طريق ترامب للسلام والازدهار عبر أطلال سكة حديد سوفييتية
محطّة مهجورة، بضع عربات صدئة، وعشرات الأمتار من السِكّة؛ هذا كل ما تبقّى من سكة حديد سوفييتية في جنوب أرمينيا. قد يبدو الأمر غير منطقي، لكن هذا الممر المتردّي في منطقة جنوب القوقاز رُشح ليصبح رمزاً للسلام بوساطة الرئيس الأمريكي، في ما يُعرَف بمبادرة طريق ترامب للسلام والازدهار (تريب).
مشتتة في المكان بقايا رأس تمثال لبطل شيوعي، وتمثال أنثى تفتقر إلى ذراع. “نحن على طريق ترامب، المعروف أيضاً بمفترق السلام وطريق الحرير وممر زانجزور”، يقول ماروت فانْيان، صحفي محلي. “لكن حتى الآن لا يبدو أي شيء هنا أمريكياً.”
تُصنَّف هذه المبادرة كجزء من محاولات إنهاء ما يصفه ترامب بـ«الحروب التي لا تنتهي»، عبر اتفاق بين أرمينيا وخصمها القديم أذربيجان. تتضمن الخطة دخول شركات أمريكية لتطوير ممر طوله 43 كيلومتراً على طول الحدود الأرمنية‑الإيرانية، بموجب عقد يمتد 99 سنة، ويربط أذربيجان بمقاطعتها المنفصلة ناخجيوان — أو بصيغة محلية قد تُكتب نخجيوان. يُعدّ الطريق سكة حديد، وطريقَ سيارة، وأنابيب نقل، وتحدث ترامب عن “استثمارات مالية كبيرة تفيد اقتصادياً دولنا الثلاثة”.
على الأرض تبدو المهمة شاقة: الربط سيُبنى من الصفر، والمشكلات السياسية تفوق بكثير العقبات الاقتصادية. تدخل ترامب قد يعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية في منطقة تعتبرها روسيا ضمن مجال نفوذها، ويثير قلق عناصر متشددة في طهران التي تهدّد بإحباط المشروع.
حرب وسلام في القوقاز
تكمن أهمية مقترح تريب في كونه مفتاحاً لإنهاء نزاع بدأ حول ناغورنو‑كاراباخ، وهي منطقة ضمن حدود أذربيجان ذات أغلبية أرمنية تاريخياً. في 2023 استعادت أذربيجان السيطرة على المنطقة، وفرّ معظم السكان الأرمن من منازلهم، في حدث لم يكن الأول من نوعه خلال هذا النزاع: ففي التسعينيات نزح أكثر من نصف مليون أذربيجاني.
كان فانْيان من بين النازحين عام 2023، واستقرّ في محافظة سيونيق الجنوبية حين تحوّلت إلى بؤرة توتر جديدة بين الجارين. طالبت أذربيجان بتحويل جزء من الإقليم إلى “ممر” يصل إلى منفذها النافذ ناخجيوان، فيما عرف بممر زانجزور. وعندما رفضت أرمينيا هذا الطلب اندلعت اشتباكات على الحدود وأثار البعض خشية اندلاع حرب جديدة.
ثم، في أغسطس/آب 2025، فاجأ ترامب الأطراف بإخراج الجمود عبر استضافته رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان في البيت الأبيض، مقدِّماً صيغة مصمَّمة لإرضاء الطرفين: طريق يضمن “تواصلًا غير معوّق” لأذربيجان و”احتراماً كاملاً” لسيادة أرمينيا، مع إدارة الممر من قبل شركة أمريكية خاصة. قيل إن الاجتماع أعاد السلام إلى المنطقة، ووصف القادة التدخّل الأمريكي بأنه محرِّك للتغيير، رغم أنّ الوثيقة الموقعة تفتقر لتفاصيل عملية ولا تحدد جدولاً زمنياً واضحاً للبناء.
تقاطع مصالح غربية وروسية وإيرانية
أُتيحت الوساطة الأمريكية جزئياً بسبب تراجع نفوذ روسيا في جنوب القوقاز. على مدى سنوات سعت موسكو لإعادة فتح هذا الممر الذي صار اليوم يحمل اسم رئيس أمريكي. اقترحت روسيا أن تتولى قوات حرس الحدود التابعة لها تأمين الطريق، وقد رُفض هذا المقترح، لكنها لا تزال تقوم بدوريات على طول مقطع الحدود الأرمنية‑الإيرانية الذي اختير لمسار تريب. خلال تصوير فريق صحفي للمكان توقفت دورية روسية واستفسرت عن طائرة بلا طيار تحلّق فوق الحدود قبل أن تتابع طريقها.
سيونيق مركز حيوي لصادرات أرمينيا، ومن المعتاد رؤية رجال أعمال وشاحنات إيرانية هناك. شركات إيرانية تنجز جسراً جديداً سيعبر طريق تريب المستقبلي، ونهر آراس الذي يفصل بين إيران وأرمينيا هو المسار الذي سيقتفيه الممر في الواقع. لكن يبقى التحدث عن تواجد شركات أمريكية وإيرانية على أرض أرمنية أمراً معقّداً، خاصة في ظل التوترات الأمريكية‑الإيرانية المتصاعدة بسبب الحرب في الشرق الأوسط.
أطلق مستشار رفيع للقائد الأعلى الإيراني تحذيراً حادّاً لوصف تريب بأنه “قبر لمرتزقة دونالد ترامب”، بينما اتخذت طهران على الصعيد الرسمي موقفاً أكثر تروّيًا، مؤكدة أنها صديقة وجارة للبلدين وأن أرمينيا طمأنتها أن المشروع لا يمثّل تهديداً لمصالحها.
تحركات أوروبية وتركية
تزايد أيضاً الحضور الأوروبي في جنوب أرمينيا: فرنسا بدأت مؤخراً مبيعات أسلحة إلى يريفان وافتتحت قنصلية في سيونيق، وتنتشر بعثة مراقبة تابعة للاتحاد الأوروبي في المنطقة. تنظر بروكسل إلى طريق ترامب على أنه جزء من “الممر الأوسط” الذي يربطها بآسيا الوسطى والصين متجاوزاً روسيا، وهو ما يجعل تركيا أيضاً راغبة في الاستفادة من تآكل النفوذ الروسي. أنقرة تجري محادثات مع يريفان لتطبيع العلاقات وأعربت عن دعمها لمشروع تريب الذي سيوفّر وصلة مباشرة من تركيا إلى أذربيجان مروراً بمنطقتها المنفصلة.
تصرّ الحكومة الأرمنية على موقف هادئ، وتعبر عن رغبتها في أن تتحوّل البلاد إلى “مفترق للسلام” يتعاون فيه كل اللاعبون الإقليميون. “يقولون إن الأمور ستكون على ما يرام وأن استثمرات بالمليارات ستتدفّق، وطرق جديدة وتجارة مع إيران وأمريكا وأوروبا وتركيا وأذربيجان”، يبتسم فانْيان بسخرية تملؤها الدهشة.
حتى الآن لم تُوقَّع معاهدة سلام رسمية بين يريفان وباكو، لكن أمراً واحداً بدا واضحاً بعد لقاء واشنطن: منذ ذلك الاجتماع لم تُسجّل أي تبادل لإطلاق النار على الحدود الأرمنية‑الأذربيجانية. لقد جلبت مبادرة ترامب على الأقل هدنة مؤقتة لمن عاشوا لسنوات في خوف من تجدد القتال.