حلفاء الناتو يراهنون على الدبابات — بينما تمحوها الطائرات المُسيرة المتفجرة في أوكرانيا

الناتو يواصل الرهان على الدبابات رغم محدودية فعاليتها في أوكرانيا

لا تزال حدة الحرب الأوكرانية تكشف ضعف الدبابات أمام هجومات الطائرات المُسيّرة الصغيرة، واستخدامها أصبح أقل تنوعًا من ذي قبل. مع ذلك، تستمر دول الحلف في شراء دبابات جديدة وتطوير نماذج محسّنة، مستثمِرة في الأسلحة الثقيلة رغم الخسائر التي تسبّبت بها الطائرات الانتحارية في ساحات القتال.

التهديد بالطائرات الصغيرة والـFPV

أظهرت لقطات من أرض المعركة طائرات رباعية FPV رخيصة تغوص عبر الفتحات العلوية للدبابات وتنفجر بداخلها، لتتحول المدرعات إلى جِسورٍ محترقة مبعثرة على الطرق وفي الحقول المهدّمة. تقديرات مفتوحة المصدر ومراكز بحثية رصدت خسارة آلاف المركبات، وكثير منها نتيجة هجمات مسيّرات. هذه الظاهرة أجبرت الأطراف على إعادة التفكير في دور المدرعات وطريقة استخدامها.

تسوق الدبابات والانتاج الأوروبي

رغم ذلك الإعلان عن هشاشة الدبابات، أعلن نحو نصف عشر دول حليفة هذا العام عن مشتريات دبابات جديدة: السويد وجمهورية التشيك اقتنتا كلٌّ منهما 44 دبابة ليوبارد 2A8 ألمانية الصنع، وهولندا اشترت 46، وكرواتيا نحو 50، وبولندا أعلنت شراء 180 دبابة كيه2 بلاك بانثر كورية جنوبية. ليتوانيا، الحليفة المطلة على روسيا، قررت شراء دبابات للمرة الأولى استجابةً لتداعيات الحرب الأوكرانية.

ألمانيا نفسها تعتمد على ليوبارد 2A8، ونشرت وحدات مزوّدة بها ضمن كتيبة دائمة في ليتوانيا — أول قوة ألمانية دائمة تُنشر خارج البلاد منذ الحرب العالمية الثانية — مع قناعة القادة بأن الدبابة ستبقى عنصرًا مهمًا لحماية الحلف.

على صعيد الصناعة، أعلنت شركتا ليوناردو وراينميتال عن مشروع مشترك 50/50 لتطوير وإنتاج دبابات ومدرعات، ورينك الألمانية كشفت عن استثمار بقيمة 585 مليون دولار في طاقة إنتاج المدرعات. كما قدّمت شركة ليتوانية نموذجًا أوليًا لمدرعة MRAP محلية الصنع.

يقرأ  ماركو روبيو: الولايات المتحدة قد تُفجّر شبكات الجريمة الأجنبية إذا لزمَ الأمر

تطوير جيل جديد من الدبابات

تعمل نحو اثنتي عشرة دولة أوروبية على تطوير دبابة قتال رئيسية للجيل القادم — مشروع Main Armored Tank of Europe — لأن القادة العسكريين يراهنون أن معارك مستقبلية قد تستدعي قدرة مدرعة مختلفة عن تلك المرصودة اليوم. الاستثمار في المدرعات لا يزال كبيرًا لأن الخبرة النظرية والعملية في الحرب المدرعة ما زالت جزءًا من التفكير الاستراتيجي للحلفاء.

لماذا تتعثّر الدبابات في أوكرانيا؟

في النزاعات التي سيطرت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها على الأجواء في الشرق الأوسط، كانت الدبابات قادرة على القيام بمهام حاسمة مثل الهجوم الواسع في بغداد عام 2003 أو المواجهات المدرعة الصلبة في حرب الخليج 1991. لكن ملامح الحرب في أوكرانيا مختلفة: خطوط تماس ثابتة غالبًا، تحصينات عميقة، خنادق وحواجز خرسانية وحقول ألغام، وكلها تحت سماء مكتظة بالطائرات المسيّرة. هذا النمط من القتال لا يناسب نقاط قوة الدبابة التي تعتمد أساسًا على التنقّل والاختراق.

كما لاحظ العقيد السابق هاميش دي بريتون-غوردون أن القدرة الحركية كانت دائمًا من أهم مزايا الدبابة، ومع تقييد الحركة تقل فاعليتها. المحاولة الكبرى لأوكرانيا في 2023 لتعزيز هجوم مدرع واسع باستخدام الدبابات الغربية انتهت بخسائر كبيرة أمام دفاعات مُهيأة، فيما جرى إعاقة أي هجمات روسية آلية مماثلة أيضًا.

الطائرات المسيّرة جعلت تشغيل المدرعات أكثر خطورة وكلا الطرفين صار يحجم عن الدفع بها نحو الخط الأمامي، ويستعملها من مواقع مؤمّنة أو كمدفعية متحرّكة، أو في هجمات صغيرة محكمة بدعم إلكتروني وجوّي. كما أن أعلى أجزاء الدبابة كانت الأقل تدريعًا، فصُمِّمت في الأصل دون تركيز كافٍ على التهديدات القادمة من فوق — مثل الطائرات الصغيرة المتفجرة — مما سهّل استهدافها.

كيف يتأقلم الحلف؟

يقرأ  واشنطن تهدّد بفرض رسوم جمركية إضافية على الهند إذا فشلت محادثات السلام بين ترامب وبوتين

كلتا القوتين في الميدان صارتا تحفظان دباباتهما على مسافات بعيدة عن خط الاشتباك أو تضيفان دروعًا تكميلية لتحسين المقاومة ضد المسيرات. ظهرت تعديلات روسية تشتمل على تغطية مضادة للمسيّرات، كما أن الغرب يسعى لتطوير تحديثات دفاعية للدبابات ونظم مضادة للمسيّرات.

لكن القناعة العامة لدى محللين مثل جيفري إدموندز وسكوت بوستون أن الدبابة لم تمت بعد؛ لها دور في إحداث صدمة، في تقديم نيران بعيدة المدى، وفي القدرة على احتلال الأرض. في سيناريو مواجهة روسيا مع الناتو قد تختلف ظروف المعركة جوهريًا عن أوكرانيا: الناتو يمتلك تفوقًا ناريًا وهجوماً جوّيًا متقدمًا قد يتيحه حماية جوية أفضل للدبابات، ووجود طائرات مثل F‑35 أو نظم قتال متكامِلة قد يمكّن من نشر المدرعات بأعداد أكبر وبطرق مختلفة.

الخلاصة

الناتو يراقب دروس الحرب الأوكرانية ويعدل من تجهيزاته بحسبها، لكنه يجهز نفسه أيضاً لصراع مستقبلي قد لا يشبه الحرب الحالية. الادعاء بأن الدبابة “مُنتهيَة” قد يكون مبالغًا فيه؛ الأهم هو كيفية توظيفها وتكييفها لمواجهة تهديدات العصر — خصوصًا الطائرات المسيّرة — والحفاظ على قدرتها على الحركة، الحماية، والنار لتحقيق أهداف احتلال الأرض أو شن هجمات فعّالة. ان الحلف يظل يجري استثمارات كبيرة لإبقائها عنصرًا مركزياً في القوة البرية المحترفة.

أضف تعليق