«أضواء الشمال» — نحو جغرافيا جديدة للفن

معرض «أضواء الشمال» في متحف بوفالو AKG يقترح جغرافيا جديدة للفن تعتمد على المناطق الإيكولوجية لا على الحدود الوطنية. العرض، الذي عرض لأول مرة في مؤسسة بايلر في سويسرا، يجمع صوراً لغابات البوريل من الدول الإسكندنافية وكندا تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. المصطلح «بوريل» يشير إلى الشمال العالي حيث تنتشر هذه الغابات الصنوبرية أساساً؛ مناطق كثيفة وباردة ومظلمة بين نوفمبر ومارس، وتستلزم نوعاً من الفنان الشجاع الذي يظهر في أعمال المشاركين في المعرض بعلاقات فردية عميقة مع مناخ قاسٍ.

مقالات ذات صلة

الفنانة السويدية آنا بوبيرغ ارتدت زلاجات وفراء الفقمة وحامل لوحات محمول لتباشر الرسم في الهواء الطلق بجزر لوفوتن النرويجية. من النادر أن تتضمن المعارض مناظر للشفق القطبي، لكن دراساتها الصغيرة تلتقط هذا المشهد الخيالي بألوان زيتية مكثفة تشبه الجواهر. أما الفنان الكندي توم طومسون فكان يقوم برحلات رسم بقاربه، وحقيقة أنه غرق لاحقاً في ذلك القارب أضاف هالة أسطورية إلى صوره للطبيعة العظيمة والعدائية.

بزوغ فكرة المعرض يعود، بشكل لافت، إلى بوفالو قبل أكثر من مئة عام، حين عُرضت أعمال بوبيرغ وكم من فنانين آخرين بينهم إدفارد مونش في «معرض الفن الإسكندنافي المعاصر» في ما كان يسمى آنذاك معرض ألبرايت للفنون. اثنان من الفنانين الكنديين، لاورين هاريس وج. إ. هـ. ماكدونالد، سافرا لمشاهدتهما فتأثرا لدرجة أنهما أسسا حركة «مجموعة السابع» المكرسة لالتقاط مناظٍ تعبيرية للطبيعة على نحو مماثل. بجمع أعمال مجموعة السابع مع الفنانين الإسكندنافيين الذين ألهموهم، يكشف «أضواء الشمال» عن صلة لم تُدرَس بما يكفي ويعزّز سردية الفن الحديث المتجذرة في المشهد الطبيعي.

الغابات، رغم جمالها، تشكل موضوعاً معقداً للرسامين لأن كثافة الأشجار تحجب معظم المشهد. يتعامل الفنانون مع هذا التوتر بين السطح والعمق بطرق مختلفة: من مناظير هيلمي بيزي العلوية التي غالباً ما تفتح على مضيق، إلى تركيز طومسون على السطح التصويري الذي يحول فروع الأشجار المغطاة بالثلج إلى دانتيل في لوحة «ثلوج أكتوبر» (1916–1917). مونش، الذي يملأ غرفة بأطياف مناظره الزاهية ومقاطع لونية جريئة، اعتمد نهجاً مباشراً حين استخدم أشجار الصنوبر المقطوعة ليفتح مساحات في غابة محكمة، كما في «اللوح الأصفر» (1912). الأشجار المقطوعة والمجردة من لحائها تذكّر بوجود الإنسان في هذه المشاهد، ومع ذلك لا يعترف أي من الأعمال المعروضة بالسكان الأصليين الذين طالما عاشوا في البوريل.

يقرأ  دعوى قضائية جديدة تتحدى استيلاء ترامب على شرطة واشنطن العاصمةفي ظل تشديد الإجراءات

Anna Katarina Boberg: Northern Lights. Study from North Norway, n.d.
تصوير: Anna Danielsson/Nationalmuseum

أحد التوترات في «أضواء الشمال» هو العلاقة بين التجربة الفردية والقوى الاجتماعية والتاريخية الأوسع، بما في ذلك صعود القوميات في دول نالت استقلالها حديثاً أو كانت تكافح من أجله. يمكن أن توفر الطبيعة مصدراً غنياً ومرناً للهوية الوطنية، وتحولت هذه اللوحات غالباً إلى أيقونات وطنية وظهرت على طوابع بريدية ونادراً ما غادرت أوطانها. شارك بعض الفنانون في تأطير الطبيعة كجزء من مشروعات تأسيس الهوية الوطنية، مثل أكسيلي غالين-كالّيلا الذي وُلد باسم أكسل فالديمار غالن في الإمبراطورية الروسية ثم عدّل اسمه ودعا إلى الاستقلال الفنلندي الذي تحقق عام 1917.

كان هذا التوتر واضحاً بالفعل في معرض 1913؛ ففي مقدمة كاتالوج المعرض السابق وصف الناقد الفني كريستيان برينتون الصراع بين العالمية والقومية بأنه «ظل دائماً يُخاض عبر العصور». وحتى اليوم، يظل الرغبة في تصوير طبيعة إسكندنافية موحَّدة في صراع مع قوى سياسية معاصرة: أكبر مساحة من غابات البوريل توجد في روسيا، ومع ذلك لا تتضمن نسخة «أضواء الشمال» أعمالاً روسية. (نسخة مؤسسة بايلر شملت عملاً روسياً واحداً، واعترف القيم أولف كوستر في الكاتالوج أن الوضع السياسي أثر على إدراج مزيد من اللوحات الروسية.)

باعتبارها أكبر البيومات الأرضية في العالم، تمثل غابات البوريل مصدراً مهماً لامتصاص الكربون، والتوحّد حولها هدف نبيل. وتكمن قيمة هذه الأعمال في تصويرها للغابة كمكان حيوي وديناميكي: قارس ورياحه عاتية، لكنه أيضاً رائع الجمال ومفعم بالحياة لمن يعرف كيف ينظر. مثال بارز لوحة لغلبةة ثلجية لغالين-كالّيلا تبدو ناعمة وساكنة حتى تطالعك عنوانها «مخبأ الوشق» (1908)، فتدرك أن ما يكمن خارج المجال البصري قد يكون حاضراً بقوة. ينقل العمل، من خلال الإحساس بالحضور الخفي للقطة الجبلية، لمحة مقشعرّة عما هو مهدد في البوريل القاسي والهش في آن واحد.

يقرأ  رجل من ليفربول متهم بدهس موكب كرة قدم بسيارته يواجه تهمًا جديدة

أضف تعليق