تعرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لصفعة جديدة، بعدما ابتعد عنه بشكل لافت اثنان من رؤساء وزرائه السابقين بينما تتزايد الضغوط عليه للاستقالة إثر انهيار حكومته الأخيرة.
كان إدوار فيليب أول رئيس وزراء لماكرون بعد وصوله إلى السلطة عام 2017، في حين كان غابرييل أتال من أكثر معاونيه ولاءً، إذ عينه رئيساً للوزراء في يناير 2024 خلال ولايته الثانية. لكن قرار ماكرون المفاجئ بحل المجلس الأدنى للبرلمان في يونيو 2024، وهو ما أشعل الأزمة الحالية، أثار استياء أتال ودفعه لإظهار تحفظه العلني.
قرار كل منهما بالابتعاد عن ماكرون على نحو منفصل يعكس كيف تتآكل سلطته نتيجة عجزه عن ضمان حكم مستقر.
تستمر الاضطرابات السياسية في فرنسا منذ أكثر من عام، بعد أن أدى حل الجمعية الوطنية إلى انتخابات جديدة نتج عنها برلمان يغلب عليه خصوم ماكرون أسقطوا حكوماته المصغّرة الواحدة تلو الأخرى.
وجه أتال الضربة الأولى عندما قال مساء الاثنين على شاشة قناة TF1: «مثل كثير من الفرنسيين، لم أعد أفهم قرارات الرئيس».
ثم ازداد الضغط الثلاثاء على ماكرون بعدما دعا فيليب إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وترك المنصب بعد إقرار الجمعية الوطنية لموازنة 2026، رغم تأكيد ماكرون سابقاً أنه سيكمل ولايته الثانية والأخيرة حتى 2027. قال فيليب إن على ماكرون «القول إننا لا نستطيع ترك ما نعيشه منذ ستة أشهر يستمر. ثمانية عشر شهراً إضافية ستكون طويلة جداً وستضر بفرنسا».
الأزمة الأخيرة اندلعت بتقديم سيباستيان لوكورنو استقالته المفاجئة الاثنين — وهو رابع رئيس وزراء لماكرون منذ الحل، بعد أتال وميشال بارنيي وفرانسوا بايرو. وبعد قبول استقالته مدّد ماكرون لعضوه البالغ 39 عاماً 48 ساعة إضافية لإجراء «مفاوضات نهائية» في سبيل استقرار وطني، في محاولة أخيرة لإيجاد مخرج من المأزق وكسب بعض الوقت لتقرير الخطوة التالية.
التقى لوكورنو مسؤولي ما يُعرف بـ«الركيزة المشتركة» — تحالف من المحافظين والوسط الذين شكّلوا قاعدة دعم، وإن كانت هشة، لرؤساء وزراء ماكرون قبل أن تنهار حين أعلن لوكورنو تشكيل حكومة جديدة مساء الأحد. تلك الحكومة انهارت بعد أقل من أربع عشرة ساعة عندما سحب البارز المحافظ برونو ريتالّو دعمه.
اليسار يريد تولي الحكومة، واليمين المتطرف يطالب بانتخابات مبكرة
ماكرون، الذي بلغ معدلات تأييد قياساً متدنية غير مسبوقة، لم يعلن بعد عن تحركه المقبل. أقترح خصومه ثلاث خيارات: الاستقالة، الدعوة لانتخابات جديدة، أو تعيين رئيس وزراء من خارج معسكره السياسي. الخيار الثالث، المعروف بالتعايش، دافع عنه أحزاب اليسار. فقد فازت تحالف الجبهة الشعبية الجديدة بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2024 التشريعية، محبطةً موجة اليمين المتطرف لكنها لم تؤمن لها أغلبية.
إلا أن التحالف تهاوى سريعاً، وأضحى الاشتراكيون والشيوعيون على خلاف مع حزب جان-لوك ميلنشون اليساري المتطرف «فرنسا المتمردة».
قالت زعيمة حزب الخضر مارين تونديلييه لشبكة France Televisions: «نحن نفضل خيار التعايش — أن نُطلب لتحمل المسؤولية وأن نتمكن أخيراً من تغيير حياة الفرنسيين فعلياً».
على الجهة الأخرى، يضغط اليمين المتطرف لإجراء انتخابات سريعة. ترى «تجمع الوطني» بقيادة مارين لوبان، المتقدّم بفارق كبير في استطلاعات الرأي، أن إجراء انتخابات تشريعية جديدة قد يصب لمصلحتها. قال رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلّا: «أدعو رئيس الجمهورية إلى أن يسمع معاناة البلد، أن يخرج من عزلته، وأن يعلن حل الجمعية الوطنية. يجب أن نعود إلى الفرنسيين ليختاروا بأنفسهم أغلبية. نحن مستعدّون لتحمّل المسؤولية».
وفي الشارع، يبدو كثير من الفرنسيين مستنزفين ومحبطين. قال غيوم غلاد، عامل يبلغ من العمر 36 عاماً، لوكالة الأسوشيتد برس: «الانطباع أن الجمهورية الخامسة على أجهزة تنفس، على مخدر، وربما ينبغي أن نفكّر بتغيير الأمور قليلاً. هناك تصدعات في كل الجهات، ويمكننا أن نلمس ذلك».
المشهد السياسي في فرنسا الآن يعكس مأزقاً عميقاً: انسلاخ حلفاء سابقين، حكومات قصيرة العمر، وشارع يغلي بحثاً عن إجابات لمستقبل المؤسسات والديمقراطية. اصبح الجدل حول مصير ماكرون ومحاولات إنقاذه محور النقاش الوطني، فيما ينتظر الجميع قراراً قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية في الأشهر المقبلة.
— مساهمة مراسل الأسوشيتد برس أليكس تيرنبل في باريس. بتركين نقلت من لندن.