مجلس «السلام» التابع لترامب بشأن غزة يَعِد توني بلير بمقابل مالي جديد — الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ

تماماً حين بدا أن آفاق مستقبل قطاع غزة لا يمكن أن تكون أكثر سوداوية، كشف رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عن خطته «السلامية» المكوّنة من عشرين نقطة، التي تضعه بصفته رئيساً لـ«مجلس السلام» الذي يفترض أن يتولى حكومة انتقالية في القطاع. هذا الإعلان يأتي من الرجل الذي شارك بشكل فعّال في دعم إسرائيل منذ كانون الثاني، بينما تزداد مأساة الفلسطينيين وتتعاظم أصابع الاتهام في جرائم حرب تُقرَع طبولها بلاا توقُّف.

ولم يكتفِ ترامب بذلك؛ فقد أُعلن أيضاً أن توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، سيكون ضمن تشكيل هذا المجلس، متبنّياً دوراً حكومياً بارزاً في إعادة تصميم القطاع. وبكل وضوح، لا تخلو هذه الخطوة من رائحة استعمارية قوية: استقدام سِير توني من المملكة المتحدة لإدارة شؤون محمية فلسطينية يبدو تكراراً لمنطق الهيمنة الخارجية في منطقة تعرّفت منذ زمن طويل على تلك المظاهر.

بلير نفسه شخصية مألوفة في ذاكرة المنطقة، ليس أقلّها دوره المشين في حرب العراق عام 2003 إلى جانب صديقه جورج دبليو بوش. بتصديقه مزاعم أسلحة الدمار الشامل، جرّ إلى بلاده حرباً أودت بمئات الآلاف من الأرواح، مصفدةً سمعته بلقب ربما يليق به كمتهم بارتكاب جرائم حرب.

باختصار: رجل مثل هذا لا يليق به أي منصب اسمُه «مجلس السلام».

بينما اعتزل بوش حياة الهدوء والرسم، صعد بلير على خشبة العالم كموظف دائم في ملفات الشرق الأوسط، واستمر في بناء إمبراطورية نفوذ تجاري هائلة. بعد استقالته عام 2007 تحول فوراً إلى مبعوث رُباعي الأطراف، تمثّل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، في مهمة «حلّ النزاع» المتداولة كصورة إعلامية لا أكثر.

لكنّ تعيين مبعوث تربطه علاقات وثيقة مع الطرف المعتدي بالأصل فكّر في نَفْي أي فرصة حقيقية لتحقيق سلام عادل للفلسطينيين. نشاطه الديبلوماسي تزامن بوضوح مع مصالح تجارية ربحية في المنطقة، من تقديم استشارات مدفوعة للعواصم العربية إلى عقد شراكات استشارية مع مصرف JP Morgan عام 2008، حيث ورد أنه تلقى أجراً يفوق مليون دولار سنوياً.

يقرأ  بريطانيا تعتزم فرض هوية رقمية إلزامية مع تزايد الضغوط الشعبوية بشأن الهجرة

كما لفت فرانسيس بيكيت، كاتب مشارك لكتاب عن بلير، إلى مشكلة مزدوجة في هويته: هل هو مبعوث رُباعي الأطراف أم رئيس مؤسسة بلير للخير أم رجل أعمال استشاري؟ كان الغموض هذا مفيداً لمعظم المصالح المتقاطعة التي خدمها.

وبما أن تضارب المصالح عادة ما يأتي بمردود، فإن إنجازات بلير المعلن عنها محدودة ومضللة. من بين ما يفاخر به حصوله عام 2009 على ترددات إذاعية سمحت بإنشاء مشغل خلوي فلسطيني ثانٍ في الضفة الغربية، إلا أن التسليم بهذه الترددات لم يأتِ من فراغ؛ فقد رُبط بضغط على القيادة الفلسطينية لوقف متابعة جرائم الحرب الإسرائيلية في الأمم المتحدة المتعلقة بعملية «الرصاص المصبوب» التي أسفرت عن سقوط نحو 1,400 قتيلاً في غزة خلال 22 يوماً.

وليس مفاجئاً أن المصالح الخاصة ربطت كل شيء ببعضه: فصفقات مثل فتح الطيف الترددي كانت ستعود بالأرباح على جهات مثل Wataniya وJP Morgan، بينما كان بلير نفسه ينعش جيوب مؤسساته واستشارييه.

ومن السهل التكهن بأن بلير سيحاول استغلال أي منصب يطرأ له في غزة لتحقيق مكاسب جديدة لصالح مؤسسته المعروفة باسم معهد توني بلير للتغيير العالمي، وبصورة أوسع لإخضاع الفلسطينيين لبرامج «تنمية» و«استثمار» تُغنِي المستثمرين الأجانب على حساب الحقّ السياسي والكرامة.

في خطة ترامب، يبدو أن أحد محاورها الأساسية هو بيع وعود التنمية والمشروعات الاستثمارية باعتبارها مفتاح «الأمل لغزة». فبدلاً من المطالبة بحق الدولة ووقف المذابح المتكررة، يُقترح تحويل حياة الناس إلى سوق رأسمالية تخضع لسلطة رؤوس الأموال الأجنبية — وكأن الحقوق الأساسية يمكن استبدالها بأبراج سكنية ومراكز تسوّق.

وإذا كان لهذه الطغمة وجه، فمن المحتمل أن يكون بلير واحداً من أبرز الوجوه، رغم تاريخه الدموي المتصل بسقوط المدنيين في الشرق الأوسط. ولا يستغرب أحد من إيواء شخصيات مثل ترامب وإسرائيل بلير في ذات الخيمة السياسية، لأن مصالحهم تتقاطع حيث تؤمن الربح والشرعية الإعلامية على حساب العدالة.

يقرأ  حماس تنشر فيديو يظهر رهينتين إسرائيليتين محتجزتين في قطاع غزة

وليس بلير محط إعجاب فقط عند حلفائه؛ فقد امتد الإشادة به إلى مفكّرين أمريكيين مثل توماس فريدمان، الذي اعتبره أحد أهم رؤساء وزراء بريطانيا لتأييده انخراط بريطانيا في حرب العراق، مدافعاً عن خياره على أنه تخطٍّ للرأي العام ومعيارٌ للثبات السياسي — رأي يبيّن بجلاء كيف أن التضامن مع سياسات الحرب يُقرأ دوماً كقيمة بدل أن يُدان كجريمة.

أمام هذا المشهد، وفي حين تظل حياة ومصائر أهالي غزة معلّقة بقراراتٍ يتخذها أناس مثل بلير ورفاقه من مجرمي الحرب الدوليين، ربما يكون الوقت مناسباً لأن يجرب بلير حظّه في الرسم بدلاً من الاستمرار في إعادة إنتاج المأساة.

الآراء الواردة هنا خاصة بالمؤلف ولا تعكس بالضرورة موقف المؤسسة التي نُشر فيها النص.

أضف تعليق