نتائج انتخابات مولدوفا: من انتصر وهل لعب الشتات دوراً؟

حزب الحكم المؤيّد للغرب يفوز بأغلبية مريحة في انتخابات مولدوفا المشحونة

أظهرت النتائج الجزئية، التي جُمعت من أكثر من 99% من مراكز الاقتراع حتى ظهر يوم الاثنين، فوز حزب العمل والتضامن (PAS) بأغلبية واضحة، متقدّماً بفارق كبير على الأحزاب المؤيدة لروسيا، في انتخابات اتسمت بتقارير عن محاولات عنف لتعطيل التصويت وادعاءات بتدخّل روسي.

خلاصة النتائج
– شارك نحو 1.6 مليون ناخب في الاقتراع، أي ما يعادل حوالي 52.2% من الناخبين المسجّلين، نسبة أعلى من دورات سابقة.
– حصل حزب PAS بقيادة رئيس برلمان مولدوفا إيغور غروسو على 50.16% من الأصوات، ما منحَه حوالى 55 مقعداً من أصل 101، وفقاً لهيئة الانتخابات، وهو ما يُترجَم إلى حكومة أغلبية مريحة.
– سيبقى دورين ريتشيان، رئيس الوزراء المعين من قبل مايا ساندو في فبراير 2023، المتوقع أن يستمر في منصبه.
– تحالف الكتلة الانتخابية الوطنية (BEP) المؤيدة لروسيا، بزعامة الرئيس السابق إيغور دودون، حلّ ثانياً بنسبة 24.19% وحصل على 26 مقعداً. وحُظر حزبان ضمن التحالف — «قلب مولدوفا» و«مولدوفا الكبرى» — من المشاركة على خلفية اتهامات بتمويل غير قانوني وعمليات شراء أصوات.
– حلّت «الحزب البديل» المؤيدة أيضاً لأوروبا في المركز الثالث بنسبة 7.97% ونالت 8 مقاعد.
– فازت حركتا «حزبنا» الشعبوية و«الديمقراطية في الوطن» المحافظة بنحو 6% و5% على التوالي، ما أكسب كلّاً منهما 6 مقاعد ودخول البرلمان للمرة الأولى.

خلفية جيوسياسية وأهمية الاقتراع
تقع مولدوفا بين أوكرانيا ورومانيا، وهي إحدى أفقر دول أوروبا، وكانت جزءاً من الجمهورية السوفييتية حتى 1991. الإقليم الانفصالي شبه المستقل، ترانسنيستريا، الممتد على طول حدود أوكرانيا، ظل تاريخياً موالياً لروسيا. تواجد نحو 1,500 جندي روسي في هناك، وقد طالبت سلطات الإقليم مراراً بالانضمام إلى روسيا.

في ظل هذه الخلفية، تحوّلت مولدوفا في السنوات الأخيرة إلى ساحة تنافس نفوذ بين موسكو والغرب. اعتبرت رئيسة الدولة ومؤسسة PAS مايا ساندو أن هذه الانتخابات «الأكثر تأثيراً» في تاريخ البلاد، في خطاب ألقته أمام البرلمان الأوروبي قبل أيام من الاقتراع.

القضايا المحورية
كان انضمام مولدوفا إلى الأتحاد الأوروبي القضية المركزية في الحملة الانتخابية. تقدّمت مولدوفا بطلب لعضوية الاتحاد في أوائل 2022 بعد غزو روسيا لأوكرانيا. منحتها بروكسل صفة الدولة المرشحة في يوليو 2022 مع شرط تنفيذ إصلاحات في الديمقراطية وحقوق الأقليات وسيادة القانون. تراهن قيادة PAS على دخول الاتحاد الأوروبي كضمان أمني واقتصادي، على غرار جارتها رومانيا العضو في الاتحاد وحلف الناتو.

يقرأ  رودي جولياني، المحامي الشخصي السابق لدونالد ترامب، يصاب في حادث سيارة — أخبار دونالد ترامب

التهديدات والتدخّل المزعوم
على مدار الحملة، اتهمت السلطات مولدوفا روسيا بشن «حرب هجينة» تشمل عمليات خارجية ورقمية لدعم الأحزاب المؤيدة لموسكو. تتضمن الاتهامات حملات شراء أصوات واسعة النطاق، وشن هجمات إلكترونية على شبكات حكومية، وتمويلاً غير مشروع للأحزاب. كما شهدت الفترة قبيل الاقتراع تهديدات بعنف، واعتقال ثلاثة أشخاص على الأقل داخل البلاد، إضافة إلى إنذارات بقنابل وردت في مراكز اقتراع بالخارج.

دور الشتات والمشهد الإعلامي
لعبت الجالية المولدوفية في الخارج دوراً حاسماً في تعزيز فوز القوى المؤيدة لأوروبا. كما طغت منصات التواصل الرقمي، بما في ذلك تيك توك، على الحملات السياسية في محاولة لاستقطاب الشباب الذين يشكّلون نحو ربع السكان. ورصد باحثون ومنصات رصد المحتوى على الإنترنت في الأشهر التي سبقت الاقتراع فيضاً من المعلومات المضللة والدعايات التي سعت لتشويه صورة PAS وزرع الشكوك بشأن الأتحاد الأوروبي.

خلاصة
على الرغم من الضغوط والاتهامات بالتدخّل ومحاولات التخويف، حافظت القيادة المؤيدة لأوروبا في مولدوفا على مسارها نحو التكامل الأوروبي بتأييد شعبي كافٍ للحكم بأغلبية مريحة، فيما تظل البلاد حاضرة في صراع أكبر بين النفوذ الروسي والغربي، مع استمرار التحديات الأمنية والسياسية داخلياً وإقليمياً. حملات إلكترونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي

وجد الباحثون أن هذه الحملات كانت مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث نشطت بوتات في أقسام التعليقات على مواقع التواصل وظهرت مواقع مزيفة تنشر محتوى مولَّداً آلياً يستهين بالاتحاد الأوروبي ويهاجمه.

محاولات التأثير والرشاوى

قال أستاذ الأمن الدولي ستيفان وولف من جامعة برمنغهام لقناة الجزيرة إن روسيا سعت بالفعل للتأثير على انتخابات الأحد لاستعادة نفوذها على مولدوفا. وأضاف أنه لا شك تقريباً — وهناك أدلة مقنعة — أن روسيا قامت بأمرين أساسيين: محاولة رشوة مواطنين مولدوفيين نقداً للتصويت لأحزاب مناوئة لأوروبا، وتشغيل حملات ضخمة من التضليل حول معنى الخيار المؤيد لأوروبا.

يقرأ  الشرطة الأسترالية تطارد مطلق النار بعد مقتل شرطيين في بلدة ريفية

محاولات تشويه وقيود النفوذ

أوضح وولف أيضاً أن روسيا حاولت «تشويه» سمعة الرئيسة ساندو ومرشحي حزب التحالف من أجل الاستمرارية (PAS). «كانت حقاً عملية روسية ضخمة، لكنها تُظهِر في الوقت نفسه حدود ما يمكن لروسيا أن تفرضه من نفوذ في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي»، قال وولف.

إجراءات المنصات الرقمية

أعلنت غوغل في بيان صحفي الأسبوع الماضي أنها رصدت حملات منسقة استهدفت الانتخابات المولدوفية على يوتيوب. «قمنا بإيقاف أكثر من ألف قناة منذ يونيو 2024 لضلوعها في عمليات تأثير منسقة تستهدف مولدوفا».

احتجازات وتخطيط للشغب

أفادت الشرطة المولدوفية بأن شقيقين ورجل ثالث اعتُقلوا في كيشيناو للاشتباه بتخطيطهم لشغب خلال يوم الاقتراع، وعُثر بحوزتهم على مواد قابلة للاشتعال. وفي الأسبوع السابق، اعتقلت الشرطة 74 شخصاً خلال 250 مداهمة لمجموعات يُزعم ارتباطها بخطط روسية لإشاعة الفوضى أثناء التصويت؛ وقالت السلطات إن المشتبه بهم الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و49 عاماً «سافروا بشكل منهجي» إلى صربيا حيث تلقوا تدريباً على الإخلال والنزع للاستقرار.

تصويت المغتربين ومخاوف أمنية

بلغ نصيب المهاجرين المولدوفيين نحو 17.5% من الأصوات — أي حوالي 288 ألف صوت — غالبيتهم في أوروبا والولايات المتحدة. وردت تقارير عن إنذارات بوجود قنابل في مراكز اقتراع بإيطاليا ورومانيا وإسبانيا والولايات المتحدة، كما سُجلت حالات مماثلة في بعض مراكز الاقتراع داخل مولدوفا، ولم تفصح لجنة الانتخابات عن تفاصيل كيفية تصويت المغتربين.

التحديات في ترانسنيستريا

واجه الناخبون في جيب ترانسنيستريا — حيث يحمل كثيرون جنسية مزدوجة مع روسيا — عقبات لوجستية واضطروا إلى السفر إلى مراكز اقتراع تبعد نحو 20 كم خارج الإقليم، فيما لوحظت طوابير طويلة من السيارات عند نقاط التفتيش المولدوفية صباح الأحد. وأبلغ بعض الناخبين الموالين لروسيا أنهم أُعيدوا بين مراكز الاقتراع بسبب إنذارات بوجود قنابل.

ردود فعل حزب PAS والقيادات

في مقر حزب PAS في كيشيناو بعد فوز الحزب، كرر زعيمه غروسو الاتهامات الموجَّهة إلى روسيا: «ليس PAS وحده من فاز بهذه الانتخابات، بل الشعب هو الذي فاز». وأضاف أن «الاتحاد الروسي ألقى في المعركة بكل ما يملك من قبح — جبال من المال، وجبال من الأكاذيب، وجبال من الانتهاكات. استعمل مجرمين لتحويل بلدنا إلى ملاذ للجريمة، وملأ كل شيء بالكراهية».

يقرأ  إضراب مضيفي «إير كندا» المستمريترك المسافرين عالقين

كما قال رئيس الوزراء دورين ريتشيان إن المولدوفيين أظهروا أن حريتهم لا تُقدّر بثمن ولا يمكن شراؤها أو التأثير عليها بدعاية روسيا وترهيبها. واعتبر ريتشيان أن «هذا انتصار كبير للشعب المولدوفي، بالنظر إلى الحرب الهجينة الشاملة التي شنتها روسيا في مولدوفا»، مؤكداً أن المهمة الكبرى الآن هي لم الشمل الاجتماعي لأن ما حققته روسيا هو خلق توتر وانقسام واسع في المجتمع.

سياق إقليمي

في نوفمبر الماضي، ألغت رومانيا نتائج جولة من الانتخابات الرئاسية بعد اتهامات بتدخل روسي ساعد مرشحاً يمينياً متطرفاً على الفوز؛ وأُجريت جولة ثانية في مايو فاز بها المرشح الوسطي المؤيد للاتحاد الأوروبي، نيكوسور دان.

رد الحزب المعارض وما سيأتي لاحقاً

نفى زعيم كتلة BEP دودون فور إعلان النتائج، ودعا إلى احتجاجات أمام البرلمان في كيشيناو بعد أن زعم — دون تقديم أدلة — أن PAS تلاعبت بالتصويت. وفي خطاب تلفزيوني على القناة الوطنية ليلة الأحد قبل إعلان النتائج، ادعى دودون فوز حزبه ودعا حكومة PAS إلى الاستقالة وطلب من أنصاره الخروج إلى الشوارع. «لن نسمح بالزعر والتزعزع»، قال، «لقد صوت المواطنون. يجب احترام صوتهم حتى لو لم يعجبكم».

تجمع عشرات الأشخاص للاحتجاج يوم الاثنين، وما زال من غير الواضح ما إذا كان دودون سيقاضي النتائج قضائياً. وفي الوقت نفسه، سيُكلّف الرئيس ساندو الآن مرشحاً لرئاسة الحكومة لتشكيل حكومة جديدة؛ ويرجح المحللون أن تختار ساندو الاستمرار مع رئيس الوزراء ريتشيان كخيار للتماسك السياسي والاستمرارية نظراً لموقفه المؤيد لأوروبا ودوره السابق كمستشار للأمن والدفاع للرئيسة.

ماذا بعد؟

المشهد السياسي يبقى متقلباً: الاحتجاجات واستراتيجيات الطعن القانوني ممكنة، بينما تبرز الحاجة الملحّة إلى تهدئة الخلافات وإعادة بناء الثقة الوطنية كي يتجاوز البلد تداعيات الحملة الهجينة والانقسامات العميقة التي رافقتها. كييف ستتحدد خطوات المستقبل عبر موازين القوى البرلمانية ومسارات التوافق الوطني. جندتة الجهات الخارجية عبر أدوات متعددة، لكن ردّ الفعل الشعبي والسياسي الداخلي سيحدد إلى أي مدى ستؤثر هذه المحاولات على مسار مولدوفا.

أضف تعليق