الجنرلا رودزاني مافوانيا، رئيس هيئة جيش جنوب إفريقيا، يواجه ردود فعل عنيفة داخل بلاده بعد بث ما يُزعم أنّه تصريحات أدلى بها خلال زيارة رسمية لإيران، اعتبر محلّلون أنّها قد تعقد أكثر العلاقات المتقلبة أصلاً بين بريتوريا وواشنطن.
ماذا قال قائد الجيش في إيران؟
اجتمع مافوانيا مع نظيره الإيراني، اللواء سيد عبد الرحيم موسوي، في طهران الثلاثاء، ونقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عنه تأكيده قرب العلاقات بين البلدين. وقالت تقارير إن مافوانيا استشهد بالدعم التاريخي الذي قدمته إيران لحركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأضاف أنّ هذه الروابط أسست علاقة متينة بين البلدين. ونقلت صحيفة طهران تايمز عنه قوله: «جمهورية جنوب إفريقيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية تتقاسم أهدافاً مشتركة. نحن دائماً إلى جانب المستضعفين والعزل في العالم».
كما أدان، بحسب التقارير، «قصف إسرائيل لمدنيين يقفون في طوابير للحصول على الغذاء» و«العدوان المستمر في الضفة الغربية المحتلة». وذكرت الصحافة الإيرانية أنّ الزيارة «تحمل رسالة سياسية» وأنها جاءت «في أفضل توقيت ممكن للتعبير عن مشاعرنا الصادقة تجاه شعب إيران المحب للسلام».
من جانبه، اشاد الجنرال موسوي بمقاضاة جنوب إفريقيا لإسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، وقال إن المساعي تتوافق مع سياسات طهران. كما دان موسوي الإجراءات العسكرية والاقتصادية الأميركية والإسرائيلية ضد إيران واصفاً إياها بأنها «انتهاكات للقوانين والمعايير الدولية»، وأضاف أن الجيش الإيراني مستعد «لرد حاسم أكثر في حال تكررت أي عدوان».
كيف ردت الحكومة الجنوب أفريقية؟
مكتب الرئيس سيريل رامافوزا أوضح يوم الخميس أن الرئيس لم يكن على علم بزيارة مافوانيا لإيران، مع أن مثل هذه الزيارات عادة ما تُوافق عليها وزارة الدفاع وليس مكتب الرئاسة. رامافوزا كان عيّن مافوانيا قيادياً للجيش في 2021؛ والجنرال خدم ضمن جناح الجيش لحركة المؤتمر الوطني الإفريقي خلال حقبة النضال ضد الفصل العنصري.
في إفادة صحفية وصف المتحدث باسم الرئاسة، فنسنت ماجوينيا، الزيارة بأنها جاءت في توقيت سيئ وقال: «في هذه الفترة من التوتر الجيوسياسي المتصاعد والنزاع في الشرق الأوسط، يمكن القول إن الزيارة لم تكن موفقة، وكان يجب أن يتحلى القائد بدرجة أكبر من الحذر في تصريحاته». وأضاف أن البلد في «عملية حساسة لإعادة ضبط العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة، والأهم من ذلك الموازنة في علاقة التجارة بطريقة تجعلها مفيدة للطرفين».
وزارة الخارجية ووزارة الدفاع فصلتا موقف الحكومة عن التصريحات منسوبة لقائد الجيش. وذكرت وزارة الدفاع أن «من المؤسف أن تُدلى تصريحات سياسية وسياساتية على ما نُقل… وزيرة الدفاع وشؤون المحاربين القدامى، ماتسي أنجلينا موتشيكا، ستلتقي بالجنرال مافوانيا عند عودته».
ردود أحزاب وسياسية
حزب التحالف الديمقراطي، أحد أحزاب ائتلاف الحكم، طالب بمحاكمة قائد الجيش أمام محكمة عسكرية بتهم «سلوك جسيم وانتهاك صارخ لقواعد سلوك قوات الدفاع الوطني الجنوب إفريقية». وذكر الحزب أنّ التصريحات المنقولة عن مافوانيا تتجاوز ولايته الدستورية والمهنية، وأن مثل هذه المواقف السياسية محظورة صراحة على الضباط القائمين بالخدمة لأنها تنتهك حياد الجيش سياسياً وتقوض مبدأ السيطرة المدنية على السلاح.
خلفية التوترات والعلاقات مع الولايات المتحدة
العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا تمر بأسوأ حالاتها منذ عقود، وذلك في وقت حساس، خصوصاً بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وائتلاف الولايات المتحدة وإسرائيل في يونيو. في أبريل فرض الرئيس دونالد ترامب رسوماً جمركية بنسبة 30% على واردات جنوب إفريقيا إلى الولايات المتحدة، ما أثار قلق رجال الأعمال في بريتوريا إذ إن الولايات المتحدة تمثل سوقاً رئيسية لصادرات جنوب إفريقيا من سيارات ومعادن ثمينة ونبيذ.
من نقاط الخلاف الرئيسية لدى ترامب: رفع جنوب إفريقيا قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية على خلفية الحرب في غزة، واتهام جنوب إفريقيا بتقوية علاقاتها مع إيران. كما روّج ترامب ادعاءات غير صحيحة عن اضطهاد البيض في جنوب إفريقيا وتزعم أن البلاد تقوم بمصادرة أراضٍ تعود لمالكين بيض، وهي مزاعم نفتها السلطات وكانت موضع نقاش واسع.
الخلفية الاجتماعية والاقتصادية
البيض في جنوب إفريقيا يمثلون أقلية ثرية غالباً ما ينحدرون من مستوطنين هولنديين سابقين، وحكمت حكومات الأفريكانر البلاد عبر نظام الفصل العنصري حتى التسعينيات. ولا تزال الثروات، لا سيما الأراضي، موزعة بشكل غير متناسب لصالح السكان البيض، ما يضيف بعداً اقتصادياً واجتماعياً إلى أي نقاش سياسي أو دبلوماسي يتعلق بالبلاد. في الآونة الأخيرة برزت جماعات هامشية متطرفة من الأفريكانرز تزعم أن البيض يتعرضون لاستهداف من قِبل السود، مستشهدة بحوادث اعتداءات على مزارعين بيض داخل ممتلكاتهم الزراعية.
كما طرح إيلون ماسك — الذي كان من مستشاري ترامب قبل تباعد العلني بينهما في يونيو الماضي — رواية اضطهاد ضد البيض وزعم أن قوانين الأعمال في جنوب أفريقيا تعرقل قدرة شركته للإنترنت على العمل في البلاد. كان يقصد بذلك متطلبات تشترط امتلاكًا جزئيًا للأعمال الأجنبية من قِبل مواطنين سود أو مجموعات تاريخيًا محرومة، مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. ونفت حكومة جنوب أفريقيا هذه الاتهامات.
في أوائل مايو اعترفت إدارة ترامب بإعادة توطين 59 شخصًا وصفوا بأنهم «لاجئون» بيض في إطار برنامج يهدف لحمايتهم. ولاحقًا كانت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق جو بايدن، في خلاف مع جنوب أفريقيا بسبب علاقاتها الوثيقة مع روسيا وانتقادها العلني لإسرائيل.
تتردد صدى هذه الملابسات إلى فضيحة عام 2022 عندما رست سفينة شحن روسية خاضعة لعقوبات تُدعى «ليدي آر» في قاعدة سيمونز تاون البحرية بمقاطعة الوست كيف، حيث زعمت واشنطن حينئذ أن إمدادات عسكرية جنوب أفريقية أُحملت على متنها واُستخدمت في الحرب بأوكرانيا، وهو ما نفته حكومة البلاد. وأشار المحلل كريس فاندوم من تشاتام هاوس إلى أن غياب وضوح وثبات في تشكيل السياسة الخارجية الجنوب أفريقية هو ما أوجد هذا الالتباس بأن تصريحات شخصيات معينة تُعامل وكأنها مرآة لروح الأمة.
التقاء في البيت الأبيض — 21 مايو 2025
التقى الرئيس دونالد ترامب بالرئيس سيريل رامافوزا في المكتب البيضاوي في 21 مايو 2025 في محاولة من رامافوزا لإعادة ضبط العلاقات والسعي للحصول على تخفيضات جمركية.
في ذلك الاجتماع الحاد، رفض ترامب التراجع عن مزاعم اضطهاد البيض، رغم تأكيد رامافوزا أن جنوب أفريقيا تواجه موجة واسعة من الجريمة على نحو عام، وأنه لا توجد أدلة تشير إلى استهداف خاص للبيض. عرضت الوفد الجنوب أفريقي خلال المباحثات شراء الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة واستثمار 3.3 مليار دولار في صناعات أميركية مقابل خفض الرسوم الجمركية، واتُفق أيضًا على مراجعة قوانين ملكية الأعمال. ومع ذلك دخلت تعريفات جمركية بنسبة 30% أقرتها إدارة ترامب حيز التنفيذ الأسبوع الماضي؛ ويقول محللون إنها قد تعرض حتى 30 ألف وظيفة جنوب أفريقية للخطر، خصوصًا في قطاعات التصنيع والزراعة.
تعهدت حكومة رامافوزا باتخاذ خطوات إضافية لتخفيف العبء عن المصنعين والمصدرين، وأبلغ وزير التجارة باركس تاو الصحفيين أن جنوب أفريقيا قدمت اقتراحًا منقحًا إلى واشنطن دون الإفصاح عن تفاصيله.
التصريحات العسكرية وتبعاتها
أطلق قائد قوات الدفاع تصريحات هذا الأسبوع اعتبرها محللون أنها «لم تكن لتأتي في توقيت أسوأ» بالنسبة للعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، بحسب ما قال محلل الأمن ياكي سيليرز في حديث للتلفزيون الرسمي الجنوب أفريقي (SABC). وأضاف سيليرز أن تصريح القائد العام للقوات المسلحة بهذه الصراحة في هذا التوقيت حساس سياسيًا بشكل بالغ، وأنه قد يُطلَب من الجنرال مافهنيا الاستقالة عند عودته.
ماذا قال الجنرال مافهنيا؟
أكدت الرئاسة أن الجنرال قد عاد إلى البلاد لكنه لم يُصدر بيانات علنية حول الجدل الدائر، ولا تزال سبل مساءلته أو فرض عقوبات محتملة ضده غير واضحة. وأفادت الرئاسة أن الرئيس رامافوزا سيجتمع بقائد الجيش لاستلام إحاطات خلال الأسابيع المقبلة.