السياسة | الليبراليون: مسرِّعون للكارثة من جديد

في 17 سبتمبر، أُوقف مقدم برنامج الحوارات المسائية جيمي كيميل بعد تصريحات أدلى بها عن وفاة الناشط اليميني تشارلي كيرك. وبعد أيام عُيّن من جديد عقب موجة استياء داخل الأوساط الليبرالية.

في عودته الأولى إلى البث قرأ كيميل منشور الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصة “تروث سوشال”: «لا أستطيع أن أصدق أن إعلام ABC الزائف أعاد لجيمي كيميل عمله».

من دون تردد أجاب كيميل: «لا يمكنك أن تصدق أنهم أعادوا إلي عملي. أنا لا أصدق أننا أععدنا إليكم عملكم!»

بينما هتف الجمهور الليبرالي موافقًا، رغبت أن أسأل: “ولم لا يا جيمي؟” أستطيع أن أصدِّق ذلك.

وهم الليبراليين

عاد كيميل إلى الهواء، وعرَقَت المؤسسة الليبرالية الاميركية تنهّد الصعداء جماعيًا. ليس لأن الليبراليين والحزب الديمقراطي استفادوا من الحادثة لتعلّم درسٍ ما أو لاستخدامها فرصة لتعبئة معارضة حقيقية مناهضة لاندفاعة ترامب السلطوية، بل العكس تمامًا: لأن عودته تسمح لهم بالعودة إلى سباتهم المطمئن، تجاهل الواقع، التمسك بتنافرٍ معرفي وإنكار وتمني تاريخي بلا أساس، والاستمرار في التواطؤ الذي يغذيه امتياز البيض داخل نظام أوسع لتفوّق البيض.

الحقيقة أن الليبراليين لا يرون في ترامب ومؤيديه تهديدًا جوهريًا. يعتبرونه انحرافًا عابرًا يعتقدون أن البندول سيعود في النهاية إلى النظام الليبرالي المألوف.

بل إن الليبراليين لا يختلفون جذريًا مع جوهر سياسات ترامب. فكلا النخبتين اليمينية والليبرالية خادمتان للإمبراطورية، والليبراليون يلبسون هذه الخدمة برداء إنساني.

كلاهما يدعمان سياسات تُبقي على قمع الفقراء والمهمشين: خصخصة الرعاية الصحية والتعليم، استغلال العمال، السجن الجماعي، شرطة مُمَجَّنة عسكريًا، رقابة، الفساد عبر تبرعات الشركات، ونزع الموارد والتدخل العسكري في الخارج. لقد غلّف الليبراليون كل ذلك بخطاب عن حقوق الإنسان، حكم القانون والتنوّع.

وبينما يتقاطعون مع اليمين في النتائج، فقد حدّد الليبراليون اليسار بوصفه التهديد الحقيقي النهائي. لم يكتفوا بمهاجمته داخل الأوساط الحزبية، بل أغلقوا عيونهم عن محاولات اليمين لقمعه. الهدف كان تهميش اليسار الثوري، الذي يشكّل التهديد الحقيقي الوحيد للنظام الرأسمالي القائم على القمع.

يقرأ  المحكمة ترفض طلب رجل متهم باغتصاب من جنوب إفريقيا لوقف عرض فيلم عن حياته على نتفليكس

ولهذا السبب كثيرًا ما تجاهل الليبراليون التحديات التي تستهدف الحقوق والحريات الأساسية، مثل حق الاحتجاج وحرية التعبير.

وبفعله هذا، أسهمت المؤسسة الليبرالية في تمهيد الطريق لصعود الفاشية داخليًا وخارجيًا.

المسألة الفلسطينية

قمع نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والمساواة والعدالة هو مثال صارخ على فساد ونفاق الليبرالية، وركيزة أساسية في انحدار الولايات المتحدة نحو الفاشية.

حتى قبل تسارع ما وصفه البعض بـ”ابادة إسرائيلية” في غزة، روّج زعماء ليبراليون لأوهام كحل الدولتين و”عملية سلام” لا تنتهي، ما شرعن ووجّه سياسة الفصل والحرمان في فلسطين. حافظوا على راحة صناعة السلاح الأمريكية بزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل وتقديم دعمٍ غير مشروط لحملاتها المتصاعدة والدامية ضد الشعب الفلسطيني.

قدم الديمقراطيون الليبراليون، جنبًا إلى جنب مع زملائهم الجمهوريين، قوانين ومواقف مناهضة لحملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) في الكونغرس وهيئات تشريعية الولايات، في مؤشرات على إجماع سياسي يستهدف مقاومة الجرائم المشتركة للولايات المتحدة وإسرائيل. كما دعموا تعريف تحالف تذكار المحرقة الدولي (IHRA) لمعاداة السامية، وهو تعريف مُضلّل استُخدم لاستهداف ونزع الشرعية عن المعارضة المبدئية.

بعد بدأت المجزرة، ومع تعرض المدنيين الفلسطينيين للقصف الشامل والتعذيب والاختطاف والجوع، واصل الليبراليون وإدارة بايدن توفير غطاء لإسرائيل، مع تقويض إضافي للقانون الدولي. دعموا قمع الاحتجاجات المناهضة للإبادة، مُقوّضين حريات أمريكية أساسية، وأسكَتوا أصوات الفلسطينيين في المؤتمر الوطني الديمقراطي؛ خطوة قد تكون كلّفت الديمقراطيين خسارة الانتخابات.

هذا القمع للمعارضة ضد الإبادة المدعومة أميركيًا مكّن من تمهيد الساحة لتدابير ترامب السلطوية.

والترقب لهذه الفرصة كان واضحًا: قبل تولي ترامب منصبه، أطلقت مؤسسة هيريتدج المتحالفة مع الجمهوريين في أكتوبر 2024 ما سُمّي “مشروع إستر”، مخططًا استراتيجيًا يهدف إلى تمديد إرثٍ من قمع المقاومة المناهضة للاستعمار من خلال انتهاك الحقوق الدستورية ومهاجمة النشاط المدني والبحث العلمي والتعليم العالي بشكل عام.

يقرأ  «أوساكا: "من أسوأ ما يمكن قوله للاعبة تنس سوداء" — أخبار التنس»

تلك الإجراءات الأوبرالية جارية الآن بالكامل، بينما يستمر الليبراليون في حالة إنكار، غير راغبين وغير قادرين على محاسبة أنفسهم عن دورهم في هذه الأزمة.

أصداء تاريخية

تعيد المؤسسة الليبرالية اليوم نفس المأساة السخيفة: بينما تُهمّش سياسات اليسار بفرح انتهازي، تفرش السجادة الحمراء لليمين، ما يسهل فعليًا عمل قطار الفاشية.

في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أبرم الليبراليون الألمان تسويات شبيهة مع النخب الرجعية، معتبرين أن الاشتراكية —خسارة بعض الامتيازات— أخطر من الفاشية، ووضعوا “النظام” و”السلام” فوق العدالة. مساعدتهم في استهداف الشيوعيين والفوضويين سهّلت صعود أدولف هتلر، والذي انتهى بكارثة الحرب العالمية الثانية.

ليبراليّو الولايات المتحدة اليوم، الحذرون والمتكلّفون، راضون عن الوضع القائم ويتهربون من المواجهة، بينما يمضي ترامب قدُما مهاجمًا الدستور الأمريكي بلا خجل. كما تردد ليبراليّو فايمار حول الفاشية حتى كان الأوان قد فات، ها هم اليوم يشاركون في إسكات ونكب اليسار بدلًا من تحدي القوى الرجعية.

وهم مستمرون في هذه الاستراتيجية بينما يبدأ ترامب في انتهاك قاعدة غير مكتوبة لطالما حكمت الطبقة الحاكمة الأميركية — اسرق من الآخرين، لكن لا تفترس جماعتك.

في الواقع، لم يتغيّر عقل الليبرالية منذ ولاية ترامب الأولى، وهو ما تجسّد في تلك الاسكتش الخالد على “ساترداي نايت لايف” بعد انتخابه الأول، حيث يراقب ديف شابيل وكريس روك النتائج، بينما ينهار ليبرالي أبيض قائلًا: «يا إلهي، أظن أن أمريكا عنصرية»، فيرد شابيل بلامبالاة، «يا إلهي… أتذكّر أن جدي الأكبر قال لي شيئًا شبيهًا. كان، مثلًا، عبداً أو شيء من هذا القبيل.»

يقر ترامب، رغم نقائصه العديدة، بوضوح ضعف الفساد ونفاق السياسات الليبرالية.

في هجومه على “تروث سوشال” بعد إعادة كيميل، قال: «لماذا يعيدون شخصًا سيئًا جدًا وغير مضحك، يعرّض الشبكة للخطر عبر بث 99% نفايات ديمقراطية… أظن أننا سنختبر ABC على هذا. لنرَ كيف سنفعل. المرة الماضية ذهبت ضدهم، وأعطوني 16 مليون دولار. وهذه المرة تبدو أكثر ربحًا. مجموعة خاسرة حقيقية!»

يقرأ  حفلٌ قومي متطرّف ضخم في كرواتيا يكشف شرخاً عميقاً في النسيج الاجتماعي

ضحك الجمهور مجددًا.

مرة أخرى، الليبراليون يسهِّلون الكارثة، يصفقون ويضحكون على الفوضى التي يدّعون معارضتها، بينما يهادنون الشركات المتبرعة لصناديق حملاتهم.

الآراء الواردة أعلاه تعبر عن صاحبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن موقف التحرير في الجزيرة.

أضف تعليق