بول كيربي — محرر الشؤون الرقمية لأوروبا
لورا غوزّي — رويترز
بعد ثماني سنوات في السلطة تتزايد الضغوط على وضع إيمانويل ماكرون كرئيس مع تصاعد الأزمة السياسية في فرنسا. كان يوصف ذات يوم بـ«سيد الساعات» لقدرته على ضبط توقيت التحركات السياسية، لكن رصيده في التحكم بالمواعيد لم يعد كما كان. فقد استقال للمرة الثالثة خلال عام أحد رؤساء وزرائه، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو ثلاثة أرباع الناخبين يعتقدون أن على الرئيس التنحّي أيضاً.
حليف قديم لماكرون، إدوار فيليب، الذي شغل منصب رئيس الوزراء الأول في فترة ماكرون 2017–2020، دعا إلى تعيين شخصية تكنوقراطية لرئاسة الحكومة والدعوة إلى انتخابات رئاسية «بطريقة منظمة».
كيف وصلنا إلى هنا؟
أعلن رئيس الحكومة سيباستيان لكورنو استقالته مطلع يوم الإثنين بعد أن أمضى في منصبه 26 يوماً فقط. وبعد ساعات قال إنه استجاب لطلب ماكرون بالبقاء 48 ساعة إضافية لإجراء مفاوضات أخيرة مع الأحزاب «لأجل استقرار البلاد». كانت تلك التحولات غير المتوقعة أحدث حلقة في سلسلة اضطرابات بدأت عندما قرر ماكرون الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة في يونيو 2024، والتي أدت إلى برلمان معلق فقد فيه شركاء الوسط أغلبيتهم واضطروا للبحث عن تحالفات مع أحزاب أخرى.
قائد أحد هذه الأحزاب، برونو ريتايو من الجمهوريين المحافظين، انسحب من حكومة لكورنو بعد أربعة عشر ساعة من إعلانها.
كل شيء يتعلق بديون فرنسا
التحدي الأكبر الذي واجه لكورنو وسلفيه كان كيفية مواجهة دين البلاد الكبير والتغلب على الانقسامات الأيديولوجية بين أحزاب الوسط التي قد تشكل حكومة. في بداية هذا العام بلغ الدين العام نحو 3,345 مليار يورو (أي ما يقرب من 3.345 تريليون يورو)، أو نحو 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ثالث أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان وإيطاليا. ومن المتوقع أن يصل عجز ميزانية فرنسا هذا العام إلى 5.4% من الناتج المحلي.
ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو لم يصمدا سوى ثلاثة وتسعة أشهر على التوالي قبل أن تُطرح عليهما ثقة البرلمان بعدما سعيا لمواجهة العجز عبر ميزانيات تقشفية. ولکورنو لم ينجح حتى في تقديم خطة ميزانية؛ فقد وُجهت إليه انتقادات من جميع الأطراف فور إعلان تشكيلته الوزارية مساء الأحد، وبحلول صباح الاثنين قرر أن موقفه لا يُحتمل. وألقى باللائمة في رحيله على المواقف الجامدة للأحزاب التي، كما قال، «تتصرّف وكأن لديها أغلبية».
كل الأحزاب تترقب الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، كما تستعد لسيناريو الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة إذا قرر ماكرون حل البرلمان مرة أخرى.
من هم أبرز الفاعلين في هذه الأزمة؟
القادة الذين يطالبون باستقالة ماكرون منذ شهور يجتذبون الدعم من أقصى اليمين واليسار الراديكالي. مارين لوبان ومرافقها الشاب في التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلّا مستعدان للانتخابات ورفضا دعوة لكورنو للحوار. جان-لوك ميلنشون من فرنسا الأبية (LFI) يطالب بعزل ماكرون، وإن بدا أن ذلك احتمال بعيد؛ وهو مدعوم من الخضر. الاشتراكيون بقيادة أوليفييه فور تحالفوا مع اليسار الراديكالي في الانتخابات الماضية لكنهم تفاوضوا مع لكورنو بشرط أن يُشكل حكومة يسارية. ثم هناك غابرييل عطال، زعيم حزب النهضة الوسطي لماكرون، الذي قال إنه لم يعد يفهم قرارات الرئيس. وعلى يمين الوسط يوجد برونو ريتايو، الذي كان حزب الجمهوريين جزءاً من ما يُعرف بـ«الركيزة المشتركة» مع الوسط.
ماذا سيحدث الآن؟
انخرط لكورنو في محادثات مكثفة مع ممثلي الأحزاب، ولديه حتى مساء الأربعاء لعرض «منصة عمل واستقرار» على ماكرون. أمامه أربع خيارات — ولا يبدو أي منها مطمئناً.
– إذا نجح في إقناع أحزاب الوسط بتشكيل حكومة، فسيتمكن ماكرون من تسمية رئيس وزراء جديد، بغض النظر عن هويته. لكورنو ألمح إلى أنه لا يرغب في تولي المنصب، رغم أن ذلك ليس رفضاً قاطعاً. عندما استقال قال: «كنت مستعداً للتسوية لكن كل طرف أراد أن يتبنّى الأطراف الأخرى برامجه بالكامل.» ومع ذلك، تحتاج فرنسا لتمرير نوع من ميزانية 2026 لمعالجة الدين القومي، والأطراف تدرك ذلك.
– إذا فشل لكورنو، فإن الإليزيه أشار إلى أن ماكرون سيتحمّل «المسؤولية»، ما يعني على الأرجح الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، وهو سيناريو سيضر بحلفائه من الوسط وبالاشتراكيين، لكنه يفيد التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان. يجب أن تُجرى الانتخابات في موعد لا يتجاوز 40 يوماً بعد حل البرلمان — مما يعني اقتراعاً في نوفمبر.
– رئاسة ماكرون تنتهي بعد 18 شهراً لكنه يواجه ضغوطاً متزايدة للتنحّي. لقد رفض مراراً فكرة انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الخيار ليس مستبعداً بالكامل؛ فوزير سابق لماكرون، بنجامين حدّاد، يرى أن استقالته ستقود إلى لا شيء لأن الرئيس التالي سيواجه نفس المشكلة: «الانقسام السياسي هنا ليبقى.»
– حتى بدون اتفاق حكومي، يمكن للأحزاب أن تضع خلافاتها جانباً في البرلمان وتتوافق على ميزانية محدودة، لكن الثقافة السياسية الفرنسية ليست معروفة بالميل إلى التسويات.
هل نفد الطريق أمام ماكرون؟
بعد إعلان استقالة رئيس وزرائه الثالث خلال العام، بدا ماكرون وكأنه في موقف انعزالي خلال نزهة طويلة على ضفاف السين وهو يتكلم في هاتفه المحمول. قد تكون مجرد لفتة إعلامية، لكنها رمزية لطبيعة موقعه المنعزل، فيما يواجه أصعب خيارات حكمه ويبدو أن بعض حلفائه السابقين قد بدأوا في الهجران. ومع ذلك، من المرجح أن الرئيس كان على علم بالتحديات السياسية منذ وقت ليس بالقصير، وهو ليس من النوع الذي يستسلم بسهولة — سواء بمحاولة أخرى لتحقيق الاستقرار أو بخوض معركة سياسية. هناك شعور متزايد بأن زمن «سيد الساعات» قد يكون، نوعاً ما، قد بدأ ينهض منه.