خطة وقف النار المقترحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب — والتي قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه قبلها — قد لا تحقق ما لطالما ترجّاه الفلسطينيون، بحسب محللين تحدثوا إلى الجزيرة.
على الأرض، لا شك أن الناس سيشعرون براحة هائلة بانقطاع القصف العنيف الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 66,055 شخصًا وأصاب 168,346 آخرين منذ أكتوبر 2023. ومع ذلك، يرى المحللون أن خطة ترامب المكونة من عشرين بندًا تكاد تفتقر إلى أي بند يقدم فائدة حقيقية للشعب الفلسطيني بخلاف إنهاء العنف.
«إن إنهاء الإبادة مرتبط بهذه الرؤية الاستعمارية نفسها، حيث تكون اسرائيل — الطرف الذي نفذ الإبادة — والولايات المتحدة — التي مولتها — هما من يقرران مستقبل الشعب الذي تُرتكب ضده هذه الجرائم»، قالت المحامية والمحللة الفلسطينية ديانا بَتُّو، التي كانت مستشارة قانونية لفريق التفاوض الفلسطيني بين 2000 و2005. وأضافت: «إذا قرأت النص بنفسك، فلا يوجد أي ضمانات تُمنح للفلسطينيين، ليس ضمانًا واحدًا. كل الضمانات مقدمة للإسرائيليين.»
مضمون الخطة وترتيباتها المؤقتة
بحسب الخطة، يتوقف القتال في غزة ويُعاد إلى اسرائيل الأسرى المحتجزون في القطاع أحياءً أو أمواتًا، مقابل تسليم اسرائيل لمئات من الفلسطينيين الأحياء وبقايا مئات آخرين لقُضاة ذوي صلة. ثم يُطلب من حماس تسليم إدارة قطاع غزة إلى «مجلس السلام»، إدارة انتقالية دولية يرأسها ترامب ويشمل أعضاؤها شخصيات مثل توني بلير. الأعضاء في حماس الذين يتعهدون بـ«التعايش السلمي» وبتسليم السلاح سيُمنحون عفوًا، بينما سيُتاح للآخرين «من يرغب بمغادرة غزة» ممرات آمنة إلى دول مستقبِلة.
تتضمن الخطة استئناف وصول المساعدات، وسحبًا مزعومًا للقوات الإسرائيلية بعد تحقق شروط معيّنة، لكن يبقى غامضًا من سيفرض انسحاب القوات أو يضمن تنفيذه. كما تقضي الخطة بوضع برنامج لإنعاش اقتصادي يعدّها خبراء وصفوا إنجازاتهم بأنها «مدن معجزة حديثة مزدهرة في الشرق الأوسط».
تبدي حماس أنها تُراجع العرض حاليًا. وحذر ترامب من أنه إن رفضته، فإن اسرائيل ستحظى بحرية التصرف الكاملة بدعم أمريكي كامل. هذا في وقت دعا فيه منظمات حقوق الإنسان وعلماء إلى وصف أعمال اسرائيل الحالية في غزة بأنها إبادة جماعية.
قضايا مفتوحة وغياب الضمانات
يقول المحاضر مساعد في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم إن كثيرًا من الأسئلة لا تزال بلا جواب. فالسلطة الفلسطينيه مذكورة في الخطة، لكن لا دور فوري لها حتى تكمل برنامج إصلاح يتضمن اقتراحات مختلفة، ومع أن ترامب أشار إلى خطة 2020 السعودية-الفرنسية وغيرها، تبقى غامضة التفاصيل الدقيقة للإصلاحات المطلوبة: إصلاح الحكم، مكافحة الفساد المستشري، تغيير المناهج التعليمية، وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية الذي يدعم عائلات الأسرى، كلها أمور ذُكرت في أطر سابقة.
أُجري تعديل على برنامج دفع المعونات لعائلات الأسرى، لكن، كما نقلت تقارير، لم يمنع ذلك وزير الخارجية ماركو روبيو من التجاهل وانتقاد السلطة لسياسة قديمة. ما هو واضح للمحللين أن السلطة ستحتاج لإقناع اسرائيل والولايات المتحدة بأنها أنجزت عملية الإصلاح قبل أن تتولّى حكم غزة، وغياب أهداف محددة قد يطيل هذه المرحلة إلى أجل غير مسمى.
أما نبض العمل الإنساني فمصادره مفترضة أن تكون الأمم المتحدة والهلال الأحمر الدولي، لكن الخطة لا تذكر ما إذا كانت ستنهي عمل مؤسسة «صندوق غزة الإنساني» المثيرة للجدل، التي قيل إنها تسببت في مقتل أكثر من ألف فلسطيني أثناء انتظارهم المساعدات.
تصور الحالة الفلسطينية المستقبليّة
في 21 سبتمبر اعترفت كندا وأستراليا والمملكة المتحدة بدولة فلسطين، وتبعتها دول أوروبية أخرى. أعلن زعماء دوليون تأييدهم لحل الدولتين، فيما يرى محللون أن اعتراف دولي كهذا يرقى إلى «تمويه للحفاظ على ماء الوجه». الجمعية العامة للأمم المتحدة أيدت قرارًا لإحياء حل الدولتين في 12 سبتمبر، لكن المصطلح يبتعد كثيرًا عن الواقع على الأرض.
حتى قبل أكتوبر 2023 كانت الأراضي الفلسطينية ممزقة ومعزولة بسياسات اسرائيل، ومع التوسع الاستيطاني غير القانوني في الضفة والقيود على الحركة والتجريف والاستهداف، تقلّصت أي أرض يمكن أن تُكوّن دولة فلسطينية مستقبلًا. قبل الحرب الحالية كانت غزة أكبر مساحة فلسطينية متصلة، لكن الحركة بين غزة والضفة كانت شبه مستحيلة، والسفر خارج فلسطين كان معاناة كبيرة بسبب العقبات الإسرائيلية.
القلق الآن أن الخطة ستزيد من فصل غزة عن الضفة والقدس الشرقية، إذ تذكر فقط باقتضاب «مسارًا محتملًا وجديرًا للمصداقية نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية» وهو مسار مشروط بتنفيذ برنامج إصلاح السلطة «بأمانة». في ظل الاعترافات الحديثة، يتساءل المحللون: ماذا تبقّى يمكن منه بناء دولة فلسطينية؟
«هذا هو السؤال بمليون دولار»، قالت بتّو. «الجميع يعترف بدولة فلسطين بينما هي تُمحى، وهذه المشكلة.»
مآلات التطبيق وغياب الضمانات
تعتمد الخطة على حسن نوايا أطراف ندر وجودها: نتنياهو وضمانات أمريكية على التزام اسرائيل. نتنياهو سبق وأن أقسم مرارًا أنه سيقوّض أي جهود لإقامة دولة فلسطينية، وفي خضم تصاعد التوترات وقع اتفاقًا لتنفيذ مشروع استيطاني في الضفة المحتلة وأخبر مؤيديه «لن تكون هناك دولة فلسطينية». تاريخ نتنياهو في تقويض عملية السلام وترسيخ الاحتلال يجعل كثيرين يشككون في إخلاصه لتطبيق أي اتفاق.
كما يقول سلوم، الاتفاق «قابل للتطبيق على الورق»، لكن «من التجربة هناك الكثير من التفاصيل غير الواضحة».
تجارب سابقة والدرس المرير
الفلسطينيون مرّوا بتجارب مماثلة من قبل؛ اتفاقات أوسلو في التسعينيات وضعت أساسًا يفترض أنه يؤدي إلى دولة فلسطينية، لكن منذ توقيع الاتفاق الثاني عام 1995 تقدّم العمل نحو هذا الهدف قليلًا. بدلاً من ذلك، يقول المحللون إن اسرائيل استغلت الاتفاقات لتقويض محاولات الفلسطينيين إقامة دولة. وبعد سنوات من تآكل سيطرة الفلسطينيين على أراضيهم وحملتين عدوانيتين عسيرتين خلال العامين الماضيين، تبدو الحال اليوم أسوأ.
«هذا أسوأ من أوسلو»، قالت بتّو، التي عملت كمستشارة قانونية في أوسلو لمنظمة التحرير. «على الأقل في أوسلو كان هناك صوت فلسطيني. الآن تم إلغاء كل الأصوات الفلسطينية، وعدنا إلى عصر يتحدث فيه الآخرون نيابة عنا.» ترامب التقى قادة عربًا ومسلمين لعرض خطته في 23 سبتمبر، لكنه لم يجتمع بأي قادة فلسطينيين.
ختامًا، حمّلت الولايات المتحدة الفلسطينيين مسؤولية إنهاء الحرب على غزة؛ فإذا رفضت حماس صفقة تقدم ضمانات نادرة للشعب الفلسطيني، فإن الحرب الإسرائيلية الموصوفة إبادة قد تستمر أو تتصاعد. «المأساة الكبرى أن هذه الإبادة مستمرة منذ عامين… والفلسطينيون يُجبرون على التفاوض لإنهاء إبادتهم بأنفسهم»، اختتمت بتّو حديثها.