إيطاليون يخوضون إضرابًا تضامنًا مع الفلسطينيين

سارة راينسفورد
مراسلة جنوب أوروبا، روما

آلاف يتظاهرون في ايطاليا تضامناً مع الفلسطينيين وقافلة الإغاثة إلى غزة

الجمعة شهدت إضراباً عاماً في إيطاليا شارك فيه عمال ليس للمطالبة بأجور أو ظروف عمل أفضل، بل تضامناً مع سكان غزة. حشود كبيرة نزلت إلى شوارع مدن متعددة، في موجة احتجاجية متصاعدة عبر أوروبا إزاء قصف واحتجاز القطاع ومنع وصول المساعدات.

وزارة الداخلية الإيطالية قدّرت أن ما يصل إلى 400 ألف متظاهر شاركوا في 29 موقعاً، بينما تقول النقابات إن الأرقام كانت أكبر بأربع مرات.

تفاقم الغضب هذا الأسبوع عندما صعدت قوات الجيش الإسرائيلي على أسطول قوارب كانت تقل سياسيين ونشطاء أوروبيين ومنعتهم من توصيل الغذاء والدواء إلى غزة، حيث أكد خبراء يدعمهم الأمميون وقوع مجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها. إسرائيل وصفت القافلة بأنها مجرد حملة دعائية. وكان على متنها أكثر من أربعين إيطالياً.

رئيسة الحكومة من اليمين المتشدد جورجيا ميلوني انتقدت الإضراب العام، معتبرة أنه لن يخدم القضية الفلسطينية وأنه يعيق حياة الإيطاليين اليومية، واقترحت أن النقابيين يسعون فقط لعطلة طويلة. نائبها ماتيو سالفيني وصف الإضراب بـ«غير القانوني»، وقال إنه لم يُعلَن عنه بإشعار كافٍ وهدد بفرض عقوبات.

رغم ذلك خرجت أعداد كبيرة وحملت لافتات مكتوباً عليها عبارات مثل «أوقفوا المجزرة» و«لا تلمسوا القافلة!».

من الهدوء إلى المواجهات

في عدة مدن، منها ميلانو وبولونيا، اندلعت اشتباكات وقذف محتجون الحجارة على الشرطة التي ردت بقنابل الغاز المسيل للدموع. في بيزا اقتحم مجموعة أطلقوا ألعاباً نارية مضيئة ممر مدرج المطار ما أوقف الرحلات لبعض الوقت، بينما أغلق عمال الموانئ في نابولي الميناء. في تورينو سحب محتجون حواجز حديدية إلى خطوط السكك الحديدية.

يقرأ  استقالة شيغيرو إيشِبا من رئاسة الحكومة اليابانية

شهدت مدن أوروبية أخرى احتجاجات أيضاً، من لاهاي إلى مدريد.

في روما، نصب مخيم خيام قرب محطة تيرميني وعلّق عليه لافتة تؤكد أن عنوانه «ساحة غزة». المسيرة الرئيسية في العاصمة كانت كبيرة وسلمية إلى حد كبير.

«الحكومات، وخصوصاً الإيطالية، لا تتخذ إجراءات كافية تجاه ما يجري في غزة»، قالت أستاذة جامعية تُدعى فرانشيسكا موضحة سبب مشاركتها في الإضراب. طلاب جامعة سابينزا حيث تعمل يقيمون اعتصامات في كليات عدة. «نحن هنا لنقول إن الوقت قد حان للتدخل وحل الأمور»، أضافت.

أمام محطة تيرميني ظهرت خيمة صغيرة تحمل لافتة «ساحة غزة»، وقربها تم تزيين تمثال مبسط ضخم للبابا يوحنا بولس الثاني بكوفية فلسطينية. بعد أن سارت المسيرة بسلام عبر مركز العاصمة، احتلّ جزء من المتظاهرين لفترة وجيزة جزءاً من الطريق السريع حول روما. وهم يلوحون بأعلام فلسطينية عملاقة ويحملون مشاعل، هتفوا «نحن نغلق كل شيء»، ثم مرّوا عبر نفق طويل ضاعف من صدى هتافاتهم بينما وقفت الشرطة تراقب.

ميلوني تحت الضغط

«هذه هي الصورة الأجمل لبلدنا. إيطاليا أفضل من الذين يحكموننا الآن»، قالت إيلي شلاين، زعيمة المعارضة، للبي بي سي في بداية المسيرة في روما. وأوضحت زعيمة الحزب الديمقراطي أن رئيسة الحكومة أخفقت في إدانة «جرائم حكومة إسرائيل» في غزة كما تراها، ووصفت الأمر بـ«العار» لأن إيطاليا لم تنضم إلى الدول المتزايدة التي تعترف بالدولة الفلسطينية. إسرائيل اعتبرت هذه الخطوة من كثيرين «وصمة عار».

ميلوني اشترطت اعتراف حكومتها بفلسطين على إطلاق سراح كل الرهائن الإسرائيليين واستبعاد حماس من أي تشكيلة حكومية، وتؤكد دعمها لخطة السلام التي وضعها حليفها المقرب والراعي الرئيسي لإسرائيل، الرئيس دونالد ترامب. لكنها في الوقت نفسه تحدثت مؤخراً عن «عدد كبير من الضحايا الأبرياء» في غزة وقالت إن رد حكومة بنيامين نتنياهو على هجمات حماس في 2023 «تجاوز مبدأ التناسب».

يقرأ  أوروبا أمام خيار حاسم:هل تقف إلى جانب إسرائيل أم إلى جانب الإسلام الراديكالي؟

«هذا أمر خطير. بلا شك، قضية غزة كانت تضغط على ميلوني. لقد غيّرت بالفعل موقف الحكومة ليصبح أكثر انتقاداً لإسرائيل»، قال البروفيسور جيوفاني أورسينا، عالم سياسي بجامعة لويز، للبي بي سي. وأشار إلى أن الرأي العام الكاثوليكي «سُخط» من أحداث غزة، لكنه رأى في موجة الاحتجاجات «استيقاظاً» لقوى اليسار الإيطالي. «إنها تظاهرة واضحة لارتفاع مستوى التعبئة ويشمل ذلك أعداداً كبيرة من الناس. الحكومة تحت الضغط ويبدو أنها متوترة».

آلاف شاركوا في التظاهرة في روما. بينما كانت النقابات والطلاب والنشطاء ما يزالون يتظاهرون في مدن متعددة، عاد إلى روما أربعة سياسيين إيطاليين كانوا محتجزين على متن قافلة الإغاثة إلى غزة. بعد أن تم ترحيلهم من قبل اسرائيل، استقبلوهم في المطار بأحضان دافئة من العائلة والزملاء. أكثر من أربعين إيطالياً لا يزالون محتجزين.

صادرت السلطات حمولة القافلة من المساعدات ولم يتحسّن الوصول الإنساني إلى غزة، لكن بينديتا سكوديري، نائبة في البرلمان الأوروبي عن التحالف الأخضر اليساري، اعتبرت الرحلة «إنجازاً ضخماً». «كثيرون منا ركبوا لأننا شعرنا بالعجز، بأننا لا نستطيع فعل شيء مما يجري في غزة»، قالت للبي بي سي بعد هبوطها. «أحب أن أظن أنها منحت بعض الأمل للسكان».

«كل ما دار حول القافلة والاحتجاجات والإضرابات — إنها أمور هائلة. لم نر مثلها منذ زمن طويل ولا أعتقد أن أي حكومة مسؤولة يمكنها أن تتجاهل ما يحدث».

أضف تعليق