مرحباً بكم في الحلقة الرابعة من سلسلة نصائحنا. هذا الأسبوع نناقش موضوعاً يثير قلق كثيرين: التمييز على أساس العمر. إنه ضغط صامت يتسلل إلى المسار المهني بهدوء، يجعلك تتساءل إن كنت “كبيراً جداً” لتبدأ أم لتغيِّر اتجاهك الإبداعي.
أحد القراء يعبّر عن قلق شائع: اكتملتُ الأربعين وأخشى أنني فاتني القطار. أرغب في إعادة التأهيل في التصمبم، لكنني أخشى أن تكون الصناعة مولعة بالشباب. كل إعلان وظيفة أقرأه يجعلني أشعر وكأنني غير مرئي. ماذا لو أنفقت وقتاً ومالاً ثم اعتُبرت كبيراً جداً حتى لا يؤخذ أمري على محمل الجد؟ هل من سذاجة أن أبدأ من جديد حين تبدو الاحتمالات ضدي؟
لنكن صريحين: هذه المخاوف حقيقية. على الرغم من بريقها وابتكارها، ارتبطت الصناعات الإبداعية طويلاً بثقافة الشباب. وسائل التواصل تُصوّر باستمرار موجة من المواهب الشابة في الحفلات والجولات والمعارض، وهذا يعزز الانطباع بأن المساحة محجوزة لأصغر سناً.
لكن هذه ليست القصة كاملة. ثمة وجه آخر يحتفي بالخبرة، والمنظور، والثقة التي لا تأتي إلا مع الزمن.
البدء في وقت لاحق لا يعني أنك تخلفت عن الركب. في الواقع، كثير من المبدعين الذين أعادوا التأهيل أو غيّروا مسارهم في الثلاثينيات أو الأربعينيات أو حتى الخمسينيات اكتشفوا أن النضج يمنحهم ميزة في الحرفة وفهم أفضل لكيفية التنقل داخل الصناعة.
العقلية أهم من العمر
خبراء العلاقات العامة والموجهون يؤكدون أن الموقف الذهني يفوق رقم العمر. الحضور بطاقة وأفكار قوية يجعلان من يطرقون بابك يستقبلونك بترحاب؛ فالعامل الحاسم هو طريقة تفكيرك، لا عدد الشموع على كعكتك. أن تأتي محمّلاً بخبرات حياتية ومهنية متراكمة يمنحك مادة عملية لا يوفّرها الشباب وحدهم. إن كنت نشطاً ومتحمساً لعملك، فستجد مكاناً يقدّرك.
تتوافر أمثلة كثيرة: مصممة ورسامة اعتنقت المهنة لاحقاً في مسيرة مهنية سابقة، وتؤكد أن الخبرة والثقة المكتسبتين مع الزمن حسّنتا عملها بوضوح؛ أما مصمم آخر في منتصف الأربعين ففضّل العودة للعمل الفردي بعد سنوات من القيادة، ويحث على سعي الإتقان والجرأة على أن تكون نفسك لأن الحياة قصيرة ولا تستحق التنازل.
الإبداع لا يختص بالشباب. التصميم ينبع من العقل والخيال، ومع استمرار التعلم واللعب الذهني لا يوجد ما يعيقك فعلاً سوى العقبات الجسمانية الطفيفة.
التحدي موجود
هذا لا يعني أن التمييز العمري غير موجود. قصص كثيرة تورد كيف تقلّ فرص العمل بعد سنوات من النجاح الحر. حتى مع سجل حافل ومحفظة أعمال قوية وقائمة عملاء مرموقة، يجد بعض المبدعين صعوبة في العودة إلى وظائف بدوام كامل، ولا ينجحون غالباً في اقتحام وظائف تناسب أعمارهم المتوسطة بسهولة.
التحيّز العمري محسوس أيضاً في مُعاملة المؤسسات: مع تكرار نمط التدرج الوظيفي التقليدي (مدرسة > كلية > جامعية > مبتدئ > متوسط > كبير) تتشكّل مجموعات عمرية متقاربة في كل مستوى، ما يعزّز انطباعات تفضّل الشباب. فضلاً عن أن كثيراً من الوظائف التمهيدية تتطلب التواجد في المكتب وأجوراً متدنية، ما يجعلها غير عملية لمن هم في أواخر الثلاثين وما فوق الذين يتحملون التزامات سكنية وأسرية.
إيجاد البيئة المناسبة
مع ذلك، الواقعية لا تعني الاستسلام. كثيرون ممن اختاروا المسار المتأخر واجهوا تجارب مشجّعة؛ وكثير من مسؤولي التوظيف يضعون الحماس والشغف أمام العمر. التوصية الواضحة: ابحث عن أماكن تقدّر المهارة بغض النظر عن السن، وتجنّب البيئات السامة التي تستغل العمال أو تدفع أجوراً ضئيلة.
المثابرة أساسية
في نهاية المطاف، تكون المثابرة هي المفتاح. إعادة التأهيل في منتصف أو أواخر المسار المهني ليست دائماً سهلة؛ لكنها ممكنة. شغفك ونضجك يمكن أن يفوّضا عليك مزايا تفوق ولع الصناعة بالشباب. ستحتاج إلى وضوح في ما تقدمه من قيمة لا يمتلكها الآخرون وربما مقاومة وتحدّي أحياناً، لكن الأمر ليس مستحيل—بل قابل للتحقيق إذا ما استثمرت في تطوير مهاراتك وخلق شبكات مناسبة والدفاع عن قدراتك.
التمييز العمري موجود بلا شك، لكنه ليس جبلاً لا يُقهر. إن الشغف والمرونة والالتزام بالتعلّم المستمر غالبا ما يفوقان قيود الصور النمطية الراسخة.
في نهاية المطاف، لا تُحدَّد مسيرتك المهنية بموعد بدايتها؛ بل تُشكّلها الأصالة والمهارة والحماسة التي تحضر بها في اللحظة الحاضرة. سواء كنت في الخامسة والعشرين أو في الخمسين، فالإبداع لا يشيخ. وفي أحيان كثيرة، ليست السنّ هي العائق، بل الشكّ هو.
ابحث عن رفاق دربك. كن جريئًا. وتذكّر أن البدء متأخراً قد يمنحك صفاء الرؤية والخبرة والثقة التي تحتاجها للتفوّق. فربما يُعطي القطاع أولوية للشباب، لكنّ الأعمال التي تبقى في الذاكرة دائماً تُنحاز إلى الموهبه.