تحليل — كيف يعيد حزب الله في لبنان تجميع صفوفه بعد الحرب مع إسرائيل؟ إسرائيل تشنّ هجمات على لبنان

عام على اغتيال حسن نصرالله على يد اسرائيل، وتشير تقارير إلى أن حزب الله، الجماعة اللبنانية التي كان يقودها، بصدد إعادة ترتيب صفوفه.

يرى محلّلون أن حزب الله، على الرغم من احتراق كثير من نجمه وإضعاف قدراته، لم يعد قادراً على تشكيل تهديد إستراتيجي كبير لإسرائيل، لكنه لا يزال قادراً على إشاعة الفوضى وإثارة صراعات داخلية بينما يحاول التمركز سياسياً للحفاظ على تأثيره.

تحت عنوان القوة غير الحكومية الأقوى في المنطقة لسنوات، شهد الحزب تراجعاً ملحوظاً خلال العام الماضي، بلغ ذروته بدعوات دولية ومحلية لتفكيكه وتسليمه سلاحه بالكامل. ويحذّر محلّلون من أن التعاطي المتهور مع مطلب نزع سلاحه قد يدفعه إلى ردة فعل عنيفة تخلق اضطراباً داخلياً يفوق أثر الضغوط الخارجية والإقليمية.

على الصعيد الخطابي، لا يزال خطاب حزب الله متحدياً؛ وقد جدّد نعيـم قاسم، الرجل الثاني في القيادة، يوم السبت أمام آلاف المشيّعين الذين احتشدوا عند قبر نصرالله لذكرى اغتياله، العزم على رفض أي جهود حكومية لتسليحاته أو نزع سلاحه. وقال مخاطباً الحشود: «لن نتخلى عن سلاحنا ولن نتنازل عنه»، مؤكداً أن الحزب سيواصل «مواجهة أي مشروع يخدم إسرائيل».

لا إجراءات فورية

بدأ التبادل العسكري بين حزب الله وإسرائيل في 8 أكتوبر 2023، تلا ذلك تصعيد إسرائیلي على قطاع غزة، واستمر التصادم حتى سبتمبر 2024 حين أدى تصعيد عسكري إسرائيلي وغزو لاحق إلى مقتل نحو أربعة آلاف شخص في لبنان وإصابة الآلاف ونزوح مئات الآلاف. وبحلول إعلان وقف النار في 27 نوفمبر، كانت قيادة الحزب العسكرية العليا، بما فيها نصرالله، قد تعرضت لخسائر فادحة بسبب العمليات الإسرائيلية.

كانت بنود وقف النار غامضة وفق مصادر دبلوماسية مطلعة، لكن الفهم العام تَوجّه إلى أن الطرفين سيكفان عن الهجمات، وأن حزب الله سيُنزع سلاحه في جنوب لبنان وأن إسرائيل ستنسحب من النقاط الجنوبية. سرعان ما طالبت إسرائيل والولايات المتحدة بنزع سلاح الحزب بالكامل.

مع شعور الخصوم المحليين والإقليميين بضعف الحزب، تصاعدت الدعوات المحلية لأن يتخلى عن سلاحه، وهاجر كثير من حلفائه المحليين إلى موقف داعم للتسليم الكامل بالسلاح. وفي 5 سبتمبر، أعلنت الحكومة اللبنانية تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية تكليف الجيش اللبناني بوضع خطة لنزع سلاح حزب الله.

وفي المقابل استمرت إسرائيل في انتهاك وقف النار بقصف جنوب لبنان، وفق تقارير متكررة؛ وقالت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) إن إسرائيل تُرتكب «انتهاكات متواصلة للاتفاق، بما في ذلك ضربات جوية وطائرات مسيرة على الأراضي اللبنانية».

يقرأ  تعرض يهود لِرَشّ الطِّلاء أثناء اشتباك في مخيّم احتجاج بألمانيا

وعلى الرغم من التكهنات الإعلامية، خصوصاً في وسائل إعلام معادية للحزب، بأن الأخير يعيد تجميع قواه في الجنوب، لم يعلن حزب الله سوى عن عملية واحدة منذ إعلان وقف النار في نوفمبر. ويقول محلّلون إن الحزب لم يعد في وضع يمكنه من تهديد إسرائيل بصورة فعّالة، ما يعني أن أي قرار إسرائيلي بتوسيع هجمات في لبنان قد يُفسَّر بمعطيات تتجاوز قدرات الحزب الحالية.

من جهته يؤكد حزب الله وأنصاره أن تهديدات إسرائيل وانتهاكاتها المستمرة واحتلالها لنقاط على الأراضي اللبنانية تبرّر حاجة «المقاومة» للحفاظ على السلاح والردع. وكتب علي حيدر،columnist في صحيفة الأَخبار الموالية للحزب، أنّ «استمرار وجود تهديد حقيقي يبرر الحفاظ على قدرات الردع والدفاع، لأن الردع ليس حدثاً لمرة واحدة بل عملية تراكمية تتطلب بنية قوة مستقرة ومتكاملة داخل سياق سياسي أوسع».

حاولت الجزيرة التواصل مع حزب الله للتعليق لكنها لم تتلق رداً قبل النشر.

ما معنى «إعادة التجميع»؟

يقول المحلل اللبناني مايكل يونغ: «لا توجد قوة عسكرية أو سياسة — بل حتى قوات مسلحة — لا تعيد ترتيب صفوفها بعد هزيمة كبرى كما حصل مع [حزب الله] العام الماضي». وأضاف: «لكن هل هم في وضع يسمح لهم بقصف شمال إسرائيل بالصواريخ على طول الحدود؟ لا. هل بإمكانهم إطلاق صواريخ على بلدات ومدن داخل إسرائيل؟ لا». فماذا يعني إذن «إعادة التجميع»؟

يشرح عالم السياسة اللبناني عماد سلامة للجزيرة أن «حزب الله تضرر بشدة: خسائر في القيادة، اختراقات في الاتصالات، ودمار في آليات القيادة والتحكم كانت حقيقية. سيحاولون التعافي، لكن المسار المرجح هو حزب الله أصغر حجماً، أرخص، وأكثر مرونة». ويضيف سلامة أن «التقارير الإسرائيلية نفسها تلاحظ الضرر ومحاولات الحزب لإعادة التشكّل عبر التهريب والإنتاج الذاتي تحت ضغط استخباري شديد، ما يوحي بأن أي انتعاش سيكون جزئياً وتكتيكياً لا هيكلياً في المدى القريب».

في أوائل ديسمبر، أدى سقوط نظام الحليف الرئيس بشار الأسد في سوريا إلى ضربة جديدة للحزب، إذ قطع مساراً برّياً مباشراً للأسلحة والتمويل من إيران إلى لبنان. ومع ذلك، حاول الحزب خلال الفترة التالية استثمار ما تبقّى له من نفوذ عبر الدبلوماسية، حتى بإرسال إشارات إلى خصومه التقليديين مثل السعودية.

يقرأ  المبعوث الأمريكي: لبنان سيعرض في الأيام المقبلة خطة لنزع سلاح حزب الله — تجدد الهجمات الإسرائيلية على لبنان

قال قاسم في خطاب بتاريخ 19 سبتمبر: «نؤكد أن سلاح المقاومة موجه إلى العدو الإسرائيلي، لا لبنان ولا السعودية ولا أي جهة أخرى في العالم». وتعد هذه الرسالة إلى الرياض، التي مولت سابقاً خصوم حزب الله في لبنان، مؤشراً على تحول في استراتيجية الحزب، بحسب محلّلين.

وتابع يونغ: «هناك تلميح بأنهم يشعرون بأن بإمكانهم التعامل سياسياً. قد يشعرون أنهم لا يحتاجون إلى اللجوء إلى القوة والسلاح إذا أمكنهم أن يجنوا مكاسب أكبر عبر النظام السياسي». ويعكس ذلك واقعاً سياسياً جديداً في لبنان والمنطقة، حيث تصاعدت قوة إسرائيل والولايات المتحدة فيما تراجع موقع إيران الحليف الوثيق لحزب الله.

يرى المحلل السياسي كريم إميل بيطار للجزيرة أن «حزب الله بدأ يدرك أنه محاصر». قبل الحرب كان للحزب قدرة فعلية على صنع وكسر الحكومات، لكن انتخاب الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في أوائل 2025 حصل رغم أنهما لم يكونا خيار حزب الله المفضل. ومع ذلك بدا الحزب إما غير راغب أو غير قادر على عرقلة تشكيل حكومة سلام. قال محلّلون إن الجماعة بحاجة ماسة إلى مساعدات أجنبية يمكن للحكومه أن تؤمنها للمساهمة في إعادة إعمار دوائرها الانتخابية التي تضررت جراء الهجمات الإسرائيلية.

لكنّ هذه الأموال لم ترد بعد، وسط خلاف إقليمي وداخلي حول ما إذا كان ينبغي للحكومة أن تتسلم تمويل إعادة الإعمار قبل تنفيذ نزع سلاح حزب الله وإجراء إصلاحات مصرفية وسياسية أخرى.

أخبر محلّلون ودبلوماسيون الجزيرةَ أن حزب الله لا يزال قادراً على تصعيد التوتر، لكنه تجنّب إشعال فتائل التوترات بفضل ارتفاع الدعم للدولة اللبنانية، إضافة إلى إرهاق وصدماتٍ يعاني منها عناصر وأنصار الحزب نتيجة الحرب الماضية والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على لبنان.

مع ذلك، توافد مؤيدو حزب الله الخميس إلى ساحل بيروت لإحياء ذكرى نصرالله؛ عُرضت صورة زعيمهم الراحل على صخور الروشة، مخترقين تعليمات مكتب رئيس الحكومة التي حظرت ذلك. رآى أنصار الحزب في الحدث تعبيراً عن الوفاء والمحبة، بينما اعتبره خصومه استفزازاً. غير أن الجماعة، التي هددت في الماضي باستخدام العنف لتحقيق أهدافها، تجنّبت في العموم الاستفزازات منذ الحرب، باستثناء محاولات متفرقة لقطع الطرق أعاد الجيش اللبناني فتحها سريعاً.

إذا كانت حزب الله يسعى لإعادة تموضع عسكري، قال دبلوماسي غربي رفيع الإطلاع إن ذلك سيكون أكثر احتمالاً في سهل البقاع منه في الجنوب، حيث أثبتت آلية وقف النار فاعلية نسبية في الإشراف على انسحاب الحزب.

يقرأ  كيف تُنقَل كنيسة سويدية محبوبة على طول الطريق؟بالدعاء والهندسة... وقليل من يوروفيجن

يبدو أن الجماعة تغير استراتيجيتها السياسية، بحسب قول يونغ، مضيفاً أن حزب الله، بتوجيهات من إيران، قد يبحث في نهاية المطاف عن تنازلات محددة. أشار إلى مقترحات قدّمها برلمانيان حزبيان حليفا الحزب، علي حسن خليل وعلي فقيه (فَياض)، في لجانهما الفرعية حول تطبيق اتفاق الطائف لعام 1989—الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية وفرض تسليم كافة الميليشيات أسلحتها وتنقّل لبنان نحو نظام سلطويٍ أقل طائفية.

وضع يونغ الفكرة بصورة واضحة: «المحصلة الضمنية لديهم أن: إن طُبّق الطائف بكامله، فذلك قد يمنحهم دوراً أوسع وتمثيلاً أفضل، ثم يمكن حينها التباحث بشأن السلاح.»

هل حان وقت رحيل حزب الله؟
مع تزايد الضغوط لنزع سلاح حزب الله، يخشى محلّلون ودبلوماسيون من أن أي ضغط مفرط قد يدفع الجماعة إلى الرد بعنف. أعلنت الولايات المتحدة حزمة مساعدات قيمتها 14.2 مليون دولار للجيش اللبناني لمساعدته في مهمة نزع سلاح الحزب، وزادت زيارات مسؤولين أميركيين—من ضمنهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ونائبة المبعوث الخاص مورغان أورتيغاس، والمبعوث الخاص توم باراك—من وتيرة الضغوط على لبنان. وقال غراهام خلال زيارته في أواخر أغسطس: «لقد حان وقت رحيل حزب الله».

لكن الجيش اللبناني رفض تحديد جدول زمني صارم لنزع السلاح، خشية أن يؤدي الجو المتّشح في البلاد إلى انفجار عنيف. وقد شارك المبعوث الخاص توم باراك في وفد أميركي يمارس ضغوطاً على لبنان من هذا المنطلق.

وقد قوبلت أنباء المساعدات الأميركية بسخط في أجزاء من لبنان، حيث تُعتبر جزءاً من محاولاتٍ أميركية لاستعمال الجيش اللبناني لتنفيذ مصالح إسرائيل. وقال رئيس البرلمان النائب نبيه برّي، الحليف لحزب الله، في بيان: «لن يكون [الجيش اللبناني] أبداً حرس حدود لإسرائيل. سلاحه ليس سلاحَ خلاف، ومهمته مقدسة: حماية لبنان والشعب اللبناني.»

ويخشى الدبلوماسيون والمحلّلون من أن مواجهة محتملة بين الجيش وحزب الله قد تؤدي إلى صراعٍ داخلي وانقسام الجيش على أسس طائفية—مشهدٌ يذكّر بالايّام الأولى للحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990). «نزع السلاح بالقوة هو أسوأ خيار ممكن، لكن هذا بالضبط ما تضغط به الولايات المتحدة بصورة متزايدة على الحكومة اللبنانية لحله،» قال يونغ للجزيرة. وأضاف: «الجيش اللبناني غير مستعد لحلّ المسألة باستخدام القوة، لأنه لا يريد أن يُدفع إلى صراع مع حزب الله.»

أضف تعليق