دراما الحياة الخفية في فن والتر سيكرت

كما يذكّرنا و. هـ. أودن في قصيدته الكبيرة الصادرة عام 1938، عند تأمل لوحة بيتر بروجل الأكبر «المنظر مع سقوط إيكاروس»، فإن حدثًا دراميًا — مخلوق أسطوري يحترق أجنحته ويسقط في البحر — لا يعني شيئًا للفلاح على التل الذي يَسير بلا اكتراث. المشهد الذي يهمّ العالم ليس بالضرورة ما يهمّ من يقف جانبه، واللافتات الصغيرة قد تختفي أمام القماش الأكبر من حولها.

ولعلنا نَشعر بأمرٍ مماثل حين ندير ظهرنا إلى الحدث المركزي أمام اللوحة: الأطراف الصغيرة المتحركة، ساق أو ساقان تختفيان عند حافة التركيبة، تبدو تافهة أمام أشرعة السفينة المنتفخة أو قميص الفلاح الأحمر الفاقع. كل شيء يتراجع أمام التفاصيل الأكثر بروزًا.

كنت هكذا تمامًا حين تجولت في صالة عرض أنيقة في أحد أرقى أحياء شمال لندن، حيث تتألّق الشرفات المطلية بالجص الأبيض تحت ضوء شمس سبتمبر؛ حضرت لمشاهدة معرض بعنوان «الحب والموت والملل»، مجموع ذو طابع خاص يضم سلسلة من المطبوعات وبعض اللوحات الزيتية المعارة لعرض أعمال والتر ريتشارد سيكرت.

سيكرت — نصف دنماركي ونصف ألماني — قضى حياته متنقلاً في أوروبا وغالبًا ما عاش في إنجلترا؛ تدرب على يد وايتسلر، لكنه سار دومًا في طريقه الخاص. مثل لوحة إيكاروس لدى بروجل، كثير من موضوعاته تنحو إلى ما يَظهر على الهامش، إلى ما يبدو تافهًا أو ثانويًا؛ لم يكن مهووسًا بالبريق أو التملّق كما يفعل بعض معاصريه البارع. فنّه، سواء في المطبوع أم على القماش، قد يبدو أقرب إلى الخشونة أو اليومي العادي، لكنه ثريّ في دلالاته.

ما يلفت الانتباه في هذا المعرض هو التفاعل الغريب بين كمّ المطبوعات — جميعها من مجموعة خاصة واحدة — وعدد محدود من اللوحات المكتملة المعروضة على الجدران. سيكرت كان طَبّاعًا فوضويًّا وخصبًا: يعيد العمل على نفس الموضوع مرارًا وتكرارًا؛ قد تنشأ طبعة من لوحة، ثم تدفعه اللوحة للرجوع مسرعًا إلى طبعة سابقة ليقترح زاوية رؤية مختلفة. في عالمه، كل شيء قابل لإعادة الصياغة، ولا شيء يُترَك على حاله بشكل نهائي.

يقرأ  «أين والدو؟»تلتقي برؤى ساخرة وكابوسيةفي رسومات بن تولمان المعقدة بالحبر— كولوسال

خذ لوحة «الملل» (حوالي 1913–1914) كمثال: زيت صغير محاط بعشرات المطبوعات — تجارب، تأملات لاحقة، متغيرات، زوايا مقتطعة — تسميها ما شئت. اللوحة تقترب من رجل مُسنّ جالس في كرسي، يدخّن غليونًا، لا يحدق في شيء بعينه، بل في فراغ ممتد. هل إن اسم اللوحة جزء من طرافة صنعها؟ الملل، أو سآمة العالم، كان ثقيلاً على روح شاعرٍ عظيم كـ بودلير قبل نصف قرن من ذلك؛ عند سيكرت، يبدو الرجل مجرد هامد قليل الاهتمام أكثر من أن يكون مُنهكًا روحًا.

ثم هناك تلك اللافتة الصغيرة: امرأة تقف خلفه، بوجهها لجهة أخرى؛ تلك الشظية من التفاصيل تضيف تعقيدًا إلى السرد وتفتح أمام الناظر احتمالات لا نهائية حين يتابع المطبوعات المتعددة التي تتعامل مع ذلك العالم الضبابي المدخّن بالغليون.

لوحة أخرى بعنوان «الصحيفة» (1905–1906) تسمح للناظر بأن يحدق عميقًا في الفراغ الأسود لأنف امرأة — منظر يوقظ الإحساس بالرعب. بهذه اللمسات الصغيرة والمتكررة يستطيع سيكرت أن يحول اللحظة اليومية إلى مصدر دائم للتأمل.

المعرض يقدّم أعمالًا متنوعة: دراسات، لوحات، رسوم بالحبر والألوان المائية، وباستيل على لوح. العمل على نفس الموضوع مجددًا، العودة إلى نفس الزاوية أو اقتطاعها بشكل حاد، كل ذلك يجعل المجموع أقرب إلى حوار داخلي طويل بين الوسائط الفنية بدل أن يكون مجرد سلسلة من الأعمال المنفصلة.

معرض «الحب والموت والملل» مستمر في صالة Piano Nobile (129 Portland Road, لندن) حتى 19 ديسمبر. المعرض من تنظيم الصالة نفسها، ويستحق الوقوف فيه قليلًا لتتبع كيف يحوّل سيكرت البسيط إلى معانٍ مركبة وعميقة، وكيف تبقى التفاصيل الهامشية، أحيانًا، هي التي تُعيد تشكيل قصص اللوحات بأسرها.

أضف تعليق