذاكراتي.

تتكرر كل موسم أفلام السيرة الفنيّة: مهرجان هذا العام يقدّم بورتريهات لبروس سبرينغستين، ولورينز هارت، والثنائي الكوميدي جيري ستيلر وآني ميرا (من إخراج بن ستيلر)، وسلسلة مصغّرة عن مارتن سكورسيزي. يلفت الانتباه أيضاً فيلم «الموجة الجديدة» (2025)، إعادة تركيب لعملية صنع فيلم جان-لوك غودار الشهير «بريثليس» (1960) وتكريم لحركة السينما الفرنسية التي حملت الاسم نفسه، ويشمل ظهوراتٍ لشخصياتٍ محورية في الحركة. قد لا يروق لغودار مثل هذا النبرة الحِسّية أو الأسلوب الاحتفالي التقليدي، لكن العمل يُبرِز بوضوح كيف بقي «بريثليس» عملاً مدهشاً بالرغم من مرور عقود.

ومن الأرشيف يأتي فيلم سير ذاتية آخر: «روبرت ويلسون والحروب الأهلية» (أصلاً 1985)، الذي أُعيد ترميمه بعد عملية دقيقة استغرقت اثني عشر عاماً. يتتبّع الفيلم المخرج المسرحي التجريبي الراحل خلال سعيه الطموح — وإنهاؤه محكوماً عليه بالفشل — لإنتاج أوبراٍ ضخمة مرافقة لدورات الألعاب الصيفية 1984، مشروع اصطدم بتعقيدات تنسيق ستة ملحّنين من دول مختلفة.

يقرأ  أروع عروض مدينة نيويورك التي نتابعها الآن

تتجه بعض الأعمال إلى التجريب الشكلي أكثر من كونها سيرةً تقليدية. عرض شارون لوكهارت الأخير «ويندورد» (2025) يتكوّن من اثني عشر طقوساً بصريّة خارجية على سواحل جزيرة فوغو في مناطق الماريتيم الكندية؛ ثبات الصورة يزيد من وقع عناصر الطقس وحركة البشر ضمنها. أما جيمس بننغ، المعروف أيضاً بهوسه بالمشاهد الطبيعية، فيقدّم «الولد الصغير» (2025)، مجموعة لقطات مقرّبة لألعابٍ ما بعد الحرب العالمية الثانية أثناء تجميعها وطلائها، متناغمة مع أصوات خطابات سياسية مثل خطاب وداع أيزنهاور لتضخيم الشعور بأن هذه الملذّات اليومية محمية بهياكل قوة مدمّرة.

وفي سياقٍ آخر، يعرض كاهِل جوزيف نسخة مطوّلة من مشروعه «بلكنيوز» (2020)، الذي تخيل قناة أخبار متقنة تُقدّم أخباراً من وإلى المجتمع الأسود، لكشف عن عنصرية الإعلام التقليدي اليومية. استمتع العمل بعرضٍ احتفالي في فضاءات غير تقليدية أثناء الجائحة، والآن في «بلكنيوز: الشروط والأحكام» (2025) يُوسّع جوزيف الفكرة إلى طوله الكامل، بالتعاون مع فنانين بينهم آرثر جافا وغاريت برادلي، لتتنامى فقرات إخباريّة تتراوح بين رحلة فضائية خيالية وسرديات عن حياة دبليو.إي.بي. دو بوا.

بوجهٍ عام، صار العيش كفنان في نيويورك أكثر صعوبةً مما كان عليه في يوم بيتر هوجار قبل نصف قرن. ومن بابِ إغلاق الدائرة ضمن جدول المهرجان، يتابع فيلم «نودلز سُكرانة» (2025) تقلبات حبّ شابّ أرجنتيني يدرس الفن وينتقل بين القارات ليطارد أحلام المدينة الكبرى؛ لعلّ في دورة المهرجان المائة الثالثة بعد خمسين سنة، سيُعرض هذا الفيلم في قسم الإحياء بينما يوثّق فيلمٌ جديد ما يعنيه أن تكون فنان نيويوركي في عام 2075، وتستمرّ الدوّامة.

يُعقد المهرجان الميهرجان بين 26 سبتمبر و13 أكتوبر في عدة دور عرض حول مدينة نيويورك.

أضف تعليق