٢٬٣٠٠ كيلومتر من الحرارة والتاريخ وصمود ركّاب الدراجة الرحّالة

قضى صُنّاع أفلام ورياضيو التحمل آدم باوليكيفيتش وليو برازيل صيفَهما في عبور إسبانيا على الدراجة. امتدت رحلتهما نحو 2300 كيلومتر عبر ريفٍ إسباني من أوفييدو إلى طريفة، ويتتبّع فيلمهما الجديد Trans Al-Andalus المسار القديم لإمارة الأندلس. يوثّق الفيلم لحظات النشوة والانكسار والدروس غير المتوقعة في تجربة تمزج بين ظروف قاسية وانغماسٍ ثقافي عميق.

كانت إمارة الأندلس الإقليم المسلم في شبه الجزيرة الإيبيرية منذ بدايات القرن الثامن وحتى أواخر القرن الخامس عشر، ولا يزال تراثها يشكّل جزءًا أصيلاً من هوية إسبانيا المعاصرة. امتدت من جبال البرانس إلى السواحل الجنوبية، فكانت مركزًا لتلاقح الحضارات حيث عاشت مجتمعات مسلمة ومسيحية ويهودية جنبًا إلى جنب، وساهمت في تقدم العلوم والفنون والزراعة والعمارة بطرق تركت أثرًا عبر أوروبا لأجيالٍ متتالية. تظلّ معالم مثل مسجد قرطبة وقصر الحمراء في غرناطة شواهد حيّة على تلك الحقبة، لكن التأثير أعمق من ذلك — في نظم الري واللغة والمأكولات والأسماء الجغرافية. بالنسبة لآدم وليو، لم يكن تتبُّع مسارهما مجرد اجتياز مسافات؛ بل كان عبورًا في زمنٍ حيّ، حيث تحممل كلّ مدينة ومَسار صدى فصلٍ معقّد ومتحوّل في تاريخ إسبانيا.

حرارة الصيف الإسبانية ليست مجرد إزعاج؛ بل قاسية إلى درجة تُعيد تشكيل كل مفاصل الرحلة. في شهري يوليو وأغسطس تخضع مساحات واسعة من البلاد لشمس لا ترحم، وتصل الحرارة بانتظام إلى الأربعينيات مئوية (مقاربةً 104 فهرنهايت). لم يكن الركوب في مثل هذه الظروف تحديًا بدنيًا فحسب؛ بل اختبارًا للتخطيط والصبر والحفاظ على الذات. أجبرت الحرارة آدمَ وليو على إعادة ضبط برنامجيهما: انطلاقات في الصباح الباكر لكسب الأميال قبل ذروة النهار، فترات استراحة طويلة في شِظايا الظل القليلة، ودفعات مسائية عندما يلين الهواء. فرضت الحرارة إيقاع الرحلة وخيارات المسار وحتى الذهنية؛ ما بدا في بدايته رحلة بايكباكينغ بسيطة تحوّل سريعًا إلى رقصٍ استراتيجي مع المناخ — تذكير بأن الصيف في إسبانيا ليس خلفية بل شخصية رئيسية.

يقرأ  تقرير أمميكوريا الشمالية تُعدم أشخاصًا لمشاركتهم أفلامًا وبرامج تلفزيونية أجنبية

وامضِيين جنوبًا عبر قلب إسبانيا، تعقّبوا بقايا العمارة الموروية، وأنظمة الري التي تعود لقرون، وبلدات تلال محصّنة. تذوّقوا مأكولات محلية، واستكشفوا معالم أثرية، وانغمَسوا في وتيرة سفرٍ أبطأ تتباين بحدة مع الشدة الجسدية للرحلة.

في منتصف الطريق مرّ ليو بوعكة صحية أجبرتهم على توقفٍ غير مخطّط أعاد تشكيل النصف الثاني من الرحلة. بدلًا من الاصرار على المضي قُدمًا، تكيفا — باختيار النُزل بدل أكياس النوم، وبالقيادة في ساعات الصباح والمساء، وبالتماهي مع إيقاع إسبانيا الطبيعي. ما كان ليكون نهايةً للرحلة تحوّل إلى درسٍ في المرونة والصمود المكتسب.

عند وصولهما إلى سواحل طريفة العاصفة بالرياح، لم تكن هناك هجمة نهائية نحو خط النهاية — بل رضا هادئ بعد أسابيع من الحرارة والتاريخ والأميال الشاقّة. Trans Al-Andalus ليس فيلمَ سباقٍ؛ بل استقصاء لما يحدث حين تحتضن الرحلة حقًا.

نُشرت هذه القصة أصلًا في BikeMag بتاريخ 6 أكتوبر 2025، حيث ظهرت أولًا في قسم الأخبار. أضِف BikeMag كمصدر مفضّل بالضغط هنا.

أضف تعليق