المحاور: ما أقوى ذكرى لطفولتك؟ وهل تتذكر اللحظة الأولى التي أدركت فيها أنك قادر على الرسم؟
الفنان: يبدو ذلك بعيداً جداً على ذاكرة الطفولة لأحدد توقيت البداية بدقة. أقوى ما علق في ذهني آنذاك كان الحرب؛ حين حلّق قاذفات بي‑29 فوق طوكيو وجعلت المدينة تلتهمها النيران. هربت إلى ملجأ الغارات وأمضيت الدقائق وأنا أحدق في المشهد اليائس، أتنفّس بصعوبة وأشعر بحرارة تحرق وجهي، فكنت أظلّ أغطّيه بمنشفة مبللة وأتحمّل مخاوف بدت وكأنها لا تنتهي.
في صغري كانت والدتي توبّخني دائماً لأنني أقضي النهار كله في رسم المانغا. لم يكن يهمّني سوى مشاهدة الأفلام والرسم؛ كنت أشاهد أكثر من خمسمئة فيلم في السنة، ومعظمها من أفلام الدرجة الثانية. تعاظم إعجابي بثقافة الولاات المتحدة الأمريكية عبر أبطال أفلام الغرب، والنساء الشقراوات الساحرات، ومقاهي الطعام المبهرة، والرسوم المتحركة مثل ميكي ماوس وبيتي بوب وبوبي، كلّها تركت بصماتها العميقة على أعمالي الحالية.
المحاور: يُنسب إليك دور رائد البوب آرت في اليابان بعد الحرب. هل ترى أن البوب آرت الياباني يختلف عن نظيره في العالم؟ وكيف تشرح ميلك للعمل بهذا الأسلوب؟
الفنان: في بداياتي تأثّرت كثيراً بالبوب آرت الأمريكي والبريطاني، وخصوصاً منهج أندي وارهول الذي كسّر الحدود بين الوسائط الفنية، الأمر الذي أدهشني ودفعتني لإخراج أفلام تجريبية وكتب فنية. مجموعات من أعمال البوب آرت التي كنت أجدها في مجلات فنية مستوردة في مكتبة في طوكيو حفّزت إبداعي بقوة. بالمقارنة مع أسلوب التعبير المتقن لدى البوب آرت في أمريكا وبريطانيا، يبدو البوب الياباني أقرب إلى قضايا محلية ومرتبطاً بسياق المجتمع بشكل أوضح.
المحاور: باعتبارك فناناً يستوعب تأثيرات متنوعة، هل هناك فنانون أو مدارس تنتمي إليها روحك الفنية؟ وبماذا تعمل هذه الأيام؟
الفنان: أجد نفسي قريباً من أعمال جورجيو دي شيريكو وميشيلانجيلو ميريسي دا كارافاجيو. أما في الفن الياباني فأعشق رسامي فترة إيدو مثل سوغا شوهكو وإيتو جاكوتشو وهاسيغاوا توهاكو. أعمال جاكوتشو تحديداً دقيقة وعميقة لدرجة أنها تذهلني دائماً.
ما أغواني أكثر هي أفلام الدرجة الثانية الأمريكية: روي روجرز في زيافته المبالغ فيها اللامعة وهو يمتطي الحصان الأبيض تريجر بدا كأنه حركة بوب آرت متحرّكة؛ مشهد جاين راسل وهي تكاد تكشف صدرها وتستلقي على القش بوضعية فاتنة بقي محفوراً في ذهني لا يمحوه شيء؛ غموض وفانتازيا فيلم المخلوق من البحيرة السوداء؛ وصدى خطوات لورين باكول وهي تمشي بكعوب عالية على ناطحات السحاب — كلها مصادر إلهام بالنسبة لي.
أما المواد التي أستخدمها فليست غريبة: ألوان أكريليك، قماش، كونتة، أقلام شمعية… وأحياناً ألصق على السطح زجاجاً مكسوراً لخلق تأثيرات انعكاس ضوئية. تستمد أعمالي إلهامها من المانغا، وكتب البورنو، وصحف الفضائح المليئة بالمقالات التافهة، وصور الجرائم المروعة المنشورة في الجرائد — باختصار، مصادر لا تنتمي إلى ما يُسمى بالثقافة الرفيعة.