سدّ الفجوة التعليمية العالمية — هل يستطيع التعليم الإلكتروني ردمها؟

فهم الفجوة التعليمية العالمية

حسب اليونيسكو، لا تزال ملايين الطفلات والطفال والبالغين محرومين من فرص تعلم ذات جودة، وما نطلق عليه “الفجوة التعليمية العالمية” لا يقتصر على مسألة الالتحاق بالمدارس فحسب، بل يشمل تفاوتات في الوصول إلى الموارد وجودة التعليم ونتائجه تبعاً للمكان الذي يعيش فيه الناس، ومستوى دخل أسرهم، وجنسهم. هذه الفجوات لم تنشأ بسبب الإنترنت فحسب؛ بل تعود جذورها إلى الجغرافيا والفوارق الاقتصادية والمعايير الثقافية، ولا تزال قائمة رغم الثورة الرقمية.

بينما يرتاد بعض المتعلّمين مدارس مرموقة مزوّدة بوسائل لا محدودة، يواجه آخرون عوائق عملية مثل بنية تحتية متردية، وانقطاع متكرر للكهرباء، وغياب الإنترنت، أو عدم قدرة الأسر على تحمل تكلفة أدوات التعليم الأساسية. أبرزت الجائحة هذا الانقسام بصورة جلية عندما تحوّل التعلم بسرعة نحو الفضاء الرقمي، فبات أولئك الذين يفتقرون إلى أجهزة أو اتصال مستقر وراء الركب. ومع ذلك، يبقى هناك أمل في أن يساهم التعليم الالكتروني في تضييق الهوة.

كيف؟ لأن منصات التعلم عبر الإنترنت قادرة على تقديم محتوى تعليمي لأي شخص يملك هاتفاً أو حاسوباً، فتزيل عوائق البُعد الجغرافي وتتيح الوصول لشرائح عالمية بتكلفة غالباً أقل من التعليم التقليدي. وبفضل تقنيات التكيّف (adaptive technologies) يمكن تكييف الدروس بحسب مستوى وقدرات المتعلّم، كما يسهل على البالغين اكتساب مهارات جديدة أو تحديث معرفتهم لمواكبة سوق العمل المتغير. بهذا الأسلوب يمكن للتعليم عبر الإنترنت أن يصبح أكثر شمولية ومرونة وتكلفة أقل، لكن يبقى السؤال: هل يكفي ذلك فعلاً لسد الفجوة أم ستظل التحديات تحجز ملايين الأشخاص عن التعلم؟

ما الذي يمنع التعلم الإلكتروني من جسر الفجوة؟

الفجوة الرقمية
القول بأن الحل في التعلم الإلكتروني يتجاهل واقع أن ليس الجميع لديه وصول إلى الإنترنت. الفجوة الرقمية — أي التفاوت بين من يملكون وصولاً موثوقاً للتقنية ومن لا يملكون — تبقى من أكبر العوائق في التعليم المعاصر. ملايين الناس لا يتوفر لديهم واي فاي عالي السرعة أو باقات بيانات بأسعار معقولة أو أجهزة حاسوب. وهذه المشكلة ليست مقتصرة على دول العالم النامي فقط؛ ففي دول غنية يعاني طلاب من أسر ذات دخل منخفض من نفس المشكلات. حتى يتحقق وصول إنترنت مستقر وأجهزة ميسورة التكلفة لن يحقق التعلم الإلكتروني إمكاناته كاملة.

التكلفة
قد يبدو التعليم الإلكتروني أو التعلم عبر الإنترنت أرخص من التعليم التقليدي — لا فصول فعلية ولا كتب مُطبوعة ولا تنقّلات — لكن التكلفة الحقيقية لا تزال تشكل عائقاً. يحتاج المتعلّم إلى جهاز موثوق (حاسوب محمول أو جهاز لوحي أو حتى هاتف ذكي متقدم)، وأسر كثيرة تكافح لتأمين تكلفة الاتصال بالإنترنت، خصوصاً في المناطق الأكثر حاجة. ثمة تكلفة خفية أيضاً: منصات كثيرة توفر دورات مجانية لكن الشهادات أو الميزات المدفوعة تتطلب رسوماً. إذن، مع أن التعلم عبر الإنترنت أقل كلفة من ذي قبل، فهو لا يزال خارج متناول ملايين الأشخاص.

يقرأ  الحديث التحفيزي الجيّد:لماذا لا يحتاج دومًا إلى نصائح؟

العوائق اللغوية والثقافية
تركز العديد من الدورات الإلكترونية على المتعلمين الناطقين بالإنجليزية أو على مناهج غربية ونخبوية، ما يترك شريحة واسعة من المتعلمين عالمياً محرومة من الاستفادة الكاملة. اللغة تشكل عائقاً مركزياً: الغالبية العظمى من المحتوى متوفر باللغة الإنجليزية، والترجمات أو الترجمة النصية غالباً ما تكون ناقصة مقارنة بوجود دورة كاملة بلغتك الأم. وتتجاوز المشكلة اللغة؛ فالمحتوى والطُرق التعليمية المستندة إلى سياق ثقافي غربي قد لا تتصل بحياة المتعلمين في مناطق أخرى. يحتاج المتعلّمون لمواد تربطهم بواقعهم ومجتمعاتهم وأهدافهم، وإلا فإن الاهتمام سيتبدد.

نقص الثقافة الرقمية
حتى عندما يتوافر الجهاز والاتصال، يبقى التحدّي في امتلاك المهارات اللازمة لاستخدامهما بفاعلية — ما يعرف بالثقافة الرقمية. الافتراض الشائع بأن الشباب بطبيعتهم بارعون في التكنولوجيا ليس صحيحاً دائماً: استخدام الشبكات الاجتماعية أو الألعاب ليس مرادفاً لإجادة منصات التعليم عبر الإنترنت، رفع الواجبات أو المشاركة في صف افتراضي يتطلب مهارات مختلفة. والقصّة لا تقتصر على الطلاب؛ المعلمون والأهل يحتاجون أيضاً إلى قدرات تقنية أساسية لدعم المسيرة التعليمية. وفي الأماكن التي لم يتعرّض فيها الناس للحواسيب سابقاً، يواجه المتعلّمون إحباطاً إضافياً لأنهم يتعلمون أسلوب العمل على الجهاز إلى جانب محتوى المادة نفسها.

ضعف المشاركة ومعدلات الإكمال
تعاني كثير من الدورات الإلكترونية من ضعف معدلات الإتمام، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى مشكلات الدافعية والشعور بالمسؤولية الجماعية. في الفصول التقليدية يحدد المدرّس مواعيد نهائية، ويخلق زملاء الدراسة شبكة دعم ومساءلة؛ أما التعلم الذاتي عبر الإنترنت فغالباً ما يفتقر لهذه الإلزامية، فيواجه المتعلِّمون صعوبة في البقاء متحمسين. كما يولد التعلم المنعزل أمام الشاشة شعوراً بالوحدة لا تعوضه المنتديات أو مجموعات النقاش تماماً. عوامل تشتيت مثل الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورها كذلك، إضافة إلى اختلاف جودة الدورات نفسها؛ فالدورات غير المصممة جيداً أو التي لا تراعي السياق المحلي تقلل من فرص الاستمرار والنجاح.

يقرأ  أحدث دفع رباعي رياضي من نيسان نيسمو لن يصل إلى هناهل ترغب به أصلاً؟

خلاصة
التعلم عبر الإنترنت يمتلك أدوات قوية يمكن أن تقلص من حدة الفجوة التعليمية إذا رافقته سياسات استثماريّة في البنية التحتية، وبرامج لدعم اقتناء الأجهزة، وتوسيع محتوًى لغوياً وثقافياً ذا صلة محلية، وتدريب على الثقافة الرقمية، وتصميم دورات تعزز المشاركة. بدون هذا المجهود المتكامل، سيظل التعلم الرقمي فرصة مهمة لكنها غير كافية لمنع ملايين الناس من أن تُترك وراء الركب. ليست كل المواد جذابة؛ وإذا بدا المحتوى مُملاً أو غير ذي صلة، يفقد الطلاب اهتمامهم بسرعة.

قضايا الجودة
تختلف فعالية التعلم الالكتروني اختلافاً واسعاً بين منصات ودورات مختلفة. بعض البرامج تُطوَّر بواسطة خبراء وتُبنى على مناهج تعليمية واضحة وميزات تفاعلية وأهداف تعلم محددة. بالمقابل، ثمة دورات تُعِدُّ بسرعة، تفتقر إلى تنظيم سليم أو لا تُحدَّث بانتظام. مع وفرة الشهادات والدورات المتاحة على الإنترنت، يواجه المتعلّمون صعوبة في التمييز بين العروض ذات القيمة الحقيقية وتلك التي تفتقر إليها. ينتج عن ذلك مشكلتان رئيسيتان: أولاً، قد يُبدد المتعلمون الوقت والمال في دورات لا تُعلّم مهارات مفيدة فعلاً. ثانياً، تواجه المؤسسات التعليمية وأرباب العمل صعوبة في تقييم الاعتمادات الإلكترونية؛ فشهادة من منصة قد تُقدَّر، بينما لا تُعترف أخرى على الإطلاق. هذا يُربك المتعلمين ويؤدي إلى تآكل الثقة في التعلم الالكتروني ككل—فإذا تراكمت التجارب السيئة مع دورات منخفضة الجودة، قد يفقد الناس إيمانهم بالتعليم عبر الإنترنت.

خمسة طرق يمكن للتعلم الالكتروني أن يحل بها المشكلة

1. التعلم المدمج
التعلم المدمج يجمع بين التعليم الحضوري التقليدي والأدوات الرقمية، وهو أسلوب قوي لتقليص الفجوة التعليمية العالمية. في كثير من المناطق، خصوصاً الريفية أو منخفضة الدخل، توجد مدارس لكنها تفتقر إلى موارد أساسية. بإدماج الموارد الالكترونية داخل الصفوف، يحصل المدرسون على دعم إضافي يمكنهم من تعظيم الاستفادة من الإمكانيات المحدودة، بينما يحصل الطلاب على فرص لا توفرها البيئة المحلية، مثل مراجعة الدرس في المنزل عبر تطبيق جوال أو منصة تعليمية.

2. التعلم عبر الهواتف المحمولة
في أماكن كثيرة يمتلك عدد من الناس هاتفاً محمولاً أكثر من حصولهم على خدمات أساسية مثل المياه أو الكهرباء؛ لذا فإن توجه “المحمول أولاً” في تصميم المحتوى يُعد فعالاً للغاية. هذا النمط يركز على إنشاء محتوى يناسب الشاشات الصغيرة: مقاطع فيديو قصيرة، اختبارات تفاعلية مبسطة، أو دورات موجزة يمكن إنهاؤها خلال دقائق قليلة—مما يتيح للمستخدم استثمار فترات التنقل أو الانتظار في تحسين مهاراته اللغوية أو التقنية. كما أن التطبيقات التي تتيح متابعة مناهج دراسية تفتح نافذة تعليمية لطلاب في قرى نائية بلا مدرسة.

يقرأ  ترامب: زيلينسكي يستطيع إنهاء الحرب «بشكل شبه فوري»

3. الشراكات
لا بد أن تتضافر جهود الحكومات والمنظمات غير الحكومية وشركات التكنولوجيا والمجتمعات المحلية لمعالجة الفجوة التعليمية. تستطيع الحكومات توسيع الوصول إلى الإنترنت وتقديم دعم مالي للأجهزة الرقمية، بينما تصل المنظمات غير الحكومية إلى الفئات الضعيفة كالأطفال في مناطق النزاع أو الفتيات في بيئات مقيدة. شركات التكنولوجيا توفر المنصات والأدوات، والمجتمعات المحلية تضمن ملاءمة البرامج لاحتياجات الناس. وجود شركاء متعددي الأطراف يعزز أيضاً المساءلة ويزيد احتمال استدامة الحلول.

4. توطين المحتوى
لكي يكون التعلم الالكتروني فعّالاً في سياقات مختلفة، يجب توطين المحتوى. كثير من الدورات الرقمية مصممة أساساً لجمهور غربي أو ناطق بالإنجليزية، مما يستبعد ملايين المتعلمين الذين لا يتقنون اللغة أو لا يجدون أمثلة تنطبق على واقعهم. التوطين يتعدى الترجمة الحرفية ليشمل تكييف الأمثلة، الأساليب التربوية، واللغة لتصبح طبيعية وذات صلة بثقافة المتعلم ومحيطه—فمثلاً مادة علمية في كينيا ينبغي أن تستشهد ببيئات محلية بدلاً من أمثلة أوروبية أو أميركية.

5. حلول منخفضة التقنية
غياب الإنترنت السريع أو الكهرباء المستمرة لا يعني انعدام فرصة التعلم. الحلول منخفضة التقنية تزيد من سهولة الوصول وتقلل الحواجز. تطبيقات تعمل دون اتصال تتيح تنزيل المواد عند توفر الإنترنت ثم استخدامها لاحقاً، ما يفيد المناطق ذات اتصال غير موثوق أو مكلف. التعلم عبر الرسائل النصية (SMS) يُستخدم في بعض الدول لإيصال دروس يومية إلى أصحاب الهواتف البسيطة. كما تُستخدم الإذاعة والتلفزيون لبث برامج تعليمية في مناطق واسعة. أحياناً تكون أبسط الأدوات هي الأنجح.

الخلاصة
الفجوة التعليمية العالمية لا تزال كبيرة، وتُبعد ملايين الناس عن التعلم النوعي. للتعلم الالكتروني قدرة حقيقية على تغيير ذلك، لكن التكنولوجيا وحدها غير كافية. من دون بنية تحتية موثوقة، محتوى شامل ومراعاة السياقات المحلية، قد يتحوّل التعيلم إلى عامل يفصِل بدلاً من أن يوحّد. لذلك يجب أن تتعاون الحكومات والمعلمون والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية معاً. بالتكامل بين أدوات رقمية ملائمة ودعم مؤسسي قوي، يمكن للتعلم الالكتروني أن يصل بالناس إلى المعرفة والمهارات بدلاً من أن يخلق انقساما جديداً.

المراجع:
[1] “المزيد من الناس يمتلكون هواتف محمولة أكثر من حصولهم على مياه شُرب نقية”
[2] “M‑Shule: التعلم والتدريب عبر الرسائل النصية، كينيا”

أضف تعليق