نظرة عامة:
في الحقبة التي أعقبت الجائحة، أعاد المعلمون تجديد حماس التلاميذ نحو التعلم وغرس حب القراءة مدى الحياة عبر منح الطلاب قدرات اختيار أوسع، وتركيز على التعلم الاجتماعي-العاطفي، وإتاحة تجارب قراءة مشتركة وممتعة ترتبط باهتمامات وهويات الطلاب.
القراءة المتكررة: «تحدّي المليون صفحة»
في كثير من المدارس كانت القراءة محصورة في حصص اللغة أو الكتب الدراسية أو المكتبة، لكن مدارس عدة اعتمدت مقاربة مؤسسية شاملة لبناء ثقافة قرّاء. مثال عملي ناجح هو «تحدي المليون صفحة»؛ مسابقة تشجّع الطلاب والفصول على التنافس لبلوغ مليون صفحة أولاً، فتولد روح زمالة وتنافس صحي بين الطلبة والمدرّسين. في مدرستنا، ينظم أمين المكتبة هذه المبادرة، ويعلن النتائج، ويعلّق لوحات مرئية في الممرات، ويحدّث سجلات الصفوف والأفراد، ويقترح قراءات. وفي الوقت نفسه، تعهّد كل مدرس بتعزيز ثقافة القراءة للمتعة داخل حصة مادته، ليس بوصفها واجباً بل كعادة يومية: كتاب يُحتفظ به في الحقيبة لقراءته وقت الفراغ أو أثناء فواصل الحصص أو في حصص الإرشاد المخصّصة للقراءة المستمرة.
النجاح هنا يتطلب التزاماً كاملاً من جسم المدرسة، بل وأن يشارك المدرّسون الطلاب باقتحام لحظات صغيرة للقراءة سوياً، كي يكون قدوة حقيقية وتتشكل مجتمع قارئين مدى الحياة.
القراءة للمتعة: بناء هوية القارئ
لكي نفهم عزوف الطلاب عن القراءة، يجب أن نعيد السؤال: لماذا نقرأ؟ الإجابات تقودنا إلى جوهر الحل، إذ نقرأ لنتعرّف على التجربة الإنسانية: الحب، الخوف، النضج، الفقد، تلك المواضيع الجامعة التي تغذي التعاطف وتؤكد للطالب هويته عندما يرى نفسه في نصٍ ما. لأن القراءة فعل شخصي للغاية، يفقد الكثير من الطلبة الاهتمام عندما تُفرض عليهم نصوص محددة تقليدية لا تعكس حياتهم اليومية. أظهرت دراسات أن فرض الكتب دون منح حرية الاختيار يفضي إلى نفور القارئ. لذا، من المفتاح إتاحة خيارات: دوائر أدبية حيث يصوّت الطلاب على قوائم كتب ويجتمعون في مجموعات صغيرة ليتابعوا رحلتهم مع النصوص، أو مقارنات بين وسائط متعددة (قصيدة مقابل لوحة، فيلم مقابل رواية)، أو واجبات إبداعية مثل تقديم عرض ترويجي لكتاب أو صناعة مقطورة فيلمية مستوحاة من عمل قرأوه.
الفرق الجوهري بين القراءة المقررة والقراءة للمتعة هو حرية الاختيار—ماذا يقرأ الطالب، ومتى، وكيف، ولماذا. إقامة شراكة عمل مع أمين/أمينة المكتبة المدرسية تسهّل هذا المسار: قضاء وقت مع الطلاب في رفوف الكتب، مناقشة اهتماماتهم، وتقديم توصيات ملائمة. وإذا غابت لديكم أمين/أمينة مكتبة عن المدرسة، فالمكتبه العامة المحلية تمثّل مورداً قيّماً.
القراءة معاً: مشاركة تجربة القراءة
إن رهاننا على خلق قرّاء مدى الحياة يستلزم أن نقلد مجتمعات القراءة خارج المدرسة: مجموعات قراءة، نوادٍ، تفاعل إلكتروني حول الكتب. كثير من الشباب يستقون توصياتهم من منصات مثل BookTok أو مراجعات يوتيوب، لكن الصف يمكن أن يكون المصدر الأهم لتوصيات موثوقة.
في صفي، أمارس «حديث الكتاب» أسبوعيّاً: أعرّض روايةً أحببتها، أعرض نسخة مطبوعة، وأشرح أسباب إعجابي كي يجذب ذلك انتباه الطلاب. أعقب ذلك بفرصة للطلاب لعرض كتبهم المفضلة أمام زملائهم. أستخدم لوحات إعلانات بعنوان «ماذا يقرأ الطلاب؟» لتشجيع النقاشات والتوصيات، ولوحة أخرى بعنوان «ماذا يقرأ مدرسك؟» أضع عليها قراءتي الحالية وملخصاً موجزاً وتوصيات مُنقّحة لإثارة فضول الطلاب. كما تجذب الأنشطة اللاصفية مثل نادي الكتاب، نوادي الكتابة أو حتى فرق الرياضة عندما تتبنّى قراءة مشتركة — ففي مدرستي يجري مدرّب فريق كرة القدم مع لاعبيه قراءة رواية موحدة كبداية للموسم ليبني الجهد والروح الرياضية اعتماداً على قيم مستوحاة من القصة.
ختاماً، إن إعادة الفرح إلى القراءة تتطلب تغييراً منظومياً: منح الاختيار، جعل القراءة واجباً اجتماعياً ذا معنى، وإدماجها في كل لحظة مدرسية ممكنة، فسحينئذٍ تتحول الكتب إلى رفيق دائم في رحلة نمو شبابنا.