كيف أجبرت احتجاجات “جيل زد” الرئيس على إقالة حكومته؟

موجة احتجاجية غير مسبوقة تهزّ مدغشقر

آلاف المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع في مناطق متفرقة من مدغشقر خلال الأسبوع الماضي في أكبر موجة احتجاجات تشهدها الجزيرة في أكثر من خمسة عشر عاماً. ما بدأ غضباً من انقطاعات مستمرة في الخدمات الأساسية وسوء توفر السلع تحول سريعاً إلى تحدّ سياسي مباشر للرئيس أندري راجويلينا، الذي يتولى الحكم للمرة الثانية منذ 2018. يوم الاثنين أقال الرئيس حكومته استجابةً للاحتقان، لكن القرار لم يخفف من الغضب الشعبي.

خسائر وادعاءات متعارضة
ذكرت الأمم المتحدة أن العنف خلف ما لا يقل عن 22 قتيلاً ومئات الجرحى، في حين رفضت الحكومة هذه الحصيلة ووصفتها بأنها «شائعات ومعلومات مضلللة»، وهو تباين يعكس انقساماً حاداً في قراءة ما يجري على الأرض.

ما الذي أشعل الاحتجاجات؟
بدأ التصعيد بعد اعتقال سياسيين محليين بارزين في 19 سبتمبر كانوا ينوون تنظيم تظاهرة سلمية في العاصمة أنتناناناريفو احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي ومشكلات مياه الشرب المستمرة. شركة الخدمات الحكومية «جيراما» تشهد انقطاعات طويلة يومياً، ما دفع مواطنين كثيرين للاعتقاد أن توقيف القادة الشباب محاولة لإسكات معارضة مشروعة. تبنّت منظمات المجتمع المدني والشباب القضية، وبرزت حركة شبابية ناشطة على الإنترنت عرفت باسم «جين زِد مادا».

نطاق الاحتجاجات ومطالب المتظاهرين
انتقلت التذاهرات من العاصمة إلى ثمانية مدن أخرى، مع شعارات تطالب باستقالة الرئيس وإصلاح شامل. المتظاهرون، وخصوصاً الشباب الذين يعانون من بطالة وعدم أمان وظيفي وأجور هزيلة، يطالبون بتغيير سياسي أوسع من مجرد معالجة الانقطاعات في الكهرباء. من مطالبهم المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن العنف بحق المتظاهرين، وتنظيف البرلمان، وحلّ مفوضية الانتخابات وبعض مؤسسات القضاء العليا التي يرونها منحازة.

من يقود الاحتجاجات؟
بدأت الحركة على منصات التواصل مثل فيسبوك وتيك توك بقيادة «جين زِد مادا»، ثم انضمت إليها نقابات عمالية كبيرة ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب معارضة تضم شخصيات بارزة مثل سيتني راندرياناسولونيايكو والرئيس السابق مارك رافالومانانا اللذين أعربا عن تأييد نادر للمتظاهرين ورفضا الانضمام إلى حكومة راجويلينا بوصف ذلك «خيانة» للشعب.

يقرأ  سويسرا تُصوّت للمرة الثانية على اعتماد بطاقات الهوية الإلكترونية

رد فعل الحكومة
نشرت قوات الأمن بشكل كثيف في العاصمة ومدن رئيسية أخرى، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المظاهرات. فُرض حظر تجول ليلي بعد تقارير عن أعمال عنف ونهب طالت مؤسسات حكومية، بما في ذلك إحراق مكاتب وزارة المالية. حين أطاح الرئيس بحكومته حمّل بعض الوزراء مسؤولية التقصير، ووعد بأن يموّل البنك الدولي مشاريع لمعالجة أزمة الكهرباء وبدعم الأعمال المتضررة من أعمال النهب، ودعا إلى الحوار مع الشباب، لكن التحرك لم يخفف من سخط الشارع، خصوصاً بعد ما اعتُبر قمعاً صارماً ضد المحتجين.

الوضع الإنساني والاقتصادي
تُعد مدغشقر من أفقر دول العالم؛ وفق البنك الدولي يعيش حوالى 75% من السكان تحت خط الفقر، ونحو ثلث السكان فقط يتمتعون بوصول منتظم إلى الكهرباء حسب صندوق النقد الدولي. يعيش كثيرون ظروفاً معيشية متدهورة تجعل الاحتجاجات تعبيراً عن تلازم مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية.

خطر تصاعد الأزمة على النظام
يرى محللون ونشطاء أن الاعتماد على القمع بدلاً من المساءلة قد يؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي، وتصاعد خطاب قومي ضد ما يُفهم كتهاون أو تدخل خارجي، مع انعكاسات اقتصادية محتملة. يرى خبراء الحوكمة أن قدرة الرئيس على الصمود مرتبطة بمدى تحكمه في الإعلام الرسمي والمؤسسات الأساسية، أما نقطة التحول الحاسمة فستكون رفض القوات المسلحة تنفيذ أوامر لقمع المتظاهرين. ناطق الرئاسة لوفا رانورومارو حذر من خطر انقلاب عسكري، قائلاً إن الانقلابات «تدمّر المستقبل».

خلاصة
الاحتجاجات في مدغشقر تجاوزت مطلباً مباشراً يخاطب انقطاع الكهرباء، لتتحول إلى حركة أوسع تطالب بتغيير سياسي واجتماعي عميق. مع تواصل التظاهرات وتصاعد المواجهة بين الشارع والسلطة، يبقى مصير الرئيس وهدوء الشارع رهينين بمدى نجاح الوساطات وإرادة الطرفين في قبول حلّ تفاوضي يعالج جذور الأزمة. مضللةً في بعض الروايات والوقائع، تبقى الوقائع على الأرض تدل على أن مدغشقر تمرّ بمنعطف حاسم في تاريخها الحديث.

يقرأ  سبنسر إلدن يخسر قضيته بشأن صورة طفولته على غلاف ألبوم

أضف تعليق