لورنس أبو حمدان ينقل دوي توربينات رياح هضبة الجولان إلى أوسلو

تسمع معرض لورانس أبو حمدان الجديد قبل أن تراه. في متحف مونش اللامع في أوسلو، يتسلل نغم ساكسفون خافت إلى الممر المفتوح في الطابق العاشر. المصدر موجود داخل القاعة رقم 10، فضاء غير تقليدي بسقف يصل ارتفاعه إلى نحو 28 قدماً وجدار مائل يعكس ميل المبنى المميّز. هنا أقام أبو حمدان معرضه السياسي الجديد «زفزفة»، الذي يستكشف كيف يمكن للصوت أن يكون معبّراً عن الاحتفال بالحياة وفي الوقت ذاته أداتَ تهجير وإزاحة.

المعرضد يتصدّر ثلاثي من الأعمال الفيديوية: الإسقاط الفردي المسحور Wind Ensemble (2024)، حيث يتردد صوت عازف ساكسفون جاولاني، عمرو مداح، من عرض فيديويّ معروض عبر شبكة مضخم صوت؛ يظهر فيه يعزف على شرفة منزل يبعد نحو 164 قدماً عن إحدى التوربينات المخططة. مقابله تقف أعمال Tilting at windmills i, ii & iii (2024)، ثلاث رسوم متحركة CGI قصيرة ومكررة تتخيّل تلوثاً صوتياً يحوم فوق الجولان كغيوم مطر. أما نجم العرض فهو فيلمٌ طويل مدته 45 دقيقة بعنوان Zifzafa: Livestream Audio Essay (2025)، يعرضه أربعة بروجيكتورات على الجدار الخلفي الواسع للقاعة.

في العمل طويل المدى، اعتمد أبو حمدان على صيغة فيديو الألعاب الشهيرة (video game walkthroughs) ليؤطر لعبته الإلكترونية التي أعاد من خلالها بناء المباني وأصوات الجولان المحتل والتوربينات المخططة. اللعبة مفتوحة المصدر ومتاحة على الإنترنت، وتتيح لأيّ شخص التجوّل في المنطقة وتجربة الأثر الصوتي لهذه المنشآت المستقبلية التي تطغى على أصوات الحياة الثقافية. بعض التوربينات ستقترب إلى مسافة تقارب 115 قدماً من المنازل، ما يجعل هذه المساحات عملاً غير صالحة للسكن عند تشغيلها.

يعتمد العمل على مصدرين صوتيين رئيسيين: تسجيلات لضجيج توربينات بحجم مماثل في جيلسدورف بألمانيا، سجّلها المهندس آدم لاشينجر، وساعات من تسجيلات ميدانية في الجولان أعدّها الملحن والفنان الصوتي المحلي بشر كنش أبو صالح. أثناء التجوال على الخريطة ستسمع، مثلاً، رجلاً على مكبرات صوت يدعو المارّين لحضور زفاف؛ عزف الناي والراعي إبراهيم زين؛ ونقر مضخات المياه المنتظمة. الصوت الذي ترك أثراً أعمق لدى أبو حمدان كان صوت الماء ذاته: لأن الدولة الإسرائيلية سلبت الوصول إلى مصادر المياه، بنى الجولانيون شبكة مستقلة من مواسير وبرك وخزانات ومضخات—نصرٌ صغير لكنه حيوي ضد الاحتلال العسكري. كما قال: الاستماع إلى هذه الأصوات ليس مجرد استماع إلى بيئة، بل استماع إلى أفعال مقاومة.

يقرأ  زيارة ترامب الرسمية الثانية إلى المملكة المتحدة مصحوبة بمظاهر البذخ الملكي واحتجاجات

بجانب التجربة البصرية والصوتية للتجوّل في الجولان، يعمل صندوق الدردشة الحي —ركن أساسي في عروض الألعاب— كمنبر لمونولوج متجول مُحمّل بالسياق يقدمه مستخدم يدعى “Earshot_”. يتنقّل الحوار بين وصفات حسّية («طرطقة التفاحة الجولانية وهي تسقط في السلة») ثم إلى شروحات عن قيود المياه أو خلفيات شركة Energix Renewables الإسرائيلية المسؤولة عن بناء التوربينات. مع تشغيل التوربينات تُضاف سلاسل من الأوصاف المشبعة—مثل «كأن شاحنة تمر فوق رأسك»—لتقريب التجربة السمعية المتوقعة للمستمع.

ليس كل عمل من الأعمال الثلاثة متساوٍ في التأثير؛ تركيب Wind Ensemble الفيزيائي يخلق تأثيراً مسحوراً، وإن بدا في كثير من جوانبه غير مقصود؛ قوام المِضخّم وظلمة الغرفة يضفيان على العازف مظهرًا كما لو كان مُسنّدًا بالماس. لكنّ الأعمال مجتمعة توفر مدخلاً حسيّاً قوياً إلى نضال شعوب الجولان المستمر ضد الاحتلال. مسار وصول أبو حمدان إلى المنطقة وإلى عرضه في مونش بدأ في 2019 حين مُنح جائزة إدفارد مونش للفن؛ ورغم أن الجائزة ضمنت له معرضاً منفرداً، أجلتْ أعمالُ البناء والجائحة العالمية الخطط إلى أن رقّ الزمن.

في غضون ذلك ترسّخ اسم الفنان الأردني المرشح لجائزة تُرنر كـ«الأذن الخاصة» بفضل تركيباته الغامرة وتحقيقاته الصوتية الجنائية في انتهاكات حقوق الإنسان والبيئة. في 2023 تواصل مركز المرصد العربي لحقوق الإنسان في الجولان مع منظمة أبيهشوت غير الربحية Earshot ليطلب محاكاة الاضطراب الصوتي الناتج عن التوربينات المقترحة. بالنسبة للجولانيين تمثّل هذه التوربينات فصلاً آخر في نضال طويل بدأ بعد مصادرة إسرائيل لثلثي أرضهم في حرب الأيام الستة عام 1967. في حين تزعم شركة Energix Renewables أن التوربينات ستشغل أقل من ميل واحد من المساحة، تُظهر أبحاث أبو حمدان أن بصمتها الصوتية أوسع بتسع مرات — أي ما يعادل تقريبًا ربع الأرض المتبقية لسكان الجولان اليوم.

يقرأ  جداريات ولوحات الفنان لوكا لِدَّا

عرض عمل ينتقد إسرائيل بهذا الصراحة في هذا التوقيت بالذات — في ظلّ تراجع التمويل وإلغاء الفعاليات في عالم الفن نتيجة إدانة الحرب الإباديّة ضد فلسطين — يشير إلى استمرارية خطٍّ برامجي في متحف مونش، وإن كان ذلك دون قصدٍ كامل. معرض فانيسا بيرد في نوفمبر الماضي، «Go Down With Me»، تناول جزئيًا معاناة الفلسطينيين عبر سجّادات بانورامية من الأرض إلى السقف تصوّر وحشية الحرب. وفي منتصف سبتمبر نال الجائزة السنوية لمتحف مونش الفنانة الفلسطينية المقيمة في نيويورك سامية حلّابي.

بالنسبة إلى كبيرة الأمناء الدكتورة تومينغا أودونيل، توقيت هذه الفعاليات مصادفة، لكنه يعكس كذلك التزامم واسعًا بتكريم حرية التعبير الفني. «هناك رقابة مباشرة وإلغاءات، بالطبع، لكن هناك أيضًا شكل داخلي من الرقابة الذاتية المتغوّلة، وهو أقرب ما يكون إلى الأخطر»، قالت لمجلة ARTnews. «وبصفتنا مؤسسة، لا يمكننا إلا أن نوفر منصة تكون آمنة قدر الإمكان في المناخ السياسي الراهن.»

منظر التركيب: «Lawrence Abu Hamdan: Zifzafa»، 2025، في متحف مونش، أوسلو.
الصورة: Ove Kvavik / Munchmuseet

مشروع «زفزافة» عُرض بأشكال أخرى في فضاءات مختلفة، لكن في هذا المكان بالذات يبدو كأنّه وجد بيته. وعلى الرغم من أن لعبة الفيديو الشاسعة التي قدمها أبو حمدان تشغل الحيز الفيزيائي الأكبر في المعرض، قد يبقى صوت ساكسофون مدار محمد أطول ما يلازمك بعد مغادرة المتحف. كما قال أبو حمدان عن النغمات الخافتة التي تنساب من القاعة: «أردت أن أساعد الناس على فهم أن هناك من تشكّل عالمهم الصوتيّ كُلّه بفعل ذلك المكان. إنها فعل احتفالي لتقرير المصير الصوتي، وهي في الوقت نفسه طقسي جنازي إلى حدٍّ ما لأننا نعلم أنّه سوف يضيع.»

أضف تعليق